حوارات | مجتمع

العروس يحكي عن أحداث وذكريات المدينة القديمة بالدار البيضاء

العروس يحكي عن أحداث وذكريات المدينة القديمة بالدار البيضاء

يعد رمزا من رموز المدينة القديمة، ولد في فضائها سنة 1937 وعاش فيها لأكثر من ثمانين سنة بـ”درب السوينية”، فظلت ذاكرته شاهدة على أحداثها.

تحدى النسيان لينقل لنا ما علق بذاكرته، ويروي لنا بلسانه في كتاب “المدينة القديمة بالدار البيضاء- ذاكرة وتراث”، طفولته مع أعيان وشخصيات المدينة القديمة، بالإضافة إلى الأحداث والوقائع التي عاشها طيلة تلك السنوات مع اليهود والمستعمر الفرنسي، ليتخلص من الهاجس الذي ظل يطارده، يضيف الكاتب والأديب حسن العروس.

وسلط  السيناريست حسن العروس الضوء على أشهر وأقدم أحياء المدينة القديمة في قالب محبوك يحاكي من خلاله أحداث وسلوكات تبلورت في هذه الأحياء التي خاضت معارك دامية ضد المستعمر الفرنسي، وفي حوار دام لثلاث حلقات من برنامج “أحياء في الذاكرة”، ينقل لنا العروس قصة حي التناكر، أو زنقة التناكر بالمدينة العتيقة، وخليط  الأعراق والأجناس الذي كان يجمع المغاربة بالمسلمين واليهود، والجاليات الأجنبية الفرنسية والإسبانية والإيطالية وغيرها، والتي استلهم منها أبناء المدينة الكثير من العادات والتقاليد التي انقرضت اليوم، حسبه.

نص الحوار:

بداية وقبل الحديث عن أحداث زنقة التناكر، حدثنا عن سبب تسميتها؟

حسب اعتقادي فإن البوارج الفرنسية في فترة ما قبل الاستقلال عندما قامت بحرق المدينة القديمة، كانوا قد ألقوا تعليمات بإخراج ساكنة المدينة من منازلهم من أجل إجراءات الهدم، فبعد خروج جل الساكنة ولم يتبق فيها سوى بعض المقاومين المغاربة لمحاربة الفرنسيين، أسفرت المعركة الدامية عن قتل العديد من المدنيين منهم نساء ورجال المدينة العتيقة، وبالتالي فإسم الحي جاء من كلمة “التَنَكُّر” أو “التَّنَاكُر” حيث تنكَر الاستعمار الفرنسي للوعود التي منحوها لمولاي الأمين في ذلك الوقت حيث أمروه بإخراج الساكنة إلا أنه لم ينجح في ذلك.

ما هو امتداد هذا الحي وعلى ماذا كان يعيش سكانه؟

هذا سؤال مهم، تبدأ زنقة التناكر من “عرصة الزرقطوني” وباب درب الطيور إلى باب السوينية، لتمتد إلى شمال المدينة من درب العروسة ودرب العميين ودرب الخروبة مرورا بسيدي فاتح لتصل إلى الكنيسة الإسبانية التي أصبحت اليوم دار الثقافة.

وكان يعيش سكانها على الفلاحة والتجارة وبيع السمك، وتنقسم إلى قسمين، قسم شرقي وقسم غربي، يمتدان من الزرقطوني إلى الكنيسة الإسبانية وجامع ولد الحمراء ولالة تاجة.

 هل يمكن القول انطلاقا من هذه الأحداث أن ذاكرة المدينة القديمة تبلورت في “حي التناكر”؟

بالطبع، تبلورت ذاكرة المدينة القديمة، بزنقة التناكر، رغم أنه ليست لدي معلومات قوية حول سبب التسمية، إلا أن الأحداث التي شهدها الحي سنة 1907، والذي تم فيه حرق المدينة القديمة وجانب من بوسبير وهدم المنازل به من طرف المستعمر، كما وقعت فيها انتفاضة الشاوية بسبب رغبة ليوطي في بناء مرسى كبير يساهم في اقتصاد المغرب، كما شهدت المدينة عدد من الأحداث، منها تلك التي تمت تفاعلا مع قتل المستعمر لأحد الزعماء التونسيين وهو فرحات حشاد، رئيس النقابة التونسية، إضافة إلى خطاب 1947 بطنجة ووثيقة المطالبة باستقلال 11 يناير سنة 1944.

ما هي الشخصيات البارزة التي اشْتُهِرت بالمدينة القديمة في ذلك الوقت؟

هناك شخصيات عديدة عاشت بالمدينة القديمة منها الحاج بنجلون، مؤسس الوداد الرياضي سنة 1947، إذ يعد من الشخصيات البارزة بالمدينة القديمة، إضافة إلى محمد مارسيس، أول مخرج سينمائي يقطن بدرب الطيور بالقرب من زنقة التناكر بأمتار قليلة، وهو الذي سمى الوداد الرياضي بلقب “وداد”، وكذلك مارسيل سيردان،”Marcel Cerdan” الملاكم الذي توفي بسبب سقوط طائرته، و لقي حتفه سنة 1949 بعدما كان يستعد لمباراة الثأر ضد لاموتا، ووقعت ضجة كبيرة بالمدينة القديمة بسبب وفاته.

وهناك أعيان المقاومة المغربية الذين عرفتهم المدينة بمعاركهم ضد المستعمر، منهم محمد الزرقطوني، و أحمد الراشيدي، الذي عشت معه الطفولة والشباب سنة 1953 بالمدينة العتيقة وكنت أبلغ من العمر حينها 17 سنة، كما خضت بجانبه مظاهرات صاخبة من مسجد الجامع الكبير بالمدينة القديمة إلى بوسبير بعد نفي محمد الخامس.

هل عاش وتعايش سكان المدينة القديمة مع جاليات وديانات مختلفة؟

نعم، كانت هناك العديد من الجاليات منهم الجزائريون الذين كنا نجتنب الشجار معهم في ذلك الوقت، وكنا نفتخر في الوقت ذاته بحسن جوار الإسبانيين، واليهود الذين كانوا يتشاركون معنا السراء والضراء، ويعيشون معنا الحياة بحلوها ومرها، وكانوا يزورون المغاربة في كل وقت وحين.

ويتقاسمون معهم الأفراح من خلال لبس اللباس التقليدي الذي يطبع ثقافة المغاربة مند زمن طويل، حيث يرتدي اليهود الجلابة المغربية و”الطربوش” و”البلغة”، إلى درجة يصعب التفريق بين المغربي المسلم واليهودي. 

هل استمرت العلاقة ما بين المغاربة واليهود بالمدينة القديمة في ذلك الوقت؟

تعاطى اليهود بالمدينة القديمة إلى التجارة ومهن بيع التوابل وصناعة الأحذية والجزارة، لتمتد الصداقة بين المغرب واليهود بالمدينة القديمة إلى حين يوم 14 يوليوز، وهو يوم احتفال الفرنسيين بعيد استقلالهم من كل سنة، ففي هذا اليوم بالذات كان بعض اليهود المتشددين المستقرين خارج المدينة القديمة يتواجدون بالحفل، فإذا بفدائي يلقي بقنبلة فتنفجر لتخلف خسائر بشرية كثيرة، ما جعل العلاقة تتوتر مع اليهود منذ ذلك الحين، ويتسبب بإقدام المستعمر الفرنسي على حرق محلات بيع الأثواب بالمدينة القديمة وقتل المغاربة واليهود كذلك، لتكون أخطر حادثة عاشتها المدينة القديمة بعد انتفاضة الشاوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News