سياسة

دخول اجتماعي ضاغط.. هل تجرؤ الحكومة على فتح صندوق الإصلاحات المؤجلة؟

دخول اجتماعي ضاغط.. هل تجرؤ الحكومة على فتح صندوق الإصلاحات المؤجلة؟

على خلاف السنوات الأربع السابقة من عمر الحكومة، يحيط الاحتقان والتصعيد بعنق الدخول الاجتماعي الأخير من الزمن الحكومي بسبب الاتهامات الموجهة لها (الحكومة) من طرف المركزيات النقابية بـ”تعطيل” جولة شتنبر من الحوار الاجتماعي و”القفز” على هذا الموعد الاجتماعي المهم الذي تناقش فيه ملفات تمس جيوب الطبقة الطبقة العاملة، والمواطنين بشكل عام.

ولم تستسغ المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية المعنية بجلسات الحوار الاجتماعي “قفز” الحكومة، للمرة الثالثة توالياً، على جولة شتنبر المتفق عليها في الاتفاق الاجتماعي لأبريل 2022، باعتبارها ركيزة أساسية لمناقشة تفاصيل مشروع قانون المالية والميزانيات التي يتضمنها مع النقابات، مع الوقوف خلالها على تقدم تنزيل مضامين الاتفاقات الاجتماعية السابقة.

ويستمد الدخول الاجتماعي الحالي أهميته من كونه الأخير في عمر الحكومة، وبالتالي مناسبة لتقييم الحصيلة الاجتماعية، ولو مرحلياً، للحكومة، بالإضافة إلى تزامنه مع فتح أوراش استراتيجية، وعلى رأسها الشروع في مشاورات إصلاح أنظمة التقاعد واستعداد الحكومة لمراجعة مضامين مدونة الشغل إلى جانب تعديل قوانين الانتخابات المهنية والتفكير في إخراج قانون خاص بالنقابات.

وترفض المركزيات النقابية أي إجراءات فوقية في هذه الملفات الحساسة، ملحةً على أن أي تصور للإصلاح يجب أن يمر فوق طاولة الحوار الاجتماعي وبتوافق تام مع ممثلي الطبقة العاملة لما تحمله من وقع وأثر مباشر على المواطنين، عموماً، وشغيلة بشكل خاص.

ويبدو أن الحكومة قد فشلت، مبدئيا، في الالتزام بالمواعيد التي حددتها لإخراج عدد من القوانين التي يحيط بها الجدل في المواعيد التي حددها اتفاق أبريل بسنة 2022، (مراجعة مدونة الشغل، قبل نهاية الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية للولاية التشريعية الحالية “يوليوز 2023″/ مراجعة التدابير القانونية للانتخابات المهنية قبل نهاية الدورة الثانية من السنة التشريعية الثانية للولاية التشريعية الحالية “يوليوز 2023″/ وإخراج قانون المنظمات النقابية، قبل نهاية الدورة الثانية من السنة التشريعية الثانية للولاية التشريعية الحالية “يوليوز 2024”.

“إقبار” جولة أبريل

بوشتى بوخالفة، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قال إنه “في ظل الظروف الحالية لا يمكن الحديث عن حوار اجتماعي حقيقي بين الحكومة والمركزيات النقابية”، متسائلاً “كيف يمكن الحديث عن حوار اجتماعي في الوقت الذي قفزت فيه الحكومة، للمرة الثالثة عن جولة شتنبر، التي تعد ركيزة أساسية وركائز التحاور والتفاوض بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين، وانقلبت على التزامها معنا في أبريل 2022 على مأسسة الحوار الاجتماعي بجولتين”.

وأضاف النقابي عينه، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه لم تتوصل النقابات بأي إشعار يفيد بتأجيل تاريخ جولة شتنبر من الحوار الاجتماعي أو إخبار بتاريخ جديد لها، لافتاً إلى أن “الظاهر هو أن الحكومة استغلت الاحتجاجات الجارية في الشارع (جيل Z) من أجل القفز على هذا الموعد الاجتماعي المهم”.

