افتتاحية

مدارس الريادة.. تفاؤل يحتاج تواصلا

مدارس الريادة.. تفاؤل يحتاج تواصلا

خلال نهاية الأسبوع الماضي نظم في مدينة بنكرير لقاء حول مدرسة الريادة، ضمن ما تسمى اللقاءات الاستراتيجية التي تنظمها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة.

تفاؤل كبير من طرف الأسرة التعليمية، ومعطيات تبدو مشجعة، قدمت في لقاء كان من الناحية الشكلية منظم بإحكام، فمن حضر اللقاء لا يمكنه إلا أن يعترف أن هناك تحولا كبيرا، على المستوى النظري، لكن الواقع المعاش قد يقول عكس ذلك، فأين الخلل؟.

الصور والفيديوهات القادمة من مؤسسات الريادة، والتي عرضت في اللقاء، وإن كانت معدة بعناية، تقول إننا نعيش تحولا كبيرا في هذا الورش، لكن هذا الإحساس لم يصل بعد للأسر المغربية التي تبدل الغالي والنفيس من أجل تعليم أبنائها في مؤسسات خاصة.

الحديث كان تقنيا بالدرجة الأولى بين مدبري المدرسة العمومية عن مدارس الريادة، إذ كان مُنصبا أساسا حول فضاء المدرسة والتشجير وصباغة القسم وطول الحصص، وغيرها من المفاهيم التقنية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعيد للمدرسة العمومية جاذبيتها وتعيد الثقة لها وبالتالي إعادة التلاميذ إليها.

من ضمن الخلاصات الأساسية التي أعيدت أكثر من مرة في اللقاء هي أن الدعم الذي كان يجرى خارج الأسوار والذي كان يُدين جزء من مدرسي المؤسسات، لكونه يتحول إلى ألية “لمصروف إضافي” وعبء على الأسر، أصبح الآن داخل المؤسسات والذي يقدم بشكل مجاني من طرف نفس الأساتذة.

خلاصة أخرى تهم التلاميذ، والتي ذكرت أكثر من مرة هي أن تعامل التلاميذ الموجودين في وضعية حرجة ومهددين بالهدر المدرسي مع حصص الدعم ليس هو نفسه التعامل مع الحصص العادية، باعتبار أن التلميذ يصبح مركز اهتمام كبير بعدما كان في هامش القسم.

دعونا نعيد تركيب الحكاية من جديد، ففي ماي 2023 أعلن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة المبعد، شكيب بنموسى العمل بمشروع “مؤسسات الريادة” بسلك التعليم الابتدائي العمومي خلال الدخول المدرسي 2024/2023، رابطا ذلك بتفعيل رزنامة مشاريع تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع، ومن أجل الرفع من مستوى التعلمات الأساس للتلميذات والتلاميذ باستثمار الطرائق والمقاربات البيداغوجية الحديثة.

لكن ورغم مرور موسمين على إطلاق هذا المشروع لم نسمع عنه شيئا أو لنقل لم نفهم منه شيئا، باستثناء عبارات فضفاضة، فلماذا لم تتواصل الوزارة الوصية حول هذا المشروع الذي يهم الأسر المغربية؟.

تفسير غياب التواصل في المرحلة الأولى يقول إن المغاربة يئسوا من ترديد خطاب إصلاح المدرسة العمومية، خصوصا أننا جربنا جميع الوصفات، حتى وصلنا إلى ما يعرفه المهتمون بإصلاح الإصلاح، أي مرحلة التخمة دون نتيجة تذكر.

وبالتالي، فإن الوزارة عملت بقاعدة كم من حاجة قضيناها بتركها، فإذا نجح الإصلاح فذلك المبتغى، وسنقدمه ضمن حصيلة نهاية الحكومة، وإن فشل لا قدر الله نكون قد نجونا من المحاسبة الشعبية على الأقل على الملايين المهدورة كغيرها من برامج الإصلاح.

المعطيات الرقمية، تقول إن المرحلة التجريبية استهدفت أكثر من 600 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية في الوسط الحضري وشبه الحضري والقروي، بما معدله أزيد من 300 ألف تلميذ خلال المرحلة الأولى، بتعبئة ومشاركة طوعية لما مجموعه 10.700 أستاذة وأستاذ عاملين بهذه المؤسسات التعليمية، وبتأطير ومواكبة من فرق مكونة من 158 مفتشا تربويا، وذلك في أفق التعميم التدريجي على جميع المؤسسات التعليمية العمومية الابتدائية بمعدل 2000 مؤسسة تعليمية سنويا في إطار تنزيل خارطة الطريق 2022-2026.

فماذا ستكون مهام هذا المشروع؟، وفقا لما أعلنته الوزارة الوصية فإن الهدف هو تصحيح التعثرات الأساسية للتلميذات والتلاميذ في القراءة والحساب، من خلال أجرأة أنشطة الدعم التربوي بالتعليم الابتدائي باعتماد مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب (TaRL).

والمقصود بالتعثرات وهو مفهوم خفيف مقارنة مع الكارثة التي تكشفها المعطيات الرسمية عن مستوى التلاميذ، هو أن 77 في المائة من المتمدرسين في التعليم الابتدائي لا يجيدون قراءة نص باللغة العربية مكون من 80 كلمة، و70 في المائة لا يستطيعون قراءة نص باللغة الفرنسية مكون من 15 كلمة.

كما أن 87 في المائة من تلاميذ المستوى الخامس ابتدائي لا يستطيعون إنجاز عملية قسمة بسيطة، فيما بلغت نسبة الهدر المدرسي في صفوف تلاميذ التعليم الابتدائي 23 في المائة، وفي التعليم الإعدادي بلغت 53 في المائة، وفي التعليم الثانوي 24 في المائة.

دولة تنفق على التعليم قرابة 92 مليار درهم سنويا، والذي يعد من الأوائل في العالم، مقارنة مع الناتج الداخلي الخام، أي 6.6 في المائة، يجب أن تكون قد حسمت مع إصلاح التعليم، لأن مؤشرات الهدر المدرسي خطيرة على مستقبل الدولة والمجتمع على السواء.

لذلك يحتاج مشروع من هذا الحجم الكثير من التواصل، حتى يكون للتفاؤل الذي تبديه أسرة التعليم معنى. في دردشة مع مسؤول كبير في وزارة التربية الوطنية، قال إن “الإصلاح مستمر ولا يمكن التراجع عنه، والهدف هو إنجاح تجربة مدارس الريادة”.

ذات المسؤول قال إن المؤشرات مشجعة، ومنها أن آثار الإصلاح تظهر على التلاميذ من خلال، إذ أنه من أصل 100 سؤال موجه للتلاميذ، يجيب الذين ولجوا الريادة على 60 سؤال بشكل صحيح، في حين أن المدرسة الكلاسيكية لا تتجاوز نسبة الإجابة الصحيحة 40 جوابا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News