حوارات | سياسة

بوز:بيجيدي سقط على يد أنصاره وتشكيل المعارضة الانشغال الأكبر اليوم (1/2)

بوز:بيجيدي سقط على يد أنصاره وتشكيل المعارضة الانشغال الأكبر اليوم (1/2)

بلغة الأدب، مثّل انهيار حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية لثامن شتنبر 2021 بالمغرب “خرقا لأفق انتظار المتلقي”. راهن أكثر المحللين تشاؤما على حصيلة نيابية لا تقل عن 60 مقعدا للمصباح، والأكثر تفاؤلا اعتبر مهمة الأحرار في الفوز شاقة. اكتسح الأحرار وسقط الإسلاميون سقوطا حرا. فما الذي حصل؟

في هذا الحوار مع الخبير الدستوري أحمد بوز، الرجل الذي خبر السياسة نضالا ودراسة وتدريسا، نعيد ترتيب أجزاء الأحجية التي اكتملت في مشهد تلاوة وزير الداخلية للنتائج ساعات بعد إغلاق مكاتب التصويت ليلة الأربعاء-الخميس 8 و9 شتنبر الجاري، معلنا نهاية عهد إسلاميي لحظة “الربيع” وبداية عهد آخر.

في أجوبته، بالجزء الأول من هذا الحوار، يرى أستاذ علم السياسة  أن العدالة والتنمية سقط في اختبار 8 شتنبر لعوامل عديدة ضمنها تخلي متعاطفين معه، بل وأنصارهِ عنه، نتيجة أسباب منها شرخ مزمن بين الخطاب والممارسة، وجرح  “البلوكاج” الذي لم يندمل منذ 2016 داخل الحزب.

كما يعتبر أن مُخرِج القاسم الانتخابي لم يكن يقدر حجم الهوة التي أضحت تفصل بين العدالة والتنمية وناخبيه، وأن تشكيل المعارضة، لا الحكومة، هو أكبر موضع انشغال اليوم. كما يتحدث الأكاديمي المغربي عن خرجة بنكيران في الوقت الميّت من زمن الحملة الانتخابية وحساسية الرهانات التي تنتظر الأحرار  بما أنه حزب “لن يكون محكوما في القرارات التي يتخذها بهاجس بناء الثقة”.

وفي ما يلي نص الحوار:

هل دفع الإسلاميون ثمن 10 سنوات من المشاركة في السلطة أم تفسير الخسارة يجد جذوره بعوامل أبعد من ذلك؟

بالتأكيد دفع الإسلاميون ثمن عشر سنوات من المشاركة في الحكومة، ولا أقول الحكم. الحزب جاء إلى الحكومة لأول مرة في سياق مغربي وإقليمي خاص، ارتفع فيه منسوب الطلب على الديمقراطية، وأضحى فيه الاحتجاج رياضة شعبية لفئات عريضة من الناس. ورفع شعارات وقدم عروضا جعلت الناس تتمثله حزبا للتغيير، بل إنه برز وقتئذ كحاجة للدولة نفسها، التي كانت تسعى إلى امتصاص غضب المحتجين، وتفكيك عروة القوى الطامحة إلى التغيير.

لكن بعد عشر سنوات من التدبير بدا الحزب عاجزا عن ترجمة شعاراته على أرض الواقع، بل وسقط في ازدواجية قاتلة بين الخطاب والممارسة. فقد رأينا مثلا كيف وقّع أمينه العام بصفته رئيسا للحكومة اتفاقا مع إسرائيل بينما ذراعه الدعوي، أي حركة التوحيد والإصلاح، ظل يصدر بيانات معادية للتطبيع ولإسرائيل. وزيادة على هذا الجانب، اتخذ الحزب قرارات قاسية في حق فئات اجتماعية معينة يفترض أن أصواتها هي التي قادته سنتي 2011 و2016 إلى نصر انتخابي وسياسي غير مسبوق.

وإذا أضفنا الخلافات الداخلية التي أصبحت تخترق العدالة والتنمية منذ 2016 في ارتباط بما عرف بالبلوكاج السياسي،  ثم الخلافات التي برزت بين قيادة الحزب وحركة التوحيد والإصلاح على خلفية مواضيع محددة تعتبرها خطوطا حمراء ( التطبيع مع إسرائيل، تقنين الكيف، ثم اعتماد اللغة الفرنسية في برامج التدريس)، فإن كل هذه العوامل مجتمعة جعلت ناخبي السياسة الذين صوتوا لصالحه سنة 2016 يبتعدون عنه.

