حوارات | سياسة

بوز:العدالة والتنمية كان أوفر حظا من الاتحاد الاشتراكي وأسوأ مآلا منه (2/2)

بوز:العدالة والتنمية كان أوفر حظا من الاتحاد الاشتراكي وأسوأ مآلا منه (2/2)

بلغة الأدب، مثّل انهيار حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية لثامن شتنبر 2021 بالمغرب “خرقا لأفق انتظار المتلقي”. راهن أكثر المحللين تشاؤما على حصيلة نيابية لا تقل عن 60 مقعدا للمصباح، والأكثر تفاؤلا اعتبر مهمة الأحرار في الفوز شاقة. اكتسح الأحرار وسقط الإسلاميون سقوطا حرا. فما الذي حصل؟

في هذا الحوار مع الخبير الدستوري أحمد بوز، الرجل الذي خبر السياسة نضالا ودراسة وتدريسا، نعيد ترتيب أجزاء الأحجية التي اكتملت في مشهد تلاوة وزير الداخلية للنتائج ساعات بعد إغلاق مكاتب التصويت ليلة الأربعاء-الخميس 8 و9 شتنبر الجاري، معلنا نهاية عهد إسلاميي لحظة “الربيع” وبداية عهد آخر.

بعدما حلّل في الجزء الأول من هذا الحوار عوامل سقوط الإسلاميين ودلالات انزياح الصناديق باتجاه الأحرار وتحديات فرز الأغلبية والمعارضة بعد هذه الاستحقاقات، يعرّج الأستاذ بوز في الجزء الثاني والأخير من هذا الحوار على مستقبل العدالة والتنمية بعد ضربة 8 شتنبر القاصمة ومآلات التنظيم الإسلامي المحتملة.

ويرى، بهذا الخصوص، أن ما حصل معه أسوء مما حصل مع الاتحاد الاشتراكي قبله لكون الحزب اليساري خرج من الحكومة متصدرا، فيما المصباح خرج بخسارة فادحة، معتبرا أن أزمة العدالة والتنمية اليوم ليست مع الدولة أو أعضائه وإنما مع المجتمع وشرائح واسعة سعت في خسارته.

في سياق موازٍ، يشير الأكاديمي المغربي إلى أن العدل والإحسان ستسعى للاستفادة من هذا الوضع لكن دون تأثير كبير لمنهجها الذي ينتهي بها في نهاية المطاف إلى “انتظارية قاتلة” لا تصنع الفرق.

وحول صعود نجم الاستقلال بهذه الانتخابات، يعتبر الخبير الدستوري أن الاستقلال شكل قطب جذب لفئة “ناخبي السياسة” بعدما تبخر بريق العدالة والتنمية.

وفي ما يلي نص الحوار:

قدمت الأمانة العامة لحزب المصباح استقالتها وتحملت مسؤولية الخسارة ودعت لعقد مؤتمر استثنائي..كيف تقرؤون مستقبل العدالة والتنمية سياسيا وهل وجوده بالمعارضة مستقبلا سيكون فارقا؟

أظن أن الحزب سيدخل في أزمة سياسية وتنظيمية عميقة، قد تجعل إمكانية عودته لاحتلال مكانته في الساحة السياسية والانتخابية كحزب قوي ومنظم أمرا معقدا حتى لا أقول مستحيلا. الحزب عانى في الفترة الأخيرة أزمة قيادة بغياب عبد الإله بنكيران عن أمانته العامة وعن الحكومة التي كان يقودها، وبالتالي يطرح التساؤل حول ما إذا كان قادرا على إيجاد الشخصية التي يمكن أن تسد هذا الفراغ.

هناك من يتحدث عن إمكانية عودة بنكيران من جديد، لكن هذه العودة قد تواجه ببعض الاعتراضات الداخلية، وحتى إذا لم تعارض من الداخل فإن التخوف يبقى قائما حول ما إذا كان، أي بنكيران، لا زال قادرا على لعب هذا الدور، وقادرا على تسويق نفس الصورة التي سوقها عن نفسه وعن حزبه بين 2011 و2016، سيما عندما نستحضر قضية المعاش الاستثنائي وكيف خدشت صورته بشكل كبير.

الحزب عاش أيضا إشكالية صعوبة التوفيق بين وجوده في التدبير وبين محافظته على مرجعيته وعلى شعاراته التي تسمح له بتجسير علاقاته مع ذراعه الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح)، وتنظيمات وحركات تقتسم وإياه نفس المرجعية، لذلك يطرح عليه التساؤل حول مدى قدرته، وهو الآن في المعارضة التي فرضت عليه، على إعادة ترتيب علاقاته بمحيطه.

