جيل Z ينتقل من الشعارات إلى مطالب واضحة والدولة أمام اختبار دستورها وبصيرتها السياسية

نقطة انقلابٍ سياسيّة وجيليّة
البيان الصادر اليوم عن المجموعة الشبابية جيل Z يشكّل نقطةَ تحولٍ في المشهد الاحتجاجي المغربي. فبدلاً من الشعارات العفوية في الشارع، يأتي هذا البيان مُنسقاً، وطنيّاً، ومُستنداً إلى الحُجج الدستورية، موجّهاً مباشرة إلى الملك. وقد تكون هذا اللحظة نقطةَ انطلاقةٍ جديدة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، واختبارًا حقيقيًا لمؤسسات المملكة ونظام حكامتها بعد دستور 2011.
المطالبة بحلّ الحكومة: بين الشرعية الأخلاقية والحدود الدستورية
- يطالب بيان جيل Z بـ “حلّ الحكومة الحالية ” بناءً على فشلها الظاهر في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
- دستورياً، لا يمكن للملك حلّ الحكومة سوى في الحالات المنصوص عليها في الدستور (المادة 47، المادة 105…).
- لكن الأزمة الشعبية المتراكمة وضعف المبادرة السياسية من جانب الحكومة تفتح الباب أمام عملية قيصرية لإعادة تكوين سياسي ذات شرعية واضحة قد يُقرّها الخطاب الملكي الجمعة القادم.
تداعيّات : الدولة مدعوة إلى التحرك ليس فقط ضمن الأطر القانونية، بل ضمن شرعية اجتماعية تستجيب لنبض الشارع.
الصحة، التعليم، العدالة الاجتماعية: حقوق دستورية مهملة
- يعيد البيان التأكيد على المطالبة بـ الوصول العادل والكرامة للتعليم والرعاية الصحية، من خلال شعارات أصبحت بنية حقيقية في الخطاب العام:
“لا نريد كأس العالم، نريد المستشفيات.”
“الشعب يريد الصحة والتعليم” - هذه الحقوق منصوص عليها في المادة 31 من الدستور، مما يجعل عدم تطبيقها خرقًا حادًا للعقد السياسي.
تداعيّات : الشباب لا يطلب امتيازات، بل تطبيق دستوري فعلي. وبالتالي يصبح من الضروري إطلاق سياسة اجتماعية جريئة ومحددة النتائج.
دعوة إلى العدالة وعلنية المحاسبة
- يُدرج البيان مطلبًا غير مسبوق في الشكل: جلسة وطنية رسمية للمحاسبة العلنية، مع ملاحقة قضائية لمتورطي الفساد.
- هذه الدعوة تؤكد أن الأزمة ليست مجرد أزمة أخلاق، بل أزمة هيكلية في مصداقية المؤسسات.
- تستند المطالبة إلى المادة 36 من الدستور ودور المؤسسات الوطنية لمكافحة الفساد التي ظلّت دون حركة فعلية ملموسة (هيئة النزاهة =مكافحة الفساد) أو بفعالية واقعية مشهودة لكنها قليلة الأثر الفعلي في الوعي العام للمواطنين (المجلس الأعلى للحسابات والوسيط).
تداعيّات : يُستدعى الملك والمؤسسات القضائية والمحاسبية ليكونا الضامنين الأخلاقيين لسيادة القانون وتقديم الحساب في وقت شهدنا تكرارًا للإفلات من الحساب والعقاب ومحاولات مستميتة لسد منافذ التبليغ والتشكي أمام المواطنين، في عهد هذه الحكومة .
حراك سلمي، يقف في صفّ الوطن، لكنه يطالب بأسلوب حكامة جديد
- يُشدّد جيل Z على ولائه للمملكة، ورفضه لأي عنف، وعلى أن حركتهم ليست انقلابًا، بل استدعاءً للمسؤولية.
- هذا الموقف يشكل ذرعا فعالا ضد دعاوي شيطنتهم وتجريمهم ويمنحهم قوة رمزية في الفعل العام.
- يُجبر المؤسسات على التخلي عن المنطق الأمني والانتقال إلى منطق الاعتراف والمساءلة والتفاعل المباشر.