يبدو أن حتى المتعاطفين مع الحزب تخلّوا عنه في هذه المحطة السياسية..

نعم فالناخبون المرتبطون بالحزب عقائديا ومرجعيا والعاطفين عليه كحزب ذو مرجعية إسلامية يبدو أنهم هم أيضا اتخذوا نفس القرار. بل إنني قد لا أكشف سرا إن قلت إن أعضاء الحزب وشريكه الدعوي هم أيضا خذلوه. ومن تابع الحملة الانتخابية لهذا الحزب سيلحظ بشكل جلي غياب الحضور المعتاد لعدد من أعضاء قيادة الحزب وقيادة الحركة في مثل هذه المعارك الكبرى. وكأنهم كانوا يريدون هزيمة الحزب. الحركة تخلت عن الحزب لأن قيادته بالغت في تقديرها في تجاوز الخطوط الحمراء المرجعية، وعبد الإله بنكيران وتياره فعل نفس الشيء، رغم خرجته المتأخرة والمثيرة للجدل.

تقصد خرجة بنكيران التي انتقد فيها رئيس التجمع الوطني للأحرار في الأنفاس الأخيرة للحملة الانتخابية..

أراد بنكيران بهذه الخرجة أن يرد الاعتبار لنفسه ويبرز للقيادة أن الحزب لا يفوز إلا تحت قيادته، وربما حتى بعض أعضاء القيادة المتحلقة حول سعد الدين العثماني أنفسهم أخذوا يشعرون أن الحزب أصبح يكرر نفسه ولم يعد له النفس ليستمر في قيادة الحكومة ويحتاج إلى نفس جديد لكن من خارجها. وإن كنت أخمن أنهم لم يكونوا يقدرون أن الهزيمة ستتحول إلى انهيار.

كانت القيادات تقدر أن الحزب سيتراجع بمقاعد محدودة ستفقده الصدارة، وسترمي به إلى الصف الثاني أو حتى الثالث، لكن لم تكن تتوقع فقدان 113 مقعدا دفعة واحدة والحصول على عدد مقاعد على الصعيد الوطني (13 مقعدا) حصل على ما يعادلها في 2016 في جهة مراكش وحدها.

كل هذه العوامل التي ذكرت جعلت الحزب صيدا سهلا لخصومه ومنافسيه.وقد استثمر هؤلاء كل الإمكانيات القانونية والمادية واللوجستيكية والبشرية التي تسمح لهم بهزيمة الحزب بالضربة القاضية هذه المرة بعدما فشلوا في ذلك في 2016. وبالتالي يمكنني القول إن الحزب سقط على يد مناضليه وأنصاره أكثر مما سقط على يد خصومه. وربما  هذا الشعور هو الذي ينتاب قيادة الحزب، أو لنقل البعض منها، لذلك لم تقوَ على الطعن بالتزوير في نتائج الانتخابات واكتفت بالدفع بموضوع المحاضر الانتخابية.

 سبق أن اعتبرتم أن القاسم الانتخابي يستهدف الحد من قدرات الاكتساح الانتخابي لحزب المصباح..الآن ربما خدم هذا القاسم العدالة والتنمية نفسه؟ هل هذه القراءة صحيحة؟

لا زلت على رأيي. القاسم الانتخابي كان هدفه الرئيسي هو الحد من نتائج العدالة والتنمية. فهو كان الحل الممكن في مواجهة إمكانية الحصول على أكثر من مقعد في دائرة انتخابية واحدة، التي كان يستفيد منها أساسا هذا الحزب في توسيع الفارق عن باقي منافسيه.

كون العدالة والتنمية استفاد من هذا القاسم الانتخابي في هذا الاقتراع، ولولاه لما حصل على بعض المقاعد التي حصل عليها في الدوائر المحدودة جدا التي تمكن من الفوز بمقاعد بها، وإن كان هذا الأمر يحتاج منا انتظار النتائج التفصيلية للتأكد منه، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن هذا الإجراء كان الهدف منه التحكم في خريطة النتائج، بل إنه يعني أن المخرج الذي هندسه لم يكن يتوقع أن الحزب آيل للسقوط، لأنه لو كان يتوقع ذلك لما اجتهد كثيرا في وضع هذا المقتضى الغريب والشاذ في نظامنا القانوني.

