جدل “فرض” 30 ساعة عمل على أساتذة الابتدائي يسبق الدخول المدرسي

على بعد أسابيع من حلول موعد الدخول المدرسي الجديد، استبق أساتذة بالسلك الابتدائي هذا الموعد التربوي المهم بتجديد مطلب تخفيض ساعات العمل وتوحيدها مع عدد ساعات العمل الأسبوعية لباقي الأسلاك التعليمية الأخرى ورفع عبء تاريخي فُرض في 1983 (42 سنة)، حسبهم، دون مراجعة، معتبرين أن استمرار هذا الوضع يُجسّد تمييزًا صريحًا وغير مبرر بين أطر التدريس.
ويعتبر مطلب تخفيض ساعات عمل أساتذة السلك الابتدائي من القضايا التي تحضر في اجتماعات النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية مع مصالح وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي بشكل مستمر، دون أن يعرف هذا الملف تحركاً في اتجاه الاستجابة لمطالب أساتذة المدارس الابتدائية العمومية، حتى في مضامين النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.
الاتحاد الوطني للتعليم، وهو إطار نقابي حديث مهتم بقضايا أساتذة السلك الإبتدائي، أنجز دراسة لفحص قانونية اشتغال أساتذة الابتدائي لـ30 ساعة أسبوعية، مقترحاً اعتماد مقاربة مرحلية تستهدف في نهاية المطاف توحيد ساعات العمل بين جميع أسلاك التعليم، ورفع الحيف التاريخي عن أستاذ التعليم الابتدائي.
“تميِيز مهني صريح”
وفي تفاصيل المقترح الذي أعدته النقابة عينها، ضمن الدراسة التي توصلت جريدة “مدار21” الإلكترونية بنسخة منها، اقترحت النقابة أن يتم في المرحلة الأولى -الموسم الدراسي 2025/2026- اعتماد غلاف زمني أسبوعي من 24 ساعة للتدريس بالسلك الابتدائي بيومي راحة أسبوعية: السبت والأحد.
وسجلت الدراسة أن هذا الحل يسترجع الوضع الأصلي المعمول به قبل 1983، دون كلفة إضافية على ميزانية الدولة، مشددةً على أنها خطوة إنصاف أولى ضرورية، تصحّح وضعًا استثنائيًا استمر لعقود.
وفي المرحلة الثانية – الموسم الدراسي 2026/2027، حسب المصدر ذاته، سيتم توحيد الغلاف الزمني الأسبوعي للتدريس بين الأسلاك الثلاثة (ابتدائي، إعدادي، تأهيلي) وبالتالي تنزيل مبدأ الإنصاف الكامل بين الأطر التربوية في المهام والتكوين والحقوق وتكريس مبدأ العدالة المهنية داخل هيئة التدريس.
وسجل المصدر ذاته أن مطلب توحيد عدد ساعات العمل الأسبوعية بين أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والتأهيلي يُعدُّ شرطًا أساسيًا لتحقيق الإنصاف المهني داخل المنظومة التربوية المغربية، مشيراً إلى أن الوضعية الحالية، التي تُلزم الأستاذ في التعليم الابتدائي بأداء 30 ساعة أسبوعيًا، مقابل 24 ساعة في الإعدادي، و21 ساعة في التأهيلي، تُجسّد تمييزًا صريحًا وغير مبرر، يتعارض مع مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، خاصة وأن باقي المعطيات المرتبطة بالتوظيف والتكوين والمهام أصبحت موحدة بين جميع الأسلاك.
“غياب تقنين ساعات العمل”
وفي ما يتعلق بالنصوص القانونية المتعلقة بتنظيم ساعات العمل، أورد المصدر ذاته أنه رغم ما نصّت عليه المواد (15، 21، 26) من النظام الأساسي لسنة 2003 على أن مدة التدريس الأسبوعية تُحدد بقرار مشترك بين وزارة التربية الوطنية ووزارة المالية ووزارة الوظيفة العمومية، لم يصدر هذا القرار حتى اليوم لعموم أساتذة الأسلاك الثلاثة، باستثناء الأساتذة المُبَرَّزين العاملين في الثانوي التأهيلي، الذين حُدّدت ساعات عملهم في 14 ساعة فقط بموجب القرار المشترك رقم 1145‑09.