هل يمكن للحزب لم شتاته باستمرار نفس الوجوه التي قادته خلال هذه المرحلة في إنتاج خطاباته؟

الحزب أضحى محكوما بقيادة تورط جزء منها في لعبة المنافع، والانتفاع من السياسة، والانتقال من تمثل السياسة كعمل تطوعي إلى احترافها كمهنة ومصدر دخل، وبالتالي صار مطروحا عليه سؤال مدى قدرته على إنتاج وجوه جديدة، تكون قادرة على إزاحة الحرس القديم من واجهة التحكم في الحزب، وجعل المغاربة ينسون وجوها محددة يبدو أنها لم تعد تطربهم.

هذه في تقديري كلها أسئلة وموضوعات ستكون مطروحة على أجندة التداول داخل الحزب في سياق التفكير في إيجاد مخارج لهذه الأزمة. فهو قد أثبت في مرات سابقة قدرته على تجاوز أزماته الداخلية وفي علاقته بالدولة، لكن أزمة اليوم تبدو مختلفة وغير مسبوقة، سيما وأنها ليست مع الدولة أو حتى بين أعضاء قيادة الحزب أو مع تنظيماته الموازية، وإنما مع المجتمع. فلأول مرة يجد الحزب نفسه مغضوبا عليه اجتماعيا وانتخابيا، وشرائح معينة غير نادمة على خسارته.

البعض يرى أن أطروحة “الإصلاح من الداخل” التي رفعها الحزب منذ تأسيسه تكسّرت وأنه نسخة مكررة لما حصل لحزب الاتحاد الاشتراكي؟

قبل أزيد من عشر سنوات كتبت عن “الاتحاد الاشتراكي للعدالة والتنمية” متسائلا عما إذا كان العدالة والتنمية سيلقى نفس المصير الذي لقيه من قبل الاتحاد الاشتراكي. وأظن أن ما حصل للعدالة والتنمية اليوم كان أكبر بكثير مما حصل للاتحاد الاشتراكي. لأن الاتحاد الاشتراكي خرج من الحكومة وهو متصدر لنتائج انتخابات 2002 بينما العدالة والتنمية غادر الحكومة وقد تلقى خسارة انتخابية قاسية.

فعندما يغادر حزب الحكومة وهو معاقب انتخابيا يعني ذلك أنه هو من فشل في الإصلاح من الداخل، لأن الناس لا يتفهمون بعض التبريرات المتعلقة بوجود “جيوب المقاومة”، خصوصا عندما تكون مثل هذه الجيوب موجودة دائما وملازمة للحياة السياسية في المغرب، وحتى في بلدان أخرى. حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي يتقاسم معه نفس المرجعية، واجه مقاومات أكثر مع المحكمة الدستورية ومع المؤسسة العسكرية لكنه استطاع في نهاية المطاف هزمهما وفرض نفسه بقوة كقائد للبلاد لما يزيد عن عشرين سنة.

الحزب قال إنه وجد مقاومات للإصلاح أكبر من كل ما كان يتوقعه ..

لا يمكن تبرير العجز بالظروف الموضوعية، لأن الحزب كان يعرفها قبل أن يخوض غمار هذه التجربة، بل إنني لن أبالغ إن قلت إن العدالة والتنمية كان محظوظا مقارنة بالاتحاد الاشتراكي، فهو وصل إلى الحكومة في سياق احتجاج إقليمي ضاغط على الأنظمة غير الديمقراطية لتقديم تنازلات، وفي ظل دستور قوى من سلطات رئيس الحكومة وأعاد ترتيب علاقته مع الملك، كما جاء في عز النجاحات التي حققتها المرجعية التي يمتح منها. أضف إلى ذلك أنه كان قابلا للملكية التنفيذية ومدافعا شرسا عنها، خاصة أمينه العام، بينما لم تتوفر هذه الظروف لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يبدو أنه أشرك في الحكومة ليس من أجل الإصلاح وإنما لتدبير انتقال سلسل للعرش.

كما أن الاتحاد شارك في الحكومة والمرجعية الاشتراكية التي يستند عليها تعاني من تداعيات نهاية الاتحاد السوفياتي وتحطم حائط برلين، علاوة على دستور 1996 الذي كان مختلفا عن دستور 2011، بل إنه تضمن من المقتضيات ما يسمح بتسييج عمل الحكومة، خاصة من خلال الصلاحيات التشريعية والرقابية التي منحها لمجلس المستشارين.