مُخرِج القاسم الانتخابي لم يكن يقدّر حجم الهوة التي أضحت تفصل بين العدالة والتنمية وناخبيه، ولم يكن يقدر أن خلافات الحزب الداخلية عميقة بالشكل التي يجعلها كفيلة بهزمه، دونما حاجة لتوريط منظومتنا القانونية في تدبير معيب وشاذ أبرزت الانتخابات أنه لم يكن ضروريا ولا مطلوبا.

انزياح الصناديق من الخيار الإسلامي نحو حزب الأحرار كسر واقعيّا فكرة “غياب البديل” التي كان يستند عليها مراقبون في توقع تحصيل العدالة والتنمية لنتيجة أكبر بكثير من 13 مقعدا.. كيف تقرؤون مبررات هذا الانزياح؟

لا اعتقد أننا بتصدر التجمع الوطني للأحرار لنتائج اقتراع 8 شتنبر 2021 قد تجاوزنا إشكالية البديل. الوصفة التي يقدمها اليوم الأحرار، وبدرجة أقل حزب الأصالة والمعاصرة، هي التي يفترض أن المغرب جربها لسنوات، وهي الرهان على الأعيان، والنزوع نحو مقاربة تقنوية تدبيرية تنطلق من الاعتقاد بأن كل مشاكل المغرب يمكن أن تحل من خلال المشاريع والأوراش.

أعتقد أن البديل الذي كان مطلوبا هو حزب أو تكتل حزبي بمرجعية سياسية واضحة، لخلق بعض التوازن في حياة سياسية هيمن عليها حزب العدالة والتنمية لعقدين بمرجعيته قبل أن ينهار الآن.

حزب التجمع الوطني للأحرار رفع سقف الوعود المالية والخدماتية، وسوق خطابا كانت له بعض الجاذبية لدى بعض الفئات الهشة، لكن الزمن الانتخابي مختلف عن الزمن الاجتماعي، فالمغاربة الذين صوتوا لفائدة رئيس الحزب اليوم هم المغاربة الذين ربما قاطع بعضهم منتجاته بالأمس، وهم الذين قد يحتجون ضده غذا إذا ما عجز عن الوفاء بوعوده.

ومما يزيد من حساسية الرهانات هنا أن رئيس الحكومة المعين والحزب الذي يرأسه لن يكون محكوما في القرارات التي يتخذها بهاجس بناء الثقة، كما كان الأمر بالنسبة للحزب الإسلامي، لأنه حزب خرج من رحم الدولة نفسها، ويفترض أنه يشتغل في تناغم كبير مع مراكز القرار.

لذلك، قد نستغرق دورة كاملة لكي نكتشف أن البديل ليس هو حزب يربح الانتخابات وإنما حزب له القدرة على بعث الثقة في الناس، وتجسير آمالهم وطموحاتهم في التغيير والبناء الديمقراطي، رغم أنني لا أقلل من أهمية الانتخابات ومن أهمية الفوز فيها.

أكيد أن هناك سيناريوهات متعددة للتحالف الحكومي على ضوء هذه النتائج الحالية وحسب مصالح الأحزاب…ما هي توقعاتكم بهذا الشأن؟

تشكيل الحكومة المقبلة في اعتقادي سيهمين عليه هاجس رئيسي يتمثل في كيفية التوفيق بين الاستجابة للرغبة الجامحة للمشاركة التي تعبر عنها أغلب الأحزاب السياسية، من الأصالة والمعاصرة مرورا بالاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري وصولا إلى التقدم والاشتراكية، وفي الوقت ذاته فسح المجال لتشكيل معارضة برلمانية قادرة على إحداث نوع من التوازن وتشكيل دعامة لنقل المطالب.

يمكن أن نخمن بأن غياب معارضة منبرية أو برلمانية جدية في المرحلة المقبلة في ظل العدد الضعيف لبرلمانيي العدالة والتنمية والتمثيل الرمزي لتنظيمات اليسار المعارض، قد يجعل الحكومة المقبلة في مواجهة الشارع مباشرة، الشيء الذي قد يصعّب من مهامها. لذا أعتقد أن الانشغال بمن سيشكل المعارضة المؤسساتية المقبلة سيكون أكثر أهمية من تشكيل الحكومة نفسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News