حوارات | صحافة وإعلام

العلالي يفكك تغطية الانتخابات لمدار21: تحقيقات غائبة وأحزاب حبيسة المكتوب

العلالي يفكك تغطية الانتخابات لمدار21: تحقيقات غائبة وأحزاب حبيسة المكتوب

يقدم الخبير المغربي في التواصل السياسي، محمد عبد الوهاب العلالي، في حوار مع مدار 21، قراءة تحليلية في ملامح التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية التي نظمتها المملكة يوم 8 شتنبر 2021 وفي سمات التواصل السياسي للأحزاب خلالها.

ويذهب الخبير في التواصل السياسي إلى أن التغطية الإعلامية سواء المحليّة أو الأجنبيّة ركزت على ثنائية الصراع بين الإسلاميين والليبراليين بشكل أساس “ما اختزل أحيانا عناصر أخرى لا تقل أهمية” في هذه الانتخابات.

ويتوقف، في حواره مع مدار21، عند غياب جنس التحقيق الصحافي أمام ادعاءات كثيرة عرفتها هذه الانتخابات وعند انزياح بعض وسائل الإعلام عن نقاش البرامج والأفكار والتوجهات الكبرى لبرامج الأحزاب إلى الاهتمام ببعض السلوكات الانتخابية السلبية والمحدودة وبعض أوجه الادعاءات والدعاية الانتخابية المضادة الغير متحقق منها.

ويرى منسق ماستر التواصل السياسي والاجتماعي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط أنه مقابل تفوق أحزاب سياسية في استثمار وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف ببرامجها تحضيرا للاقتراع، ظلت أخرى حبيسة صيغ التواصل المكتوب ولم تتوفق في صياغتها بوسائل سمعية بصرية بشكل دقيق، فيما لجأت أخرى إلى خطابات مشخصنة.

وفي ما يلي نص الحوار:

هل عكست التغطية الإعلامية للانتخابات جوهر النقاشات التي من المفيد للجمهور المغربي معرفتها؟

نسبيا وباختلاف الوسائط وطبيعة النقاش الدائر في وسائل التواصل الاجتماعي،  فجزء هام من النقاشات  عكست تطلعات المغاربة إلى القطع مع الفساد والرشوة والتطلع إلى الحق في التنمية وحقوق النساء وحقوق الفئات في وضعية هشة أو وضعية خاصة وحقوق الشباب والحق في العيش الكريم لكافة المواطنين.

كما عبرت عن وعي جديد لدى أوساط واسعة من المغاربة خاصة من الأجيال الشابة في الفضاء العام الأزرق ، لكن جزء هام من تلك النقاشات انزاحت في مرات كثيرة عن مناقشة البرامج والأفكار والتوجهات الكبرى لبرامج الأحزاب واختزلت الحملة الانتخابية في الاهتمام ببعض السلوكات الانتخابية السلبية والمحدودة وبعض أوجه الادعاءات والدعاية الانتخابية المضادة الغير متحقق منها.

وهذا ما جعلها تغطي على  تكوين رأي عام دقيق حول المرشحين للانتخابات كأشخاص وبرامج وفوتت فرصا للتعريف بالبرامج السياسية والتعبير عن اتجاهاتها الكبرى من شأنها تساهم في تنمية الثقافة السياسية للمواطنين.

هل سجلتم فروقات في التغطية الانتخابية لاقتراع 8 شتنر بين الإعلام الأجنبي والإعلام المحلي؟

ما هو مشترك  أن تغطيات وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية ركزت على ثنائية الصراع بين الإسلاميين والأحزاب الليبرالية وهو أمر بدا في بعض الأحيان أمرا يختزل عناصر أخرى لا تقل أهميه في إطار عام للحياد بين الفاعلين.

من جهة ثانية، لاحظنا حضورا قويا لوسائل الإعلام الأجنبية وتغطيات ومتابعة من عديد من القنوات العالمية ، واتسمت جلها بمهنية عالية فيما اتسمت مواكبة بعض منها بنوع من الانبهار بخصوصية التجربة الانتخابية المغربية كتجربة استثنائية في المنطقة العربية، وبمناخ الديمقراطية والانفتاح السائد والذي مارس من خلاله الشعب المغربي حقه في التعبير وفي إزاحة  حاكم عبر صناديق الاقتراع ، كان يبدو عصيا على الخروج من السلطة بالطريقة التي جرى بها . لكن الإعلام الأجنبي لم يولي مرحلة ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات المغربية ما يكفي من اهتمام لتسليط الضوء على تجربة فريدة في المنطقة العربية وبلدان العالم الإسلامي.

وماذا عن الإعلام المحلي؟

بالنسبة للإعلام المحلي وأخص هنا المحطات التلفزيونية العمومية أساسا فقد عدلت برامجها لمواكبة الحملة مركزة على تحسيس المواطنين بأهمية هذه المحطة الانتخابية والحث على المشاركة ، وبمنح الكلمة لممثلي الأحزاب السياسية لإلقاء مداخلاتهم وفق مقتضيات تناول الكلمة في وسائل الإعلام.

وشكل ذلك فرصة لتعريف المواطنين بالمتنافسين في الحملة من كل الاتجاهات مما جعلها تستأثر باهتمام فئات واسعة من المشاهدين غير أن كثيرا من المواد المعروضة بدت متشابهة وحتى مملة أحيانا بسبب ضعف التكوين التواصلي للمتدخلين، وعدم استثمار الأشكال التلفزيونية على نحو مثمر. وهو ما يعني نوعا من عدم التوفق في جعل المكون المعرفي ، مثل المعلومات والمعارف والحقائق والتحاليل تتفوق على اتجاه شخصنة الحملة أو اختزالها في بعض مظاهر الشعبوية والوقائع السلبية ذات الطابع المحدود.