وانتقد المتحدث ذاته “افتخار الحكومة بتوقيع اتفاق اجتماعي في أبريل 2022 ينص على مأسسة الحوار بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين بشكل منظم في دورتين (جولة شتنبر وجولة أبريل) وتسويقه على أنه إنجاز يحسب لها، في حين أنها لا تلتزم بهذه المواعيد وكرست عادة الاحتفاظ بجولة شتنبر فقط”.

وتكمن أهمية جولة شتنبر في مسار الحوار الاجتماعي، في أي تجربة حكومية، كونها تناقش توجهات مشروع قانون المالية الخاصة بالسنة المقبلة مع المركزيات النقابية التي تمثل الطيف الواسع من الطبقة الشغيلة، بالإضافة إلى تتبع تنزيل ما تم الاتفاق عليه في الجولة التي تسبقها (اتفاق جولة أبريل).

وفي هذا الصدد، أشار بوخالفة إلى أن “عدم الالتزام بجولة شتنبر يعني أن الحكومة تمنع المركزيات النقابية والشركاء الاجتماعيين من الاطلاع على مشاريع وتوجهات الميزانية وتخفي نتائج ومستوى تنزيل الاتفاقات السابقة، والتي تتضمن في غالبها إجراءات تهم القدرة الشرائية للموظفين، في القطاعين العام والخاص”.

وليست هذه المرة الأولى التي يسود فيها “سوء الفهم” أو “الاحتقان” وحتى “المواجهة” بين ممثلي الشغيلة والحكومة. ففي عهد حكومة ما بعد دستور 2011 التي قادها عبد الإله بنكيران، أصاب الحوار الاجتماعي شلل وتسيد التوتر علاقة النقابات بالحكومة، وهو الوضع الذي استمر في حكومة العثماني في سنواتها الأولى، قبل أن يتولى وزير الداخلية حينها، عبد الوافي لفتيت، مسؤولية التواصل مع النقابات وإيجاد توافقات بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين.

هل تقترب الحكومة من “نار” التقاعد؟

ويكتسي الدخول الاجتماعي الأخير في عمر الحكومة الحالية أهميته من كونه مرتبط بالنقاش والتفاوض بين الحكومة والنقابات حول ملفات اجتماعية يحيط بها الجدل والتوتر. والحديث هنا عن ملف إصلاح أنظمة التقاعد وورش مراجعة مدونة الشغل بالإضافة إلى مراجعة قوانين الانتخابات المهنية إلى جانب إقرار قانون النقابات، وهي كلها مواضيع ذات علاقة باتفاق أبريل 2022.

ويتصدر موضوع إصلاح أنظمة التقاعد الأجندة الاجتماعية للحكومة، وإن على مستوى الخطاب، حيث ألَّح رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على أنه “يمكن إنهاء هذا الملف في الولاية الحكومية الحالية إلا وقع التوافق بين الحكومة والنقابات”.

وفي هذا الصدد، أجاب القيادي بنقابة الـ”CDT” أن “الوقت لا يكفي لإجراء كل هذه الإصلاحات، خصوصاً ملف إصلاح أنظمة التقاعد، في ما تبقى من عمر الحكومة”، مؤكداً “تباين الرؤى والتصورات بين الحكومة والنقابات ما قد يهدد بأي محاولة لإيجاد حلول توافقية في هذا الملف المهم”.

ويسود تخوف في أوساط الموظفين وأجراء القطاع الخاص من اعتماد الحكومة نفس المقاربة التي تم نهجها في ملف قانون الإضراب، بتمريره دون توافق مع النقابات، حسب الأخيرة، في ملف إصلاح التقاعد وتثبيت الحل الذي ترفضه النقابات (سنوات عمل أكثر ومساهمات أكثر ومعاشات أقل).

