فن

الصناعة السينمائية بالمغرب.. ما الذي يعسّر ولادة هذا المشروع المنتظر؟

الصناعة السينمائية بالمغرب.. ما الذي يعسّر ولادة هذا المشروع المنتظر؟

إذا كان بعض أهل الفن السابع يؤكدون بنوع من التفاؤل، في مناسبات كثيرة، أن السينما المغربية تسير في الطريق الصحيح خلال السنوات الأخيرة، فإن فريقا آخر يرى أن مستقبل هذه الأخيرة ما يزال “غامضا”، إذ إنها تحتاج إلى نهضة حقيقية واستراتيجية شمولية لكي تصبح صناعة قائمة الذات.

الصناعة السينمائية.. هذا المشروع المنتظر، الذي تنادي به أصوات أصحاب الشأن السينمائي بالمغرب في الملتقيات والندوات على هامش المهرجانات السينمائية، يصطدم، حسب نقاد ومخرجين ومهتمين بالمجال استقت جريدة مدار21 آراء بعضهم، بثالوث يتمثل في “غياب” إرادة سياسية و”ضعف” الاستثمار و”خلل” في عملية الدعم رغم وجود المقومات والإمكانيات المساعدة على بلوغ الهدف المنشود.

فما السبيل لتحريك عجلة الصناعة السينمائية بالمغرب؟

الدعم العمومي غير كاف و”عشوائي” ويحتاج إعادة نظر

في هذا الإطار، يقول أحمد سيجلماسي، الناقد والصحافي المهتم بتاريخ السينما المغربية، إن المغرب لا يتوفر على صناعة سينمائية بالمعنى الحقيقي لكلمة صناعة، لأنه، ببساطة، وفق رأيه، يشكو من غياب شركات إنتاج حقيقية تنتج وتروج منتوجاتها داخل الوطن وخارجه، وتحقق أرباحا تجعل عجلتها تدور باستمرار.

“المنتج الرئيس للأفلام السينمائية والأعمال التلفزيونية بالمغرب هو الدولة من خلال صناديق الدعم (أي التسبيقات على المداخيل وغيرها…)، وهكذا ففي حالة توقف دعم الدولة بأشكاله المختلفة تتوقف عجلة إنجاز الأفلام، زد على ذلك أن جل الأفلام المنتجة بالمال العمومي لا تسترجع المبالغ المصروفة لإنتاجها في حالة عرضها في قاعاتنا الوطنية القليلة، وكثير منها لا يصمد إلا أياما معدودات في بعض القاعات، ونادرة هي الأفلام المغربية التي تجد لها مكانا للعرض خارج السوق المغربية”، يضيف سيجلماسي في حديث إلى “مدار21” حول الصناعة السينمائية بالمملكة.

من جانبه، يرى الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم أن طريقة الدعم أصبحت “متجاوزة” و”غير ذات معنى”، وحان الوقت لتغييرها مع العمل بالإقتراحات التي يطرحها النقاد والمهنيون في هذا السياق، مشيرا إلى أن دعم الدولة للقطاع السينمائي أصبح “عشوائيا” وبدون استراتيجية، ويعطى لمشاريع أفلام تثبت وقت عرضها، بحسبه، هزالتها وغياب رؤية واضحة لأصحابها فيما قد يرفض مشروع فيلم جيد.

وأرجع واكريم، في حديث إلى “مدار21″، سبب هذه “العشوائية” إلى الطريقة والشكل اللذين تشكل بهما لجان دعم الأفلام، مؤكدا أنها تتكون في غالبها من أناس من خارج الميدان لا يفقهون شيئا في السينما، بحيث تجد مخرجا متمكنا يدافع عن فيلمه أمام سيدة لم يسمع بها أي كان حتى عينها الوزير عضوة في اللجنة، وهذه الأخيرة، في نظره، تطرح “أسئلة غبية” بخصوص السيناريو ومشروع الفيلم.