ما هي الأجناس الصحافية التي طغت على هذه التغطيات وتلك التي غابت عنها بالنسبة للإعلام المغربي؟

استخدمت وسائل الإعلام باقة من الأجناس الصحفية مثل البورتريهات والشهادات والتعاليق والروبرتاجات والمقابلات والمناظرات التلفزيونية بصيغ مختلفة. كما استخدمت اجناس أخرى في وسائل التواصل الاجتماعي مثل البودكاست و البلاتوهات التحليلية والندوات الرقمية عن بعد والتفاعل بواسطة وسوم (هاشتاغات) ، لسهولة نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب وصلات إشهارية مدعومة  وممولة هدفت إلى مساندة بعض الأحزاب ودعم مرشحيها.

لكن الاستنتاج العام يفيد بقاء وسائل الإعلام حبيسة استخدام أجناس الإبراز والاستعراض وعدم اللجوء إلى التحقيقات التلفزيونية لنفي أو تأكيد الادعاءات المتعلقة بالفساد واستعمال المال وبالخروقات القانونية وبعض مظاهر البلطجة والعنف التي نشرتها ووثقتها وسائل التواصل الاجتماعي ما كان ليعطي لتغطيات القنوات العمومية نكهة أخرى ويمنحها مصداقية أعلى.

ماهي الوسائط التي كان لها تأثير أقوى على الناخبين بنظرك؟

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مؤثرا وكبيرا في توجيه الناخبين وتقديم المعلومات للمجتمع المغربي،  خاصة في ظروف الوباء التي نعرفها والتي حدت من استخدام الحملات الميدانية المباشرة في الأحياء كما كنا نعتمد ذلك في السابق. وتحولت إلى فضاء عمومي للمناقشات المتعلقة بالحملة الانتخابية لتقديم المرشحين و لنقدهم و لمواجهة أفكار بأفكار أو أطروحات سياسية بأطروحات أخر كان لها تأثير كبير خاصة على الشباب. كما أنها شكلت تعبيرات عن المكون العاطفي المرتبط بالمساندة والدعم والاهتمام بالقوى التي استثمرت في وسائل التواصل الاجتماعي على نحو واسع.

لكن يبدو أنه رغم التأثير الكبير لوسائل الإعلام بمختلف أشكالها ، فالتأثير الحقيقي على اتجاهات الناخبين،  في جوانب نفسية ومعنوية وقيمية ومادية ملموسة منه ،  ارتبط بتراكم كل ما جرى خلال السنوات الأخيرة ، ووعي الشعب المغربي بأن مسلسل الإصلاحات والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المهيكلة منذ 2012 أصبحت تعرف تراجعات ملموسة.

تعني بهذا أن التأثير الإعلامي وسواء تم عبر التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائط  لم يكن محددا لقناعات التصويت لدى المغاربة وإنما امتزج باتجاه عام تشكل بدوافع أخرى؟

أكيد. يجب التمييز وعدم السقوط في التعميم القائم الذي يريد أن يجعل عامل وسائل التواصل الاجتماعي عاملا أساسيا ومحددا. فنحن أمام ميلاد تناوب ديمقراطي فعلي متأت من إرادة مجتمعية في التغيير والتعبير عن صوت الشعب المغربي من أجل الدفاع عن اتجاهات الحداثة بكل معانيها النبيلة والإنسانية.

إذن، فالظاهرة المميزة لهذه الانتخابات هي بروز صوت الشعب المغربي كاتجاه لرأي عام يعبر عن سخط عام على حزب سياسي انتفض ليزيحه من السلطة بتصويت عقابي بعد ما كان قد منحه أصواته بكثافة قبل ذلك . وهو ما عبر عن سقوط وهم وجود بنية وفاء لحزب قوي في البلاد لا يمكن زحزحته.

انطلاقا من تصريحات وردود فعل الأحزاب في تواصلها مع الإعلام..هل تواصلت الأحزاب من جانبها بشكل جيد سياسيّا؟

بشكل عام، قدمت الأحزاب تواصلا جيدا لكن هناك تفاوت في هذا الجانب ويمكن القول أن أحزابا معينة قد استخدمت على نحو جيد وسائل التواصل الاجتماعي وركزت حملاتها في هذا الجانب. واستطاعت من ثم أن تستقطب جمهورا للاهتمام ببرامجها وأفكارها ومساندة مرشحيها وخاصة منها الأحزاب التي وظفت وكالات الإشهار وعززت تواصلها ببرنامج عمل مهني دقيق.

ولاشك أن بعض النتائج ترجع إلى ذلك. لكن على الرغم من ذلك بقيت برامج أحزاب كثيرة حبيسة صيغة التواصل المكتوب ولم تتوفق في صياغتها على نحو واضح ودقيق بوسائل سمعية بصرية.

من جهة أخرى ، فإن اللجوء إلى الشخصنة والتركيز على بعض المعلومات المكررة جعل كثيرا من التصريحات تعبر عن مستوى ضعيف للنقاش السياسي من لدن الفاعلين السياسيين لا ترقى إلى نقاش فكري سياسي يبسط للمواطن البرنامج السياسي للحزب وتوجهاته الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News