وتدخل بوخالفة في هذا الباب قائلاً إن “ثقة النقابات في المؤسسة التنفيذية والتشريعية في ما يتعلق بتنزيل تصورات إصلاح الملفات الاجتماعية مفقودة”، متسائلا “كيف يمكن أن نثق في أغلبية يصوت نوابها بشكل آلي ودون أي نقاش على قوانين استرايتيجية؟”.

وبحكم تأجيل الاجتماعات الخاصة بورش إصلاح أنظمة التقاعد وغياب أية أرضية للنقاش من طرف الحكومة إلى حدود اللحظة، اعتبر النقابي بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل أنه “يظهر أن الحكومة تحاول الهروب إلى الأمام، خصوصاً في ظل الاحتجاجات الشبابية الحالية، وتأجيل هذا الإصلاح إلى عهد ولاية حكومية مقبلة”.

وفي غياب أي تصور واضح ومعلن من طرف الحكومة حول إصلاح أنظمة التقاعد إلى حدود الآن، أوضح المتحدث ذاته أن “صناديق التقاعد ليست في حاجة لموارد مالية إضافية، كما تحاول الحكومة أن تقنع الرأي العام، وإنما هي إشكالات في حكامة تدبير هذه الصناديق وابتكار موارد مالية إضافية وفي مقدمتها الضريبة على الثروة”.

الغلاء يرهق المغاربة

ولازمت الولاية الحكومية الحالية انتقادات واسعة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية طيلة سنوات تدبيرها للشأن العام، على الرغم من السياسات الاجتماعية التي تقول الحكومة أنها تحمي القدرة الشرائية للمواطنين وتصون كرامة المواطنين، وعلى رأسها الدعم الاجتماعي المباشر (500 درهم). 

واعتبر النقابي عينه أن نقاش ارتفاع الأسعار يقع في صلب الحوار الاجتماعي بحكم أن الاكتفاء برفع أجور الموظفين ورفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، يظل إجراءً غير كافٍ، إذا لم تواكبه إجراءات تحد من “فوضى” الأسعار و”تسيب” سلاسل التوزيع التي يؤثر فيها الوسطاء على بنية الأسعار. 

وتابع بوخالفة أن الزيادة في الأجور التي تم إقرارها في اتفاق أبريل 2024 تبخرت بسبب الغلاء الذي يسيطر على جميع الأسواق بما فيها أسواق المواد الأساسية في موائد المواطنين المغاربة، مشددا على أنه “بهذا المنطق فإننا نقول للحكومة: لا ترفعي الأجور إذا لم تكن هناك إرادة حقيقية في مراقبة الغلاء”.

وسجل النقابي عينه أنه “لا يعقل أن يرتفع ثمن قفة المواطن العادية من 70 أو 80 درهماً إلى حدود 100 درهم كأقصى تقدير قبل سنوات لتصل اليوم نفس القفة وبنفس المكونات إلى 200 و250 درهماً”، مشددا على أن “مراجعة الأسعار وإقرار مراقبة حقيقية للاختلالات هو أمر ضروري”.

ولم يتفق بوخالفة مع تصور الحكومة في دعم القدرة الشرائية للمواطنين عبر مدخل “إصلاح” صندوق المقاصة من خلال الرفع التدريجي للدعم على عدد من المواد الأساسية وفي مقدمتها غاز البوطان، الذي يستهلكه المغاربة بشكل كبير، بغرض توفير الموارد المالية الضرورية لتمويل المشاريع الاجتماعية، أساساً الدعم الاجتماعي المباشر. 

وتساءل المتحدث ذاته “في ماذا تفيد 500 درهم التي تقدمها الدولة للمواطنين دعما مالياً شهرياً، إذا كان معايير وشروط الاستفادة غير مستقرة وظالمة في بعض الأحيان؟”، مبرزاً أن “هذه المقاربة خلقت مشكلاً كبيراً في سوق الشغل المغربي، حيث شجعت على العمل في السوق غير المهيكل من طرف عدد من المستفيدين من هذا الدعم خوفا من حرمانهم من هذا الدعم بمجرد أن يصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News