وفي هذا الصدد، أوردت الدراسة أن عدد الساعات المعتمد حاليًا (30/24/21) لا يستند إلى أي نص قانوني منشور في الجريدة الرسمية، مما يعني أن هيئة التدريس، وعلى رأسها أستاذ التعليم الابتدائي، تشتغل خارج أي إطار قانوني مُفعّل، في سابقة غريبة داخل الوظيفة العمومية.
وبالعودة إلى مضامين النظام الأساسي الجديد، أوردت النقابة عينها أن المادة 68 منه تُعزّز هذا الغموض، حيث تنص على أن تحديد مدة التدريس تتم من طرف وزارة التربية الوطنية بعد استطلاع رأي اللجنة الدائمة لتجديد المناهج والبرامج، لكن هذا لم يتحقق حتى الآن، ما يجعل عدد الساعات الحالي غير قانوني وغير منصف.
“30 ساعة.. عبء تاريخي دون مراجعة”
وأكدت الدراسة أن الغلاف الزمني لأستاذ التعليم الابتدائي كان تاريخياً محددًا في 24 ساعة أسبوعيًا إلى حدود سنة 1983، حيث تمت إضافة 4 ساعات بشكل تدريجي، في إطار ما سُمّي آنذاك بـ”الساعات التضامنية المؤقتة”، التي جاءت كإجراء ظرفي لمواجهة آثار أزمة التقويم الهيكلي (PAS).
وأوضحت الدراسة أن هذا الإجراء تم تبنّيه في سياق سعي الدولة لتقليص النفقات العمومية، من خلال رفع عدد ساعات العمل دون مقابل مالي، بهدف تقليص الحاجة إلى التوظيف، وبالتالي خفض كتلة الأجور، مسجلةً أن الساعات التضامنية، بعبارة أوضح، لم تكن مجانية فعليًا، بل دُفعت من راحة الأستاذ ووقته وجهده، لصالح الدولة التي جنّبت نفسها صرف رواتب آلاف الموظفين الجدد.
وسجلت الدراسة أن الغلاف الزمني الأصلي لتعلّم التلميذ كان محددًا في 24 ساعة أسبوعيًا فقط، ما يُؤكد أن الزيادة لم تكن مرتبطة برؤية تربوية أو بإصلاح بيداغوجي، بل بإجراء مالي صرف، مضيفةً أن نظام العمل حينها كان يمنح الأستاذ يومي راحة أسبوعية (الجمعة والأحد)، ما يدلّ على أن الرجوع إلى 24 ساعة عمل أسبوعيًا ويومي راحة كما كان قبل 1983 يُعد خطوة منطقية نحو إنصاف هذه الفئة، ولا يُشكّل أي عبء إضافي على ميزانية الدولة.
واستحضرت النقابة التجارب الدولية بخصوص تقليص ساعات العمل، معتبرةَ أنه لا يمكن الحديث عن تطوير منظومة التعليم في المغرب دون الاستئناس بالتجارب الرائدة عالميا، مبرزةً أنه في هذا الإطار أُنجزت دراسة مقارنة بين النظام المغربي وأربع أنظمة تعليمية متقدمة ومماثلة من حيث التحديات أو السياق وهي: سنغافورة، بلجيكا، كندا، الإمارات.
وتابع المصدر ذاته أن نتائج الدراسة المنجزة أظهرت فوارق في عدد ساعات التدريس الأسبوعية لأستاذ التعليم الابتدائي حيث فيسنغافورة تتراوح بين 15–19 ساعة أسبوعيًا و20–23 ساعة أسبوعياً ببلجيكا و26.4 ساعة أسبوعيًا بكندا و21.2 ساعة أسبوعيًا في الإمارات.