“جيل Z”.. طاقة مغربية لتسريع الإصلاح!

يعيش المغرب خلال الأيام الأخيرة تطورات متسارعة، بعدما انطلقت وقفات ومسيرات احتجاجية دعا إليها شباب “جيل زد”، رافعة مطالب اجتماعية، على رأسها تجويد خدمات قطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، غير أن السلمية التي طبعت بداية الاحتجاجات سرعان ما انقلبت إلى تطورات درامية مع انتشار أعمال عنف وتخريب خطيرة بعدد من أقاليم المغرب.
ومُستهل القول في ما تعيشه البلاد من لحظات عصيبة يصعب التكهن بمآلها، أن التعبيرات الشبابية والفعل الاحتجاجي، المعبر عن المطالب التي يتقاسمها جل المغاربة، لا يجب أن يشكل مصدر توجس وتخوف داخل دولة مؤسسات مثل المغرب، الذي راكم إرثا مهما في تدبير امتحاناته الداخلية، لا سيما وأن الاحتجاج حق مشروع مكفول بنص الدستور، الذي تواضع المغاربة على صياغته.
التذكير بهذه الخلاصة ضروري لأن دولة المؤسسات لا تخاف من طاقاتها الشبابية، التي تعد مستقبل البلدان كلها وضميرا حيا للشعوب، يذكر بصفاء المبادئ ونبلها وسمو الطموح المشترك، رغم ما يمكن أن يصاحب ذلك من حماسة مُتفَهمة وسط فئة تنضح بالحيوية والطاقة.
الاختلالات التي تنخر عددا من القطاعات الاجتماعية الحيوية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم، يقر الجميع بوجودها، كما أن النقاش حولها مطروح منذ عقود في الساحة المغربية. كما أن تجويد هذه القطاعات مطلب عابر للأجيال، وتبنيه لم يكن أبدا حكرا على فئة سِنية دون أخرى، علما أن الهبة الشبابية الحالية تسرع لا محالة من دينامية البحث عن الحلول الضرورية.
غير أن المغاربة جميعا وضعوا أيديهم على قلوبهم وهم يتابعون ما آلت إليه الاحتجاجات المشروعة من انزلاقات وانحرافات تهدد السلم الاجتماعي، بعد سقوط بعض المتظاهرين الغاضبين في أعمال تخريب الممتلكات العامة والخاصة ومهاجمة الإدارات والبنوك، والتعدي على القوات العمومية، الذي بلغ مداه في منطقة القليعة ضواحي إنزكان. هذه السلوكات كانت محط شجب وإدانة، حتى من طرف شباب مجموعة “GenZ212” الذين تمسكوا بالسلمية.
وفي المقابل، لابد من الإشارة إلى أن بعض التعاطي الأمني المبالغ فيه، خلال بداية التحركات الاحتجاجية، لم يكن موفقا ولا ضروريا، في بعض الحالات، لاسيما مع ما طبع الأيام الأولى من رقي وتحضر لدى الشباب الذي خرج للتعبير عن مطالبه، وذلك رغم التفهم للهاجس الأمني الذي كان مطروحا، خاصة وأن الجهات الداعية للمسيرات “مجهولة” بالمعايير التقليدية المتعارف عليها للفعل الاحتجاجي في المغرب.
ولتصحيح بعض التجاوزات، لابد من العمل على إطلاق سراح من تبقى من الشباب الذين لم يتورطوا في أعمال التخريب أو العنف، والذين تم إيقافهم خلال تنظيم احتجاجات سلمية بعدد من المدن المغربية. في المقابل يجب أن يأخذ القانون مجراه في الحالات التي سجلت خلالها تجاوزات، سواء من جانب المحتجين أو بعض القوات العمومية.
ومن الضروري أن يتم، من جهة أخرى، استحضار رسائل النقاش المهم الذي احتضنته لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب بحضور وزير الصحة، والذي دام قرابة عشر ساعات متواصلة من المصارحة والمكاشفة حول واقع المنظومة الصحية بالبلاد. هذا النقاش أكد ملحاحية الحضور الدائم للفاعل السياسي في ساحة النقاش العمومي، وضرورة أن يعكس البرلمانيون عمق المطالب الشعبية، حتى لا يتحول ممثلو الأمة إلى “رجال مطافئ” يتم اللجوء إليهم في الحالات القصوى.
الواجب اليوم يقتضي التعقل في التعامل مع الاحتجاجات من جانب السلطات التي التقطت بالفعل هذه الرسالة، إلى جانب ضرورة الحفاظ على السلمية من طرف التعبيرات الشبابية، خاصة في ظل إبداء الحكومة تجاوبها ومدها يد الحوار في أكثر من مناسبة. غير أن استعداد الحكومة للتجاوب لا ينبغي أن يُفسر بشكل خاطئ من طرف المحتجين، ذلك أن الاستجابة لا يمكن أن تتم تحت منطق لي ذراع الدولة التي يجب أن تظل قوية، لمواطنيها وليس عليهم.
الوعي الشبابي الذي أظهرته الاحتجاجات الأخيرة يجب من جهة أخرى أن يكون مستوعبا لمنطق الأمور، ذلك أنه لا يمكن توقع أثر لحظي مباشر لأي إصلاح، خاصة في قطاعات ضخمة تستوجب إصلاحات عميقة مثل التعليم والصحة، غير أن رسالة الاحتجاجات التقطها المعنيون بالأمر وستنعكس بالضرورة على تسريع الإجراءات لبلوغ ما يصبو إليه المغاربة جمعيا.