احتجاجات جيل “Z”.. تحولات عميقة لسيكولوجية الشباب تزيغ عن السلمية بـ”عدوى الانفعال”

انطلقت احتجاجات مجموعة جيل زد يوم السبت الماضي في أجواء سلمية، لكنها سرعان ما تحولت إلى أعمال عنف وفوضى في عدد من المدن والأقاليم المغربية، إذ شهد الشارع مشاهد صدام بين الشباب وقوات الأمن، وحوادث تخريب واستفزاز، ما جعل الوضع يتطور بسرعة، نتج عنه إصابات في صفوف القوات العمومية وفي صفوف المدنيين.
وفي هذا السياق، يرى عبد الصمد العلوي، الباحث في علم النفس، أن هذا التحول يعكس طبيعة التوتر النفسي والاجتماعي الذي يعيشه الجيل الجديد، خصوصًا أن هذه الاحتجاجات انطلقت من مطالب اجتماعية واقتصادية قديمة، لكنها اصطدمت بطريقة تعامل المؤسسات معها، ما فاقم الإحباط الجماعي وساهم في الانزلاق نحو العنف.
ويضيف العلوي أن “الجيل Z”، أي المولودين تقريبًا بين 1997 و2012، نشأ في عالم سريع التغير، حيث الانفتاح الرقمي الكبير على نماذج عيش متعددة، والوعي الحاد بالفوارق الاجتماعية عبر المقارنة المستمرة على منصات التواصل، إضافة إلى شعور متزايد بعدم اليقين حول المستقبل في مجالات التعليم والشغل والسكن.
ويؤكد أن هذا الجيل لا يعيش الانتماء للمؤسسات بالمعنى التقليدي، بل يكوّن هويته عبر مجتمعات رقمية عابرة للحدود، مما يضعف آليات الضبط الاجتماعي الكلاسيكية مثل الأسرة والمدرسة والدين، ويجعل الشارع مساحة أساسية للتعبير عن الغضب والاحتقان.
ويشرح العلوي أن الانتقال من الاحتجاج السلمي إلى العنف يحدث عادة حين تتقاطع عدة عوامل؛ أولها الإحباط الجمعي الناتج عن الشعور بأن قنوات التعبير مغلقة أو غير مجدية، وثانيها المحاكاة الجماعية أو ما يسميه الباحثون “عدوى الانفعال”، حيث يتفاعل الأفراد بسرعة مع تصرفات الآخرين، وثالثها غياب الثقة في الوساطة المؤسسية، إذ لا يُنظر إلى الأحزاب أو النقابات كجسر فعّال للتواصل مع السلطات.
وفي السياق المغربي، أشار العلوي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن صعود جيل جديد يرفض لغة الصبر جعل هذه العوامل تتجمع، فسرعان ما انفجر الاحتقان في الشارع وتحول إلى عنف ملموس.
وعلى المستوى النفسي الفردي، يلفت العلوي إلى أن الجيل “Z” يتميز بحساسية عالية للعدالة، ما يدفعه للثورة السريعة عند الإحساس بالتمييز، كما يتمتع بنزعة فردانية قوية، مع رغبة متزامنة في الانتماء لجماعة لتجنب العزلة.
ويضيف أن إدمان الشباب على التفاعل الفوري والرغبة في نتائج سريعة يتعارض مع بطء الإصلاحات التقليدية، ما يولد إحباطًا جماعيًا قابلًا للانفجار في شكل احتجاجات عنيفة.
ويتابع العلوي أن التحليل النفسي الكلاسيكي يوضح هذه الدينامية، فطبقًا لمفهوم فرويد، يغلي “الهو” لدى الشباب بالرغبات والاندفاعات، في حين يبدو “الأنا الأعلى” الممثل للمجتمع والدولة ضعيفًا وغير مقنع، فتتصرف “الأنا” تحت ضغط الهو لتنفجر في شكل عنف.
ومن منظور إريك إريكسون، وبحسب ما جاء على لسان العلوي، يعيش الجيل أزمة تحديد الهوية مقابل غموض الدور، ومع غياب أفق واضح تتحول هذه الأزمة إلى تمرّد جماعي، ما يفسر سرعة الانزلاق من الاحتجاج السلمي إلى أعمال التخريب والفوضى.
ويؤكد العلوي أن الخصوصية المغربية تظهر في الطابع المحلي للاحتجاجات، حيث اتخذت مدن مثل إنزكان نموذجًا لتراكمات الشعور باللامساواة والتهميش المجالي، ما يوضح أن العنف ليس مجرد صدفة، بل انعكاس لضغط نفسي–اجتماعي جماعي يشعر الشباب فيه بأنهم مهمشون ومغيّبون عن مسارات صنع القرار.
ويختم عبد الصمد العلوي بأن احتجاجات الجيل “Z” في المغرب ليست مؤامرة خارجية ولا مجرد شغب عابر، بل انعكاس لتحولات عميقة في سيكولوجية الشباب، صراع بين الانفتاح الرقمي والانسداد الواقعي، شعور بمرور الزمن دون تغيير، وإحساس بعدم جدوى الوسائط التقليدية.
ومن ثم، يشير إلى أن “أي مقاربة أمنية بحتة لن تعالج الظاهرة بل ستزيد الجرح عمقًا، بينما المقاربة النفسية–الاجتماعية، عبر الإنصات وإشراك الشباب فعليًا وفتح قنوات رقمية للتعبير، هي السبيل لإعادة التوازن واستعادة الثقة بين الجيل الجديد والمجتمع”.