وأضاف الناقد نفسه أن أغلب من يكونون اللجان فرنكفونيون لا يفقهون شيئا في اللغة العربية، فكيف لهم أن يقرأوا سيناريوهات مكتوبة بها.

وبالعودة إلى الناقد سيجلماسي فهو يقر بضرورة إعادة النظر في سياسة الدعم الحالية، وخلق صناديق متعددة لدعم المواهب الشابة والمبدعين الحقيقيين، وفسح المجال أمام الإنتاجات المستقلة المتميزة شكلا ومضمونا، وأمام المستثمرين الخواص لإنتاج الأعمال السينمائية والتلفزيونية، منبها إلى أن الاعتماد بشكل شبه كلي على الدعم العمومي بالمغرب هو الذي ميع السينما والمسرح وباقي الفنون وقتلها.

غياب إرادة سياسية

“على الرغم من أن الإنتاج السينمائي اليوم في تزايد، والوزارة الوصية ترفع من الدعم كل سنة، لكون المسؤولين واعيين بأهمية السينما في البلاد، إلا أنه مع الأسف مشروع الصناعة السينمائية، الذي ينتظر أصحاب الشأن السينمائي بالمغرب تنفيذه منذ سنوات، لم ير النور بعد”، يقول الناقد الفني مصطفى الطالب في حديث مع “مدار21”.

ويرى الطالب أن الخلل يكمن في انعدام وجود إرادة سياسية حقيقية، أمام المناداة بمشروع الصناعة السينمائية بالمغرب، إذ لم يلمح بعد خطوات فاعلة في هذا الجانب، رغم الانفتاح على الأعمال السينمائية العالمية واستقطاب المركز السينمائي الإنتاجات الأجنبية من خلال تسهيل عمليتها، التي تبقى حبيسة نطاق التصوير داخل المغرب، وفق قوله.

وتابع الناقد عينه حديثه: “أظن أننا في الوقت الحالي راكمنا مجموعة من الأعمال والإنتاجات السينمائية الوطنية والدولية، ولدينا ممثلون مغاربة شاركوا في إنتاجات عالمية، ولدينا شركات إنتاج تنسق مع شركات أخرى عالمية، باستطاعتنا اليوم أن نخلق هذه الصناعة السينمائية في المغرب، فهي مسألة تتعلق بالإرادة السياسية، إذ على وزارة الثقافة والاتصال أن تأخذ هذا الأمر على عاتقها بجدية وتتجه نحو إقامة صناعة سينمائية حقيقية مثل الهند وأمريكا وأوروبا، إلى جانب الحكومة التي يجب عليها أيضا أن تأخذ الأمر بجدية وتبحث عن شركاء، لتحقيق هذا المشروع، فالمغرب يقيم مهرجانات كبرى تتطلب موارد مادية مهمة، ما يعني أن الإشكال لا يكمن في الجانب المادي، بل يمكن للمغرب أن يجني أموالا من الصناعة السينمائية، ويمكنه أن يصبح رائدا في هذا المجال كما المجالات الأخرى”، حسب تعبيره.

ويتفق الناقد سيجلماسي، في حديثه للجريدة، مع ما ذهب إليه زميله طالب، حيث إنه يؤكد أن المغرب يزخر حاليا، ومنذ عقود خلت، بجل مقومات الصناعة السينمائية، لكن الأمر الغائب هو الإرادة السياسية الحقيقية والصادقة من خلال سياسة سينمائية شمولية وثقافية بشكل عام تنظر للقطاع السينمائي من جوانبه المختلفة إنتاجا وترويجا وتكوينا وثقافة، وغير ذلك من جوانب العملية السينمائية.

ويزيد المتحدث نفسه أن المغرب يتوفر على مبدعين من مخرجين وممثلين وكتاب وتقنيين سينمائيين ونقاد وأساتذة وباحثين وصحافيين سينمائيين وغيرهم، إضافة إلى فضاءات وديكورات طبيعية متنوعة صالحة لتصوير مختلف أنواع الأفلام طيلة السنة، ناهيك عن الإمكانيات المالية التي لا تعوز مؤسساته المالية كالأبناك على سبيل المثال.

