برنامج محو الأمية بالمساجد.. ربع قرن من انتشال 5 ملايين مغربي من الجهل

يشكل برنامج محو الأمية بالمساجد إحدى الآليات التنموية المبتكرة التي تقوم على توظيف الرأسمال الروحي لفضاءات المساجد، واستثمارها في تنمية العنصر البشري من خلال محاربة الأمية باعتبارها بوابة العلم، بجميع شعبه الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وفي هذا الإطار، أبرزت فوزية بنعباد رئيسة قسم محو الأمية بالمساجد، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن برنامج محو الأمية بالمساجد شهد إقبالا متزايدا ومستمرا منذ انطلاقه سنة 2000، بفضل استراتيجيات تدبيره القائمة على مبدإ التوسع والتطور المستمر والرامية إلى الإسهام بفعالية في الجهود الوطنية لتخفيض معدل الأمية بالبلاد.
وأكدت المسؤولة، في حديث خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة الاحتفاء باليوم الوطني لمحو الأمية 13 أكتوبر من كل عام) تحت شعار “محو الأمية.. نماء وارتقاء”، أن البرنامج نجح على مدى 25 سنة في تحرير ما يقارب 5 ملايين مواطنة ومواطن من آفة الأمية، مسهما بنسبة 25 في المائة في الجهود الوطنية المبذولة في هذا الميدان.
وخلال الموسم الدراسي 2024 – 2025، بلغ عدد المسجلين بالبرنامج، وفق المتحدثة، ما يقارب 240 ألف مستفيدة ومستفيد، منهم 3400 بالمؤسسات السجنية، و 90 في المائة منهم إناث، فيما فاقت نسبة النجاح بهذا البرنامج 92 في المائة.
وفي هذا السياق، عبرت السيدة مينة الحمري ( 59 عاما) ذات الأحفاد، عن امتنانها الكبير للمبادرة الملكية الرشيدة المتمثلة في حملة محو الأمية بالمساجد والتي مكنتها من تجاوز “عقدة الحرف” التي رافقتها منذ طفولتها إلى أن أصبحت جدة، وقالت “كنت قبل الاستفادة من دروس محو الأمية بالمسجد أشعر وكأنني في غرفة مظلمة، فإذا بها تستنير بهذه المبادرة التي فتحت لي أبواب المعرفة والعلم، وأصبحت أستطيع قراءة القرآن الكريم، فضلا عن الاعتماد على نفسي في أشياء كثيرة مرتبطة بحياتي اليومية”.
وفي تصريح مماثل، أكد السيد منصوري الشرقي (57 سنة)، وهو أب لطفلين، ورئيس تعاونية للخياطة والطرز بسلا، أن برنامج محو الأمية بالمساجد فتح له آفاقا واعدة على مستوى تعزيز مكتسباته المعرفية والعلمية، وتطوير مساره المهني من حيث التدبير والمتابعة وتجويد المردودية، مشيرا إلى أنه يبذل قصارى جهده للموازنة بين عمله ومسؤولياته من جهة، وتعلمه من جهة ثانية رغبة في تحقيق مزيد من الارتقاء.
بدورها، أعربت ابنة نواحي تافراوت السيدة لطيفة ظني (35 سنة)، وهي أم لطفلين، عن سعادتها بما حققته من تقدم على مستوى تحصيلها الدراسي في إطار برنامج محو الأمية بالمسجد، والذي مكنها من تعلم القراءة والكتابة وقواعد التجويد والحساب، مما ساعدها على متابعة طفليها الصغيرين دراسيا.
كما فتح لها آفاقا جديدة بتوظيف وسائل التكنولوجيا لمواصلة التعلم، وكسب مهارات فنية وإبداعية مختلفة كفن الفيلوغرافيا من خلال رسم بورتريهات ولوحات إبداعية بالخيط والمسامير، رغم التحديات المرتبطة بمسؤولياتها الأسرية وتعثر خطواتها الأولى لخروجها للتعلم، تقول المتحدثة.
وفي هذا السياق، أوضحت السيدة بنعباد رئيسة قسم محو الأمية بالمساجد أن التمثل متعدد الأبعاد الذي يستقيه برنامج محو الأمية بالمساجد من مختلف المرجعيات الوطنية والدولية التي تنص على المبادئ الأساسية للأندراغوجيا (تعليم الكبار)، جعل منه برنامجا يشتغل على العنصر البشري، ويتطور بشكل تدريجي يتوازى مع أصناف الأمية المراد محوها (الأمية الهجائية، والوظيفية، والمعلوماتية، والثقافية وغيرها).
ولتحقيق مقاصد البرنامج بحكامة، ستعمل الوزارة في أفق سنة 2032، تتابع المتحدثة، على استيعاب 80 في المائة من مجموع الناجحين في المستوى الأول، للاستفادة من دروس ما بعد محو الأمية (المستوى الثاني).
وأشارت أيضا إلى أن البرنامج يحرص على تطوير العرض التربوي وتنويع وسائطه، وملاءمته مع الحاجيات المستجدة للفئة المستهدفة، قصد تمكينها من أساليب تثبيت المعلومة العلمية والتربوية والمهنية، وتمثل القيم الفكرية والمجتمعية الأصيلة والتاريخية والحضارية والدينية، المتميزة بالوسطية والاعتدال، مع الانفتاح على القيم الكونية فيما يتصل بالتسامح والتعايش ونبذ التطرف، وكذا تمكينها من المهارات الحياتية والتعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة.