الأحزاب والانتخابات.. ضرورة القطع مع منطق الغنيمة!

بينما كان المفترض أن تطلق الدعوة الملكية إلى بدء ورش تعديل منظومة القوانين الانتخابية نقاشا سياسيا يصالح المواطن المغربي مع السياسة، فضلت الأحزاب السياسية حصر إعداد التعديلات ضمن دوائر ضيقة، تُفصل المقترحات على مقاس الطموح الانتخابي، دون أن تنفذ إلى عمق المرامي المنتظرة من هذه العملية.
أغلب الأحزاب السياسية قدمت مذكرات تضمنت تعديلات متشابهة، ظلت محصورة في الأغلب في نقاشات تقنية، مع إعادة تدوير المقترحات دون رفع السقف السياسي، مما جعل المحطة باهتة سياسيا، لا سيما في ظل إبعاد المجتمع عن هذا النقاش، باستثناء بعض أحزاب المعارضة التي اكتفت بعقد ندوات صحفية من باب نافلة الإخبار.
التزام أعلى سلطة في البلاد باحترام دورية الانتخابات وإقامة الاستحقاقات الانتخابية في موعدها الدستوري، كان يفترض أن يتم التفاعل معه بنقاش سياسي حقيقي، بدل الانغماس بحروب الكولسة والتسابق نحو استقطاب الأعيان و”أصحاب الشكارة” الذي دخلته أحزاب سياسية، ما يزيد من تعميق عزلتها ويلوح باستمرار داء العزوف.
الأكثر من ذلك أن هناك أحزابا سياسية فضلت جعل وزارة الداخلية مخاطبها الوحيد خلال هذه المشاورات، معتبرة بذلك أن النقاش مجرد تفاصيل تقنية، دون أن يعمد قادتها إلى شرح المذكرات المقدمة للرأي العام، لا سيما في ظل كم التكهنات المنتشرة حول بعض التعديلات، والتي من بينها رفع عدد مقاعد مجلس النواب وزيادة تمويل الأحزاب.
نقاش تخليق الحياة السياسية الذي فرض نفسه بقوة خلال هذه المشاورات، أبان عن فهم مقلوب لدى بعض الأحزاب التي أبدعت في تكرار المقترحات مُلقية بالحمل كله على الإدارة، دون أن تكون لها الجرأة لمصارحة نفسها بأن أصل الداء بنيوي داخل هياكلها، وأنها نفسها أول مصدر لتزكية من لا يستحقون ليصبحوا نوابا باسم الأمة، وبالتالي هي المعني الأول بتخليق الحياة السياسية بدل رفع المقترحات فيما يشبه ممارسة سياسية لإبراء الذمة.
أبعاد أخرى كشفها هذا النقاش، وهي أن أحزابا سياسية طالما انتقدت ما تعتبره إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات وتدخلها في رسم الخريطة السياسية، وأقامت الدنيا ولم تقعدها على القاسم الانتخابي، عادت خلال هذه المناسبة لتنقلب على نفسها مؤيدة ما كانت تعارضه من قبل، الأمر الذي يستوجب منها على الأقل توضيح سر تغيير مواقفها، أو الاعتذار على الأقل على الاتهامات التي سبق أن رمت بها الإدارة في مزايدات انتخابوية.
من الواضح أن الأحزاب لا تتوفر على رؤية إصلاحية عميقة، ذلك أن نقاشها محصور في أبعاد تقنية محضة، دون رفع التحدي لتقليب الأوجاع، وطرح نقاش غياب تجديد النخب، والإلتزام بالإبعاد الذاتي للفاسدين الذين صدرت بحقهم أحكام إدانة، والعمل لضمان تمثيلية حقيقية للمجتمع، بدل تهميش الفاعلين الآخرين وكأن الانتخابات شأن حصري للأحزاب.
لا يريد المغاربة أحزابا تردد شعارات الديمقراطية بينما هي في الواقع تسعى إلى هندسة قوانين على مقاسها وتُغّيب الديمقراطية الداخلية في بنياتها، لأن هذا الوضع سيفرز في أحسن الأحوال استمرار إنتاج نفس الخريطة السياسية، ما يؤدي إلى تكرار الشرخ على مستوى التمثيلية السياسية وفقدان ثقة المواطنين.
بالمقابل، يمكن أن نجعل من النقاش حول تعديل القوانين الانتخابية فرصة للصراحة ولتعزيز المكاسب الديمقراطية، بدل جعل الاستحقاقات مجرد لعبة أرقام وحسابات ضيقة بين الأحزاب. كما يمكن أن نجعل هذه المحطة منطلقا لتنافس انتخابي نزيه على أساس برامج انتخابية حقيقية بدل أساليب الضرب تحت الحزام التي بدأت أحزاب سياسية تلجأ إليها منذ الآن.