تربية وتعليم

تقرير برلماني يرسم صورة قاتمة عن واقع المدارس ويحذر من أخطار تهدد سلامة التلاميذ

تقرير برلماني يرسم صورة قاتمة عن واقع المدارس ويحذر من أخطار تهدد سلامة التلاميذ

رسم تقرير برلماني حديث أعدّه مجلس المستشارين حول “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح” صورة قاتمة عن مؤسسات تعليمية تفتقر لأبسط مقومات التجهيزات الأساسية، خاصة غياب الماء والكهرباء والمرافق الصحية، محذرا في السياق ذاته من مخاطر تهدد سلامة التلاميذ بفعل الحالة التقنية للحافلات المتهالكة المخصصة للنقل المدرسي بعدد من عمالات وأقاليم المملكة.

وسجل التقرير أنه منذ سنة 2009 تم تبني نموذج المدارس الجماعاتية باعتبارها إجابة مناسبة على إخفاق سياسة تقريب المدرسة من المتعلم في الوسط القروي، من خلال إحداث المدارس الفرعية التي “تفتقر لأبسط مقومات التعليم الجيد” من بنى تحتية ومرافق وتجهيزات ومدرسين، فضلا عن أنها تعتبر بؤرة لتجميع مستويات متعددة، يتم تدريسها من طرف مدرس واحد في نفس الفصل الدراسي.

أرقام مقلقة

ويشير التقرير إلى أن هذه المركبات التربوية التي أحدثت على أساس أن تتوفر كل واحدة منها على حجرات دراسية وداخلية وسكنيات للمدرسين والإداريين وملاعب رياضية وقاعات للأنشطة ومكتبة ومطعم، بكلفة متوسطة تصل إلى 10 ملايين درهم حسب تصريح لوزير التربية الوطنية في البرلمان سنة 2021، لم تنجز بالوتيرة التي كانت مقررة بحيث لم يتجاوز عدد المدارس الجماعاتية 271 مدرسة سنة 2023 من مجموع أكثر من 5000 مدرسة بالوسط القروي.

ويرى تقرير المجموعة البرلمانية الموضوعاتية أنه رغم الجهود المبذولة منذ سنة 2020 للرفع من عدد المدارس الجماعاتية المنجزة كل سنة، بحيث تراوحت ما بين 35 و45 مدرسة جديدة، فإن 90 بالمئة من المدارس بالعالم القروي عبارة عن مجموعات مدرسية تتكون من مدرسة مركزية ترتبط بها عدة فرعيات ظل عددها محدودا 13 ألف فرعية منذ سنة 2015.

وأكد أن المدارس الجماعاتية لا تستوعب أكثر من اثنين بالمئة من مجموع تلامذة العالم القروي، لافتا إلى أنه سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن سجل “غياب إطار قانوني منظم للمدارس الجماعاتية على المستوى التنظيمي والوظيفي”، ونبه إلى وجود خصاص في الموارد البشرية، خاصة الحراس العامون للداخليات والمقتصدون، إضافة إلى تسجيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لمجموعة من التحديات التي تواجه تدبير هذه المدارس، وخاصة بالمقارنة مع المدارس الفرعية، التي لا تختلف عنها في انخفاض مستوى التحصيل الدراسي.

وكشف التقرير البرلماني عن عدم توفر بعض المدارس على البنيات التحتية الأساسية مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب والمراحيض، لافتا إلى أن العديد من المدارس لا تتوفر على التجهيزات التربوية الأساسية مثل قاعة المطالعة التي لا يستفيد منها نصف التلامذة.

وسجل التقرير أن ربع تلامذة المدارس الجماعاتية فقط يستفيدون من خدمات الإقامة، و56 بالمئة من تلامذة القسم السادس ابتدائي من التغذية، و33 بالمئة من النقل المدرسي، بينما لا يستفيد مــن السكن الوظيفي في المدارس الجماعاتية سوى ربع الأساتذة.

فشل تقليص الهدر

وأكد التقرير البرلماني أن النقل المدرسي لم يسهم في تقليص نسب الهدر المدرسي، بالنسب التي تُوازي الارتفاع المسجل في عدد المستفيدين منه، مشيرا إلى أن عدد المنقطعين عن الدراسة في التعليم الإعدادي ارتفع بين سنتي 2017 و2019 بحوالي 21 بالمائة، قبل أن يعود إلى الانخفاض بنسبة 15 بالمائة بين سنتي 2019 و2021 .

وهو ما اعتبره تقرير المجموعة الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية الخاصة بمناقشة السياسات العمومية وتقييمها بمجلس المستشارين، يتوفر “مدار21” على نسخة منه، مؤشرا على “تأثير نسبي للنقل المدرسي على الاحتفاظ بالمتعلمين والمتعلمات في المدرسة”.

واستنادا على معطيات التقرير البرلماني فإنه رغم تطور أسطول الحافلات المستغلة في العمالة والأقاليم التي شملتها المهمات الرقابية، فقد تبين أن مؤشر التمدرس، من خلال عدد غير المسجلين وكذا المنقطعين، عرف “تذبذبا” من إقليم إلى آخر.

