اتهامات بـ”نسف” استقلالية الجامعات تلاحق “مشروع ميداوي” للتعليم العالي

خرج تيار الأساتذة الباحثين التقدميين في النقابة الوطنية للتعليم العالي عن صمته بخصوص مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، معتبرين أنه “يضرب الهياكل المنتخبة في العمق مقابل توسيع صلاحيات إدارة المؤسسات الجامعية تحت مسمى مجلس الأمناء”، مهددين بإطلاق دينامية احتجاجية لرفض هذا المشروع، وفي مقدمتها إضراب وطني مفتوح.
ونصّت المادة 29 من الفصل الأول من الباب الرابع (حكامة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي) من مشروع القانون، الذي أثار الكثير من الجدل، على أن أجهزة الجامعة تتكون من مجلسين، هما مجلس الأمناء ومجلس الجامعة.
وتضمّن مجلس الأمناء، وفقًا لمشروع القانون الجديد ومقارنة بالقانون 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، إدراج مسؤولين جدد في تركيبته، وهم والي الجهة أو ممثله، وأمين السر الدائم لأكاديمية المملكة أو ممثله، وأمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات أو ممثله، وشخصيتان مشهود لهما بالخبرة والكفاءة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي من داخل أو خارج المملكة، يتم تعيينهما من لدن السلطة الحكومية المكلّفة بالتعليم العالي باقتراح من مجلس الأمناء.
محاولة لـ”التحكم” في الجامعة
هذا الوضع الجديد في أجهزة أو مجالس الجامعة أثار غضب الأساتذة الباحثين التقدميين، حيث حذّروا من تحويل الجامعة إلى فضاء إداري تابع للوزارة منزوع الصلاحيات، مشددين على أن ما أسماه المشروع الجديد مجلسًا للأمناء هو في الحقيقة محاولة للتحكم في الجامعة.
ويرفض الأساتذة أنفسهم، في بيان تنديدي، إفراغ الهياكل المنتخبة وتسليع الجامعة، معتبرين أن إيداع الحكومة، عبر وزارة التعليم العالي، مشروع قانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي لدى الأمانة العامة للحكومة قصد المصادقة عليه يوم الخميس 28 غشت 2025، هو خطوة تراجعية خطيرة.
وسجّل الأساتذة التقدميون أن “هذا المشروع لا يمثل إصلاحًا”، مستدركين أنه “نكسة ديمقراطية وضربة موجعة للجامعة العمومية بإفراغه للقانون 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، رغم نواقصه، من روحه الإصلاحية، وتحويله الجامعة إلى فضاء إداري تابع للوزارة منزوع الصلاحيات الديمقراطية”.
وأوضح الأساتذة أنفسهم أن هذا المشروع يضرب الهياكل المنتخبة، وفي مقدمتها مجالس الجامعات ومجالس المؤسسات الجامعية والمختبرات، في العمق، مشيرين إلى أنه “يحوّلها إلى مجرد أجهزة شكلية بلا صلاحيات، بينما يمنح سلطات مطلقة للإدارة عبر ما يسمى بمجلس الأمناء، وهو في حقيقته مجلس وصاية وتحكم”.
وبلهجة أكثر حدة، سجّل البيان، الذي توصلت جريدة “مدار21” الإلكترونية بنسخة منه، أن “هذا المشروع يشكّل خيانة للجامعة العمومية واعتداءً على استقلالية الأستاذ الباحث، وتلاعبًا بمصير بنات وأبناء الشعب المغربي، وهو في جوهره جزء من مخطط خصخصة مقنّعة للتعليم العالي يهدف إلى تسليع المعرفة، وتحويل الأستاذ إلى منفّذ تقني والطالب إلى زبون”.
وعلى المستوى القانوني، أورد المصدر نفسه أن “هذا المشروع يتعارض مع الفصول الدستورية (31 و33 و154) التي تكفل الحق في تعليم جيد والمشاركة الديمقراطية والحكامة الرشيدة”، مشددًا على أنه “يتناقض مع المواثيق الدولية التي التزم بها المغرب، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 26)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 13)، والهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة”.
وضمن الخطوات التي لوّح بها الأساتذة لمواجهة هذا المشروع القانوني، إضراب وطني مفتوح، وبناء جبهة وطنية واسعة تضم كل الهيئات النقابية الديمقراطية والحقوقية، لمواجهة هذا الهجوم الممنهج على الجامعة العمومية، والدفاع عن الحق الدستوري والإنساني في التعليم العالي.
مساءلة برلمانية لميداوي
جدل مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي انتقل إلى المؤسسة التشريعية، حيث ساءلت النائبة البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميداوي، عن مبررات إقصاء المكونات الجامعية الحقيقية من صياغة هذا المشروع.
وأوضحت النائبة البرلمانية في السؤال الكتابي، الذي توصلت جريدة “مدار21” الإلكترونية بنسخة منه، أن عرض مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي على أنظار المجلس الحكومي يوم 28 غشت الجاري، يطرح علامات استفهام كبرى حول المقاربة التشاركية، بحكم إعداده في غياب إشراك فعلي للمكونات الجامعية الأساسية من أساتذة ونقابات وطلبة.
واعتبرت التامني أن المشروع المذكور يتضمّن مقتضيات تمس بجوهر الديمقراطية الجامعية، مؤكدةً أنه “يقلّص صلاحيات المجالس المنتخبة، ويفتح الباب أمام منطق المقاولة بدل استقلالية الجامعة، فضلًا عن مأسسة انسحاب الدولة من تمويل الجامعات العمومية لفائدة القطاع الخاص”.
وأوردت البرلمانية نفسها أن “الأخطر من كل هذا هو سحب المادة 72 من القانون 01.00، التي كانت تضمن قانونيًا وجود مكاتب ومجالس الطلبة، وتعويضها بمقتضيات في المادتين 88 و89 من المشروع الجديد، التي لا تسمح إلا بإنشاء أندية ثقافية أو فنية أو رياضية تحت قيود صارمة، وهو ما يُقيد بشكل مباشر الحق المشروع للطلبة في التنظيم والتمثيل والدفاع عن حقوقهم”.