انعدام مستثمرين أم مناخ غير محفز؟

وبما أن الاستثمار هو المدخل الرئيس والفعلي للنهوض بأي قطاع صناعي كيفما كانت طبيعته، فإن الصناعة السينمائية لا تخرج من هذه المعادلة، وكسب هذا الرهان لن يتأتى إلا من خلال خلق مناخ جيد للمستثمرين لجذبهم.

وفي هذا الصدد، يرى الناقد سيجلماسي أن ما ينقص الصناعة السينمائية هي القوانين المحفزة على الإستثمار في المجالات الفنية والثقافية وتنظيم المجال بشكل محكم وضمان حقوق المشتغلين داخله.

ويسترسل الناقد ذاته حديثة إلى الجريدة قائلا: “فلو تم تشجيع القطاع الخاص بإعفاءات ضريبية، مثلا، وتقنين الممارسة السينمائية بشكل جيد، لتحديد حقوق كل الأطراف وواجباتهم المرتبطة بها، وتنقية الحقل السينمائي من كل الشوائب والطفيليات، لأصبح الاستثمار في الصناعات الفنية والثقافية مربحا، كما هو الأمر في قطاعات أخرى كالفلاحة والصيد البحري والبناء وغيرها”.

بدوره، يربط الناقد واكريم، في حديثه مع الجريدة، تأخّر انطلاق السينما المغربية لكي تصبح صناعة حقيقية بغياب مستثمرين خواص يغامرون بأموالهم قصد الربح التجاري، لافتا إلى أنه رغم بعض المحاولات المحتشمة في هذا السياق، إلا أن الأمر ما يزال بعيدا عن أن يكون صناعة حقيقية تكمل فيها الأفلام دورتها بين الإنتاج والتوزيع في القاعات السينمائية.

أما الناقد الطالب، فسجل أن قانون المركز السينمائي المغربي الذي ينظم الإنتاج السينمائي بالمغرب لم يقترب من الصناعة السينمائية التي تتطلب استراتيجية ورؤية واضحة، وتوفير آليات الاشتغال والموارد البشرية، والموارد المالية، بالرغم من أننا نتوفر على هاته الإمكانيات الهائلة إلى جانب المناخ المناسب، مردفا: “لدينا مدينة سينمائية ومن الممكن أن نهيئ أجواء لهذه الصناعة السينمائية بكل جهة”.

ونفى المتحدث نفسه للجريدة أن تكون هناك صعوبات مالية أو إدارية كما يُروج له في بعض الأحيان، مستحضرا نموذج مصر الذي يُحتذى به، إذ يرى أن الاستعمار الإنجليزي أدى دورا في توطين هذه الصناعة بها، الشيء الذي لم نجنيه من الاستعمار الفرنسي، الذي وضع إرهاصات المركز السينمائي، لكن لم يقم بالشيء الكثير، على حد قوله.

غياب قاعات العرض أمام وعود عالقة!

معطى آخر يقول واكريم إنه يساهم في تعطيل حركة الصناعة السينمائية بالمغرب، والذي يتجلى، وفق ما جاء في حديثه إلى الجريدة، في عدد قاعات العرض غير الكافية، إذ يوضح أن الأمر لا يتيح للأفلام المنتجة فرصة العرض التجاري لكي تسترجع ما صرف عليها من أموال، ويحقق بعضها ربحا معقولا يشجع أصحابها على إعادة الكًرّة مرة أخرى، وعدم الهروب من الميدان.

ويبرز الناقد ذاته أن الكثير من المدن المغربية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لا تحتوي على أي قاعة سينمائية تجارية ولو صغيرة، مشدّدا على أنه رغم الوعود التي أطلقها وزير الثقافة والإتصال في هذا الإطار بعيد توليه مهامه الوزارية، إلا أن شيئا من هذا لم يتحقق.

