تربية وتعليم

“انتحار” تلميذة بآسفي يسائل تمثلات خاطئة للأسر عن “الباك”

“انتحار” تلميذة بآسفي يسائل تمثلات خاطئة للأسر عن “الباك”

أعادت فاجعة إلقاء تلميذة بنفسها من أعلى جرف بكورنيش مدينة آسفي ووفاتها في حينه في أول أيام امتحانات البكالوريا، أمس الإثنين، بسبب ضبطها في حالة غش، حسب ما تداولته مصادر إعلامية متفرقة، إثارة النقاش حول الفهم الذي تحمله الأسر والمجتمع حول الاختبارات السنوية وما تمارسه التمثلات الخاطئة عن النجاح المدرسي في امتحانات “الباك” من ضغط رهيب على التلاميذ.

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا صوتيا منسوبا إلى الهالكة، تقول فيه “أنهم قالوا لي بأنني عمرني ندوز شي امتحان”، خاصة أن معظم المصادر أكدت أنها “ضُبطَت في حالة غش وتم تحرير محضر غش في حقها وطردها من حجرة الامتحان.

الحسين زاهدي، أستاذ التعليم العالي والخبير في السياسات التربوية العمومية، علق على الموضوع بالقول إنه “للأسف الشديد نلاحظ خلال العقدين الأخيرين تقريبا أن أولياء الأمور أصبحوا ينظرون إلى الاختبارات النهائية للباكالوريا، على وجه الخصوص، على أنها محطة مصيرية في حياة أبنائهم وبناتهم”، متأسفا عن الاعتقاد السائد بأن “أبواب المستقبل تفتح فقط في وجه من اجتاز امتحانات الباكالوريا بنجاح وأنه لا مستقبل لمن لم يحصل على شهادة الباكالوريا”.

وأشار الزاهدي إلى أن “بعض الأسر تعتبر الفشل في امتحانات البكالوريا عارا يلحق بها وأمرا مسيئا إلى سمعتها في محيطها الاجتماعي”، مواصلا أن “هذه السلوكات تدفعها، بوعي أو بغيره، إلى ممارسة ضغط رهيب على أبنائهم التلاميذ بشكل يجعل من تلك المحطة التقييمية كابوسا مخيفا يجثم على قلوبهم طيلة الموسم الدراسي”.

“نيل شهادة الباكالوريا تحول من استحقاق تعليمي يخوضه التلاميذ إلى استحقاق اجتماعي تنخرط فيه العائلات”، يوضح المتحدث ذاته انعكاسات التمثل الذي أصبح يحمله المجتمع عن شهادة “الباك”، لافتا إلى أنه “من الآباء من يرغب في أن يحقق أبناؤه مالم ينجح هو في تحقيقه”، معتبرا أن “هذا التوجه خاطئ لأن لكل فرد شخصيته المميزة ومؤهلاته وميولاته الخاصة”.

ولم يستبعد الخبير التربوي تكريس الأفكار المتداولة داخل المدرسة حول مفهوم النجاح الدراسي للضغط النفسي على التلميذ، حيث أكد أن “التمثلات الخاطئة عن النجاح المدرسي تمارس ضغطا رهيبا على التلاميذ”، مسترسلا أن “الأخطر من ذلك أنها تؤثر سلبا على نموهم الشخصي والاجتماعي”.

ودعا المهتم بالشأن التربوي الأسر والمربون والمدرسون إلى “تصحيح نظرتهم للمدرسة وللحياة وللنجاح والفشل”، مسجلا أن “العديد من الذين لم يحققوا نتائج دراسية نوعية تمكنوا من تحقيق نجاحات باهرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”، مذكرا بأن “الاختبارات المدرسية إنما هي تقيم قدرة الفرد على التحصيل الدراسي فقط، وليس قدراته على النجاح في الحياة”.

وانتقد الزاهدي النموذج التعليمي المغربي والثقافة الشعبية المليئة بالمفاهيم والتصورات التربوية الخاطئة على أن “شهادة مدرسية يمكن أن تكون مفتاحا سحريا لجميع مسارات المستقبل”، موردا أن “هذا ما يساهم في تأزيم وضع التلاميذ والأسر على السواء”.

وخلص الخبير في الشأن التربوي إلى أنه “يجب الانفتاح على نماذج تعليمية تطرح أمام التلاميذ مسارات وخيارات متعددة لمتابعة دراساتهم العليا وتأخذ بعين الاعتبار فردانياتهم وخصوصياتهم التي تؤثر بقوة على طرائق وسرعات تعلمهم”، مضيفا أنه “يتعين كذلك تأطير الآباء وتعديل سلوكاتهم وتمثلاتهم حول الموضوعات التربوية من قبيل الاختبار، والنجاح، والفشل والتحصيل الدراسي والتوجيه المدرسي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News