ملتمس إسقاط المعارضة!

تابعنا منذ أيام حلقات مسلسل تنسيق مكونات المعارضة بالبرلمان لتقديم ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، غير أن ما تمخض عن هذه المبادرة لم يكن سوى إظهار فشل المعارضة وترهلها وعجزها عن ممارسة أدوارها الدستورية، بعد أن طغت الحسابات السياسية الضيقة ومنطق التموقع السياسي الانتخابوي على مشاوراتها.
وبينما كان المنطقي أن يشكل ملتمس الرقابة ضربة لظهر الأغلبية الحكومية، لمساءلة مدى انسجامها وتماسكها، ستتجه الأنظار اليوم إلى الارتدادات السلبية لفشل هذه المبادرة على مكونات المعارضة، وكأن هذه الأخيرة أجهدت نفسها في رفع حجر ثقيل لتسقطه في الأخير على قدمها.
عموما، ليس من الخوارق أن نكتشف ضعف المعارضة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية 2026، ذلك أنها طيلة هذه الولاية التشريعية لم تظهر أي قدرة للتوافق على حد أدنى للعمل على محاصرة الحكومة، ولم تنتج أي مبادرة تجعلها مؤثرة في مشهد سياسي يكاد يصيبه التصحر.
والدليل على ذلك، أن تنسيق المعارضة سرعان ما انفرط عقده منذ البداية، ليستمر منقوصا فيما بعد، ليصبح كل طرف يدافع “عن عرّامه”، قبل أن يفشل ملتمس الرقابة في نسخته الأولى، وبعده لجنة تقصي الحقائق حول استيراد المواشي، وعدم القدرة على تحريك مهمة استطلاعية في الموضوع، إذ ارتبكت المعارضة بمجرد إشهار الأغلبية ورقتها.
وبغض النظر عن الضعف العددي، أمام الأغلبية الحكومية، المُشكلة من الأحزاب الثلاثة الأولى بالمغرب، إلا أن العائق لدى المعارضة يتجاوز الإكراه العددي، لأنه أصبح بنيويا، بل وإشكالا نفسيا في كثير من تفاصيله، ذلك أن التاريخ السياسي بالمغرب قدم لنا نماذج توجهات سياسية تمكنت من ترك بصمتها رغم أنها كانت ممثلة بنائب واحد.
ثم لنذهب بعيدا، هل يحتاج السياق المغربي بالفعل إلى تقديم ملتمس للرقابة لحجب الثقة عن الحكومة، أم أن المعارضة أخفقت في تقدير اللحظة السياسية المناسبة؟، لتبدو في دور محاصر يرمي بآخر أوراقه، حتى وإن كان أول من يعلم أنها غير مجدية.
وبالرغم من أن قادة المعارضة صرحوا بأنهم لا يتوقعون إسقاط الحكومة من خلال الملتمس، بل اغتنام المناسبة لإثارة انتقاداتهم للحكومة، غير أنه كان واضحا أن مبدأ التناسب بين الوسيلة والهدف قد اختل في هذه المعادلة.
ولنفترض جدلا أن المعارضة نجحت في تقديم ملتمس الرقابة بالفعل، فإن النتيجة ستكون عملية غير مسبوقة في تاريخ المغرب، ذلك أن المرتين اللتين تم فيهما سابقا استخدام هذه الآلية كانت الأوضاع السياسية مشوبة بصراع الأحزاب مع نظام الحكم، في منعرجات عرفت توترات كبيرة، ولا أدل على ذلك من استحضار أن ملتمس الرقابة الأول قُدم في يونيو 1964 ضد حكومة باحنيني، وفي المرة الثانية بتاريخ مايو 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي، وفي المرتين معا تم إفشال الملتمس بالتصويت.
ولنعد إلى الحاضر، هذا الملتمس، في حال نجاحه، كان ليسفر عن تأثيرات سلبية تتجاوز حسابات المعارضة والأغلبية لتؤثر على مصلحة البلاد، خاصة وأن المبادرة جاءت مناقضة لما يتسم به المسار العام من أوراش هيكلية ومشاريع اقتصادية كبرى تتطلب الانخراط الجماعي في الإنجاح، بدل إشهار أسلحة صدئة تعرقل عجلة البلاد، في ظل رهانات كبرى، أبرزها احتضان “مونديال 2030”.
كما أن توقيت المبادرة، سنة على الانتخابات المرتقبة، بعدما نفذت الحكومة ما كانت تصبو إليه، جعلها تبدو بدون معنى، وكانت لتساهم في إرباك المسلسل الديمقراطي وإعطاء صورة خارجية مغلوطة عن اشتغال المؤسسات بالمغرب، خاصة في ظل ما تعيشه قضية الصحراء المغربية من انعطاف حاسم، وما يستدعيه الوضع من تفادي البلاد لأي مطبات سياسية يمكن ان تؤثر على هذا المسار.
أخيرا، متفهم أن يكون للمعارضة مؤاخذات على الأداء الحكومي، والتغول العددي للأغلبية، غير أن الملاحظ كذلك أن المعارضة أيضا لم تقم بأدوارها كما ينبغي، خاصة وأنها لم تكون يوما على قلب رجل واحد، ذلك أن بعض أطرافها لم يهضم طيلة هذه الولاية مسألة إبعاده إلى المعارضة، وظل يتحين الفرص لدخول “بيت الطاعة” الحكومية.