واستطرد المتحدث عينه متسائلا: “فأين هي 150 قاعة تجارية التي وعد بأن تكون جاهزة لعرض الأفلام أواخر سنة 2022؟ وها نحن ذا في الشهر الخامس من سنة 2023!”.

وكان وزير الثقافة والشباب والتواصل محمد مهدي بنسعيد قد أكد، في أحد لقاءات مؤسسة الفقيه التطواني، أن الصناعة السينمائية مهمة، وأن توفير البنى التحتية لعرض الأفلام ليس أمرا متجاوزا كما يظن البعض، بحيث أن عددا من الدول تحطم الأرقام القياسية في الحضور بالقاعات السينمائية رغم تواجد الأنترنت والبرامج التلفزية.

الإنتاج السينمائي المغربي.. فقر في الإبداع أم ضعف في الكفاءات؟

على صعيد الإنتاجات السينمائية المغربية، يرى الناقد سيجلماسي أن الفيلموغرافيا السينمائية المغربية فيها الغث والسمين، بيد أنه يتأسف على أن نسبة كبيرة من أفلامنا تشكو فقرا إبداعيا، متسائلا في هذا الخصوص: “كيف لمخرج أن ينجز فيلما له قيمة فكرية وإبداعية وهو فارغ معرفيا؟”.

وواصل قائلا: “هناك من يستسهل العمل السينمائي ويعتقد أن إلمامه ببعض التقنيات من خلال دراسة أكاديمية (نظرية في الغالب) أو عملية في معهد معين أو بالممارسة الميدانية كاف لإنجاز فيلم ناجح، بل لابد أن ينطلق المخرج والمنتج والممثل والتقني والكاتب والناقد والصحافي وغيرهم من أرضية ثقافية صلبة وعامة، وأن تكون له رؤيته الخاصة للكون والمجتمع والحياة، وأسلوبه الخاص الذي يميزه عن المبدعين الآخرين، أما التقنيات فليست هي كل شيء، لأن كثيرا من المبدعين الحقيقيين يستعينون بتقنيين أكفاء ومتمرسين يوظفون خبرتهم في الصورة والصوت والموسيقى وغير ذلك وفق رؤيتهم الخاصة، وما يرغبون في التعبير عنه من خلال أفلامهم”.

وشدّد سيجلماسي على أن الجمهور في حاجة إلى أفلام تعكس همومه وانكساراته وتطلعاته وأفراحه وأحزانه، وتتناول جوانب من تاريخ بلاده الطويل والعريض، وتنفتح على مواضيع مسكوت عنها بجرأة إبداعية وثقافية وفكرية، منتقدا في الآن ذاته الذين يستفيدون من الدعم العمومي ولا ينجحون لا في القاعات السينمائية (شباك التذاكر) ولا في المهرجانات السينمائية الوطنية والأجنبية (النجاح النقدي أو تشريف المغرب في المحافل الدولية عبر تسويق إبداعي جميل لصورته)، ورغم فشلهم هذا، يضيف الناقد عينه، ما يزالون يستفيدون من دعم المركز السينمائي المغربي وغيره.

في المقابل، أفاد المؤلف والمخرج والممثل إدريس كريمي، بأن الفن السابع المغربي كان يشهد في وقت سابق ركودا ويعيش أزمة نصوص، لاسيما وأن السيناريو يعد القاعدة الأساسية في نجاح أي عمل فني، مشيرا إلى أن الأمر تغير إلى الأفضل مع ظهور شباب يمتلكون موهبة في الكتابة. وشرعوا في تقديم مواضيع جديدة بعيدة عن المواضيع التي استهلكت كثيرا وأصبحت مملة بالنسبة للجمهور.

وأكد كريمي، في حديث إلى “مدار21″، أن المجال أصبح يزخر بكفاءات عالية في التأليف بالانفتاح على خليات الكتابة، وفي الإخراج أيضا، إذ هناك شباب متمكن من الأدوات السينمائية والتلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News