تداعيّات : هذا الحراك يمكن أن يكون رافعة لإعادة بناء الديمقراطية، أو قد يتحوّل إلى جرحٍ عميق في العلاقة بين الدولة والشباب، حسب استجابة السلطة.
آفاق ممكنة: بين أزمة سياسية وفرصة تاريخية
يلوح سيناريوهان في الأفق إلى حين الخطاب الملكي القادم والمنتظر على أحر من الجمر:
السيناريو الأول: التفاعل الإيجابي والإنصات الفعّال
في هذا السيناريو، تستجيب الدولة بسرعة للمطالب المشروعة لشباب الجيل Z، عبر فتح قنوات تواصل مباشرة وشفافة، بعيدًا عن الوساطات التقليدية. يتم إطلاق إصلاحات اجتماعية ملموسة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، مع إعلان آليات واضحة للمحاسبة ومتابعة التنفيذ. يعزز هذا التفاعل الثقة بين الشباب والمؤسسات، ويُرسخ فكرة الشراكة الحقيقية في صنع المستقبل، ما يساهم في تخفيف التوترات الاجتماعية وفتح آفاق جديدة للنمو والاستقرار ويخرج المغرب قويا مرفوع الرأس بعد محنة مؤسفة لكن قد تحمل في طياتها نعمة مستدامة.
السيناريو الثاني: التردد والتأجيل مع مخاطر تصاعد الاحتقان
في هذا السيناريو، يستمر تأخر الاستجابة للمطالب، مع اعتماد تصريحات عامة ومكررة دون خطوات عملية ملموسة. يغيب التقييم الذاتي للمؤسسات السياسية، ويظل الحوار مع الشباب عبر قنوات تقليدية غير فعالة، مما يزيد من شعور الإحباط والتمثيل المحدود. قد يؤدي هذا إلى تصاعد الاحتقان الاجتماعي وتوسع دائرة الاحتجاجات، مما يضع الدولة أمام تحديات سياسية واجتماعية أكثر تعقيدًا في المستقبل القريب.
ختاما: المحاسبة طريق نحو المستقبل
في ظل هذا الواقع الذي تعيشه بلادنا، حيث ينتقل جيل الـ”Z” من الشعارات إلى مطالب واضحة وصريحة، يتضح أن زمن المحاسبة والمسؤولية قد بات ضرورة ملحة لا غنى عنها. هذا الجيل الجديد -نقولها ونكررها- لا يطلب المستحيل، بل يطالب بأن يُعامل كمواطن فاعل يساهم في صياغة مستقبله.
وقد أكد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وشافاه، في خطابه السامي بتاريخ 20 أغسطس 2017 على أهمية المحاسبة والمساءلة قائلاً:
“إن المسألة ليست فقط في تقديم الخطط أو البرامج، وإنما في مدى القدرة على التنفيذ والإنجاز، وهذا لا يتحقق إلا بالمحاسبة الحقيقية على النتائج، وبالمساءلة الشفافة والمسؤولة، التي تجعل من الإدارة العمومية والجهاز الحكومي أدوات فاعلة في خدمة المواطن والمصلحة العامة.”
إن هذه الكلمات الملكية السامية تمثل دعوة واضحة لإرساء آليات فعالة للمحاسبة والمساءلة، بما يعزز الشرعية ويقوي الثقة بين الدولة والمجتمع. وفي ظل الضغط الشعبي المتزايد، أصبح من الضروري استدعاء هذه الدعوة من جديد وتحويلها إلى واقع ملموس، عبر إصلاحات جريئة تضمن تحقيق مطالب الشباب وتمكينهم من المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية والاجتماعية.
والقدر المتيقن، أن استجابة الدولة لهذا المطلب الحيوي ستكون مفتاحًا لتجاوز الأزمة الراهنة، وبداية حقيقية لبناء مغرب جديد يُعلي من دور الشباب كشريك فاعل في صنع المستقبل.
مقولة على الهامش:
“الحقيقة لا تحتاج إلى الحماية، ولكنها تحتاج إلى الجرأة على قولها.” إدوارد سعيد