صحافة وإعلام

تمييز وتهويل ونغمة محايدة.. دراسة تفحص تعاطي الإعلام المغربي مع الهجرة

تمييز وتهويل ونغمة محايدة.. دراسة تفحص تعاطي الإعلام المغربي مع الهجرة

أصدرت الشبكة المغربية لصحافيي الهجرات دراسة حديثة اهتمت برصد سمات وخصائص المعالجة الإعلامية للهجرة الأجنبية في المغرب، مسلطة الضوء على كافة الأبعاد المتدخلة في التغطية الإعلامية، والتحيزات المحتملة الكامنة وراء هذه التغطية، وركزت على تحليل التراكم الحاصل في معالجة الإعلام المغربي لقضايا الهجرة مع التوقف عند الموضوعات الرئيسية التي تؤطر هذه التغطية، بالإضافة إلى العوامل المؤثرة فيها.

وقد انطلقت الدراسة، التي اطلعت عليها جريدة “مدار21″، في الإجابة عن إشكاليتها من معطيين هامين؛ “غياب إعلام متخصص في الهجرة والذي يعالج قضايا الهجرة بشكل عميق ومنهجي، مع محدودية المؤسسات الإعلامية التي تمنح اهتماما متواصلا لموضوعات الهجرة وتغوص في تفاصيلها. وترديد وسائل الإعلام لنفس السرديات حول الهجرة، حيث يكون هناك دائما ميل لوسائل الإعلام إلى تكرار نفس الروايات دون تقديم تحليل معمق أو رؤية جديدة حول القضايا المتعلقة بالهجرة الأجنبية”.

وقد أثبتت الدراسة أن نسبة تغطية قضايا الهجرة الأجنبية في الإعلام المغربي “تبقى ضعيفة بشكل عام، وتأتي في ذيل اهتمامات المؤسسات الإعلامية، لدرجة أن بعض المؤسسات الإعلامية لم تنشر أي تغطية، أو نشرت تغطيات لا تتجاوز اثنتين أو ثلاثة خلال فترة طويلة تمتد إلى سبعة أشهر، ما يعطي صورة واضحة عن مدى الاهتمام المحدود بموضوع الهجرة في الإعلام المغربي”.

وانتهت الدراسة، التي سهر على كتابتها الباحث محمد كريم بوخصاص، إلى أن “معالجة قضايا الهجرة الأجنبية تتم غالبا على شكل مواد إخبارية قصيرة مثل التقارير أو الأخبار المختصرة والموضحة مما يبرز حرص الإعلام المغربي على التركيز على نقل الأخبار بشكل سريع و محايد. بالمقابل، تبقى المعالجة العميقة التي تعتمد على أنسنة الموضوع أو الاستقصاء أو الاستطلاع ضعيفة جدا، ولا تتبناها سوى مؤسسات إعلامية محددة وبنطاق ضيق جدا”.

العنصر الآخر الذي كشفته الدراسة، وفق ملخصها، هو أن “المعالجة الإعلامية للهجرة الأجنبية تتم غالباً بنغمة محايدة، حيث يكتفي الإعلام بنشر البلاغات الرسمية والاعتماد على المصادر الرسمية دون إضافة مصادر أخرى أو تقديم تحليل معمق. كما لوحظ أن هذه التغطية تركز بالأساس على النطاق الوطني، يليه النطاق المحلي، فيما يكون الحضور على الصعيد الإقليمي والدولي محدودا للغاية”.

وأبرزت الدراسة أن “النغمة التي يتبناها الإعلام المغربي تظهر بشكل أوضح من خلال نوعية المتحدثين الذين تستند عليهم المؤسسات الإعلامية في تغطية قضايا الهجرة. فقد كشفت الدراسة أن المصادر الرسمية والمسؤولين الرسميين هم المتحدثون الأساسيون، بينما يتذيل المهاجرون قائمة المتحدثين رغم أنه من المفترض أن يكونوا في مقدمة المتحدثين نظرا لأنهم الأكثر تأثرا بهذه القضايا. ومع ذلك لا يتم منحهم الفرصة الكافية للتعبير عن آرائهم أو سرد تجاربهم، مما يعكس تجاهلا لصوت الفئات المعنية بشكل مباشر”.

