صغار المقاولين يطالبون بإحداث بنك حكومي لتجاوز أزمة التمويل

عُقِدت آمال كبيرة على برنامجي “انطلاقة” و”فرصة” لمنح الشباب الحامل للأفكار والمشاريع القدرة على تنزيلها على أرض الواقع بفضل التمويل، الذي يعد كعب أخيل بالنسبة للمقاولات الناشئة والصغيرة والمتوسطة؛ غير أن التجربة لا تبدو ناجحة بكل المقاييس؛ بما أن الإفلاس ما زال يزحم بأرقام متزايدة على المقاولات المغربية؛ الأسباب بلا شك متعددة، لكن لعل كلمة السر تكمن في طبيعة الأبناك المغربية.
وتتواصل أزمة التمويل التي تشتكي منها المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتؤدي بنسبة كبيرة منها للإفلاس، بعدما تعجز عن أداء ما بذمتها من ضرائب ونفقات الضمان الاجتماعي فيتم الحجز على حساباتها البنكية وسجلاتها التجارية.
ووفقًا للمعطيات التي قدمتها الكونفدرالية، عرفت سنة 2023 إعلان 33,000 مقاولة إفلاسها، أما في سنة 2024 فأعلنت 40,000 مقاولة إفلاسها. في حين يُتوقع أن تعرف هذه السنة 2025، إفلاس حوالي 50,000 مقاولة بصنفيها الذاتي والمعنوي.
في هذا الصدد، جاء برنامج “انطلاقة” بغية تمكين هذه المقاولات من تجاوز إشكالية التمويل؛ وبعدما تبينت التعقيدات الجمة التي تشوب هذا البرنامج، قررت الحكومة إطلاق برنامج آخر يمنح تمويلات أقل قيمة لكن بشروط أيسر تحت مسمى “فرصة”.
“بالنسبة لبرنامج إنطلاقة؛ فمن أكبر أعطابه انعدام المواكبة، لا من طرف المؤسسات التي وقعت عليه في سنة 2019 أمام الملك محمد السادس، ولا حتى من طرف الحاضنات التي دُفِع لها مقابل القيام بعملية المواكبة لكنها لم تؤد دورها”. يؤكد رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، عبد الله الفركي.
وشدد المتحدث على أن المجلس الأعلى للحسابات كان ينبغي أن يحاسب هذه الهيئات، “لا سيما بعدما اجتمعنا مع غرفته الرابعة، وأمضينا حوالي 4 ساعات لتقييم برنامج انطلاقة، قمنا فيها بجرد كافة الاختلالات التي تشوب البرنامج”.
أما بالنسبة لبرنامج “فرصة”، فالوضع أصعب بكثير؛ “هناك فئة كبيرة من المقاولين حصلوا على وعود بالتمويل من طرف الشركة المغربية للهندسة السياحية، بقيت حبراً على ورق”.
أين يكمن المشكل؟ بالنسبة للفركي، الخلل موجود في كون الأبناك المغربية التي تضطلع بتمويل المقاولات عبارة عن بنوك تجارية؛ “الأبناك التجارية تطلب ضمانات كبيرة لمنح القروض، عبارة عن ضمانات عينية، مثل الأملاك المحفظة، وهذا أمر صعب بالنسبة لمقاول في بداية مشواره أن يتوفر على هذا النوع من الضمانات” مضيفاً “كما أن الضمان قد تصل قيمته إلى ضعف قيمة القرض مرتين أو ثلاث”.
الحل بالنسبة للمقاولين الصغار والمتوسطين هو إحداث بنك حكومي على غرار دول أخرى كفرنسا التي أخذت المبادرة وأنشأت أبناكا حكومية، على غرار “BPI France” التي لا تمول سوى المقاولات الصغرى والمتوسطة ولا تتعامل مع المقاولات الكبرى في فرنسا.
وشدد المتحدث على أن “المقاولات الصغرى لا تستقطب سوى 1 في المئة من التمويل البنكي بالمغرب، في حين تمثل أكثر من 98 في المئة من النسيج الإنتاج الوطني، بينما 99 في المئة من التمويلات تذهب للمقاولات الكبيرة”.
وطالب بإحداث بنك حكومي بالمغرب لأن معظم المقاولات الصغرى في الوقت الحالي تمول نفسها بأموال ذاتية، وبالتالي تجد نفسها، على أبعد تقدير، بلا مصدر تمويل بدءً من السنة الثالثة لوجودها.