لذلك، لا اعتقد أن المشكل يكمن في الإصلاح من الداخل أو من الخارج، لأن من فشل في الإصلاح من الداخل، وكان يمتلك عدد من الوسائل التي تسمح له بذلك لكنه فرط فيها أحيانا بدافع المزيد من إعطاء حسن النية وتعميق الثقة وأحيانا لأسباب أخرى، سيجد أيضا صعوبة في أن يكون مدافعا عن الإصلاح من الخارج. هذا إذا كان الحزب سيسير في هذا الاتجاه، لأنني أشك في ذلك.

 العدل والإحسان تختلف مع العدالة والتنمية في فكرة العمل داخل نظام سياسي تعتبره معطوب بنيويّا..هل شبه الاندثار الذي حصل للمصباح سيقوّي خطاب ومقاربة العدل والإحسان داخل تيارات الإسلام السياسي بالمغرب؟

بدون شك أن العدل والإحسان ستحاول الاستفادة من هذا الوضع، لكن لا اعتقد أنها ستخرج عن تقوقعها، وعن سجن نفسها في مقاربة رفض النظام القائم دون تحديد طبيعة النظام الذي تقدمه، وعن تحين بعض الفرص لاستعراض قوتها وإمكانياتها.

العدل والإحسان لها موارد بشرية يصعب تجاهلها، وربما أنها أكبر تنظيم في المغرب، لكن هذه “الأسلحة البشرية” عندما لا تستخدم وتجرب في امتحان التدبير لا تعود مفيدة كثيرا، ولا يكون تأثيرها نافعا بشكل كبير، لأنها تصبح كمن يمتلك جيشا لكنه لا يحارب.

التنظيم السياسي تظهر قوته عندما يستطيع أن يزاوج بين نفسه الاحتجاجي المعارض وبين استثمار هذا النفس في ساحة التدافع المؤسساتي والسياسي والانتخابي، سيما في بلد يعد فيه النظام الحاكم راسخا، وتمتلك فيه الملكية قدرة كبيرة على تجاوز الأزمات، وعلى فرض نفسها كمؤسسة تحظى بكثير من القبول لدى فئات اجتماعية واسعة. الطهرانية السياسية والمصداقية الاجتماعية والمهنية مهمة لكنها لوحدها غير كافية لصنع الفارق، فإذا لم تواكب بإيجاد حلول لمشاكل الناس والمساهمة في تعزيز فرص الضغط من أجل التغيير من الداخل وإلا تستحيل نوعا من الانتظارية القاتلة.

دعني أسألك عن حزب آخر ضاعف مقاعده إلى النصف تقريبا قياسا لـ 2016 وهو حزب الاستقلال، هل خدمت مقاعد المعارضة الحزب؟

قد يكون ذلك صحيحا، رغم أن ما هو معروف عن حزب الاستقلال هو أنه يحقق نتائج مهمة أكثر لما يكون مشاركا في الحكومة. فهو من أكثر الأحزاب السياسية التي تعرف كيف تترجم مشاركتها في الحكومة وإشرافها على قطاعات وزارية، خاصة لما تكون اجتماعية، إلى أصوات وإلى نتائج انتخابية.

وأظن أن نتائج هذا الحزب ارتبطت أكثر بثلاثة عوامل أساسية: أولا، استفادته من انهيار العدالة والتنمية، حيث يبدو أنه تمكن من استقطاب أصوات جزء من ناخبي السياسة، خاصة في المدن، الذين صوتوا لهذا الحزب من قبل، لأنهم وجدوا في حزب الاستقلال، باعتباره حزبا وطنيا وتاريخيا وحزبا منظما، نوعا من التعويض عن العدالة والتنمية الذين يقدرون أنه خذلهم.

وثانيا، التأثير الذي كان لتنظيم انتخابات مجالس الجماعات الترابية والتشريعية في يوم واحد، حيث عادة ما يكون لهذا الحزب حضورا مهما في انتخابات الجماعات الترابية التي يتحكم فيها أكثر منطق القرب والعلاقات الخدماتية والوجاهة الاجتماعية.

ثم ثالثا نجاح الحزب في استقطاب عدد من البرلمانيين السابقين والمنتخبين في الجماعات الترابية الذين لهم مواصفات الفوز ويتمتعون بإمكانية مهمة للتنافس. قد لا يكون عدد هؤلاء المستقطبين كبيرا، كما حدث مع الأحرار، ولكنني أظن أنه كان مفيدا ومؤثرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News