كما كشفت الدراسة أن “التغطية الإعلامية لقضايا الهجرة غالبا ما تحدث خارج أوقات الذروة وليس خلال الأحداث الفعلية، مما يدل على أن مواضيع الهجرة لا تصنع الحدث الإعلامي بشكل مستمر، بل يتم التعامل معها وفقا للمناسبات، وهو ما يدل على أن التغطية تتخذ طابعا مناسباتيا وتفتقر إلى المتابعة المستمرة”.

أما فيما يتعلق بأنواع الهجرات، فقد تبين أن “الهجرة غير النظامية هي التي تحظى بالاهتمام الأكبر من قبل الصحافيين، خاصة فيما يتعلق بنشر أخبار توقيف المهاجرين أو التعامل مع القضايا ذات الطابع الأمني أو المرتبطة بالحوادث. ويأتي ذلك على حساب الهجرة النظامية، واللاجئين والمقيمين الذين لا يحظون بتغطية كافية”.

من النتائج الأخرى التي أظهرتها الدراسة هو أن “التغطية الإعلامية تركز بشكل أكبر على المشكلة والحل بينما يبقى موضوع الصراع في ذيل الاهتمامات الإعلامية، مما يعكس توجها واضحا للإعلام المغربي نحو تسليط الضوء على الجوانب الإشكالية والحلول الممكنة، مع التركيز على الأبعاد الأمنية والاقتصادية”.

وتابعت الدراسة أن “العنصر المكمل لهذا التحليل هو أن الإعلام المغربي يركز بشكل كبير على موضوعي الأمن ومراقبة الحدود في تغطيته لقضايا الهجرة، وهذان الموضوعان يستحوذان على نصف التغطية الإعلامية تقريبا، مما يعكس اهتماما واضحا بتأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية، فيما تعتبر حقوق الإنسان حاضرة نوعا ما، خاصة في تغطية بعض المواقع الإعلامية التي تعطي أهمية لهذا الجانب، وذلك يعكس اهتماما متزايدا بقضايا حقوق المهاجرين، وإن كان محدودا مقارنة بالجوانب الأمنية”.

ويضيف ملخص الدراسة: “أما بالنسبة للمواضيع الأخرى، بما فيها سياسة الهجرة، فهي تتأرجح بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص، فالإعلام الرسمي يوليها أهمية كبيرة إلى درجة أنها تشكل نصف تغطياته تقريبا، مكرسا الرغبة في الدفاع عن وجهة نظر الدولة وإبراز وجود سياسة محددة للتعامل مع المهاجرين ضمن إطار تنظيمي يدعم التوجهات الحكومية. على الجانب الآخر، تشكل هذه المواضيع نسبة أقل بكثير في الإعلام الخاص، حيث لا تتجاوز عشر التغطية الإعلامية”.

“وبخصوص الصور النمطية والخطابات التمييزية المتعلقة بالمهاجرين التي تساهم في نشر العنصرية والتحيز الجنسي ورهاب الأجانب وغيرها من أشكال التمييز، انتهت الدراسة إلى نتائج مثيرة للانتباه، من بينها سقوط الإعلام المغربي في التعميمات والاعتماد على استعمالات لغوية تكرس التمييز، والإصرار على الإشارة إلى هوية مرتكب الجريمة وأصله الجغرافي حينما يتعلق الأمر بمهاجر أو أجنبي، ما يرسخ في ذهن الجمهور صورا سلبية تربط الهجرة بالجريمة”.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظت الدراسة أن “بعض المنابر الإعلامية تقع في فخ التهويل في تصوير المهاجرين على أنهم يشكلون خطرا كبيرا يستوجب الحذر منهم، ويزيد هذا التوجه من استخدام بعض المصطلحات كأداة للوصم الاجتماعي، مما يفاقم من التصورات السلبية حول المهاجرين ويؤدي إلى تعزيز التمييز ضدهم في المجتمع”.

أما بالنسبة إلى حضور المرأة المهاجرة في الإعلام، فقد كشفت الدراسة أن “تمثيلها يكاد يكون منعدما ، ونفس الأمر ينطبق على الفئات الضعيفة الأخرى مثل القاصرين غير المرفقين بوالديهم، والأشخاص ذوي الإعاقة. والأقليات العرقية والدينية، وضحايا العنف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News