ففي عمالة وأقاليم جهة الشرق، على سبيل المثال، عرف عدد غير المسجلين زيادة بلغت نسبتها 0,87 بالمئة خلال الفترة 2017-2020، وانتقل من 5.401 إلى 5.448 طفلا بينما في إقليم تارودانت عرف عدد المنقطعين عن الدراسة منحى تصاعديا إذ انتقل من 2.982 إلى 3.609 تلاميذ منقطعا خلال الفترة 2016-2019.

وعرفت نسبة التمدرس بإقليم مولاي يعقوب، وفق المصدر ذاته، تحسنا ملحوظا خلال الفترة 2015-2020، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة حسب الفئة العمرية، حيث انتقلت نسبة التمدرس الإجمالية بالنسبة للفئة العمرية 14-22 سنة من 77 إلى 83 في المئة. وبالنسية للفئة العمرية من 15 إلى 17 سنة من 43 إلى 51 في المئة، وذلك ما بين الموسمين الدراسيين 2015/2016 و2019/2020، والمنحى ذاته عرفته نسبة تمدرس الفتيات التي ارتفعت، ما بين الموسمين المذكورين، من 68 إلى 75 في المائة، ومن 33 إلى 43 في المئة على التوالي”.

وتعود الأسباب الكامنة وراء عدم تحقيق النقل المدرسي للأثر المطلوب على مستوى تحسين مؤشرات التمدرس، حسب نفس التقرير، إلى ضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين،  وعدم اضطلاع العمالات والأقاليم بدورها الطليعي في المجال رغم أنها صاحبة الاختصاص الأصلي بموجب المادة 79 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم.

تهديد سلامة التلاميذ

بالإضافة إلى ذلك، أشار نفس التقرير البرلماني، إلى عدم توفر بعض الجمعيات المكلفة بالنقل المدرسي على المواصفات والمؤهلات المطلوبة، وعدم احترام شروط الراحة والسلامة اللازمة لنقل الأطفال، وعدم إبرام عقود الشغل مع أغلب السائقين، وعدم توفر الكثير من الحافلات على المواصفات التقنية المطلوبة، الشيء الذي يشكل خطرا على حياة الركاب.

وعلى سبيل المثال، كشف التقرير أنه تبين في إقليم تارودانت أن 148 حافلة “لم تخضع للمراقبة التقنية خلال الفترة 2015-2019″، أي بنسبة 82 بالمئة من مجموع الحافلات المستغلة، فيما خضعت 25 حافلة لإجراء الفحص التقني بصفة غير منتظمة خلال نفس الفترة، و8 حافلات فقط هي التي خضعت للمراقبة التقنية الدورية. وينطوي غياب المراقبة التقنية الدورية على مخاطر، من بينها استعمال حافلات غير مؤهلة للسير على الطرق العمومية، مع ما يمثله ذلك من خطر سواء على السائقين والمتمدرسين وعلى مستعملي الطريق”.

وحسب التقرير البرلماني يبقى طموح الحد من الهدر المدرسي رهينا، إلى جانب تحسين جودة التعلمات، بتقديم دعم اجتماعي مندمج يؤلف بشكل ذكي ومرن بين مكوناته الأربعة المتمثلة في الدعم المالي والإيواء والإطعام والنقل المدرسي، مع تكييف العرض المقدم حسب طبيعة الحاجات التي يتم رصدها بشكل دقيق لدى الأسر المعنية.

ويرى التقرير البرلماني أن هذه المعطيات تؤكد “ضعف نموذج المدارس الجماعاتية في فرض نفسه، بوصفه بديلا عن المدارس الفرعية من الناحية الكمية، نظرا إلى أن عدد المدارس الجماعاتية لم يصل بعد إلى 200 مدرسة مقابل أكثر من 13 ألف مدرسة فرعية.

وارتباطا بموضوع الدعم الاجتماعي وعد البرنامج الحكومي 2021-2026 بتوسيع شبكة المدارس الجماعاتية والتركيز أكثر على الإطعام والنقل المدرسي بدل الداخليات، التي لن يتم إحداثها إلا في حال تعذر الحلول الأخرى. ولفت التقرير إلى أن خارطة الطريق 2022-2026 راجعت هذا التوجه حينما أكدت على الرفع من عدد المستفيدين من جميع آليات الدعم الاجتماعي دون مفاضلة بين أحدها على الآخر، مع التدبير المندمج لها والحرص على جودتها.

وهي تدابير يرى تقرير المجموعة الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية الخاصة بمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، أنها “ملائمة لتوجهات الرؤية الاستراتيجية في مجال الدعم الاجتماعي، ويبقى نجاحها رهينا بمدى قدرة الفاعل الحكومي على تنزيلها بما يضمن تأثيرها الإيجابي على نتائج التعلمات وعلى نسب التمدرس خاصة في الوسط القروي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News