حوارات | صحافة وإعلام

محمد البقالي لـ”مدار21″: اقتربنا من غزة وأدعو المغرب لحماية سفينة حنظلة

محمد البقالي لـ”مدار21″: اقتربنا من غزة وأدعو المغرب لحماية سفينة حنظلة

في مشهد شديد الرمزية، أبحرت سفينة “حنظلة “من ميناء سيراكوزا الإيطالي يوم 13 يوليوز 2025، حاملة على متنها 21 ناشطًا من مختلف الجنسيات، ضمنهم الصحافي المغربي في قناة الجزيرة، محمد البقالي.

لم تكن الرحلة خالية من التهديدات، إذ اضطرت السفينة للتوقف في ميناء غاليبولي يوم 15 يوليوز لتجاوز أعطاب تقنية يُشتبه أنها ناتجة عن محاولات تخريبية.

وبعد إصلاحها، واصلت “حنظلة” الإبحار في 20 يوليوز باتجاه غزة، تحمل على متنها مساعدات رمزية ولعب أطفال، ولكنها قبل كل شيء، تحمل معنى المقاومة المدنية والمرافعة الأخلاقية ضد الحصار.

من على ظهر هذه السفينة الصغيرة، بعرض البحر الأبيض المتوسط، أجرينا هذا الحوار مع الصحافي محمد البقالي، الذي تحدث لـ”مدار21″ عبر الهاتف عن رمزية الرحلة، وتجربته الإنسانية، والرسائل التي يأمل أن تصل إلى الضمير العالمي.

بالنسبة لي شخصيًا، هي المرة الثانية التي أشارك فيها في أسطول الحرية، فقد سبق أن شاركت سنة 2015، وبالتالي عندي معرفة معقولة بهذه الرحلة، بأهميتها ورمزيتها، ولكن أيضًا بمصائبها ومخاطرها.

تقريبًا، إلى حد الآن، كل ما شهدته في هذه الرحلة الثانية يشبه عمليًا ما عشناه في الرحلة السابقة، الأمر كأنني أعيشه من جديد، كأنه مفهوم “déjà vu”.

نحن الآن على بُعد يومين من غزة، ونتوقع أن يتم اعتراض السفينة قريبًا. نأمل أن نصل، ولكن على كل حال هناك تهديدات إسرائيلية بأنها ستعترضنا. وكلما اقتربنا أكثر، كلما زادت احتمالات الاعتراض.

نحن مستعدون لكل السيناريوهات… حنظلة هي سفينة سلمية إنسانية، لا تحمل سوى مساعدات رمزية ولعب أطفال، ولا أحد يدعي أنها ستحل أزمة الجوع في غزة، ولا أنها ستنهي الحرب ولكنها تهدف إلى كسر الحصار، الحصار غير القانوني، وفقًا للقانون الدولي، ووفق قرار محكمة العدل الدولية في يناير 2024، التي أمرت بالسماح بوصول المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة.

نعم، كنت حاضرًا خلال المحاولات التخريبية التي تعرضت لها السفينة. أول محاولة تمت عبر لف حبل على المحرك، بهدف تفجيره أو تعطيله بشكل كامل في حال تحركت السفينة.

وثاني محاولة كانت عبر “توريد” السفينة بمياه ملوثة، فبدل الماء، كانت هناك مادة كيميائية حارقة داخل إحدى الحاويات، وأدت بالفعل إلى إصابة بعض أفراد الطاقم بحروق خفيفة لحسن الحظ.

هذا ينسجم مع التهديدات التي أطلقتها إسرائيل منذ البداية، إذ قالت بوضوح إنها لن تسمح لهذه السفينة بالإبحار، ولحسن الحظ، تم الانتباه في الوقت المناسب وتم إفشال هذه المحاولات.

وبالنسبة للانعكاسات النفسية، كل المشاركين في هذه الرحلة، وعددهم 21، يدركون أنهم ليسوا في رحلة سياحية أو استجمام، بل في رحلة إنسانية خطرة، ومعرّضون للاعتقال. هذه التهديدات هي الحد الأدنى مما يمكن توقعه.

هذه ليست سفينة سياحية، بل سفينة صيد بنيت عام 1968 وتحمل العلم البريطاني… أول ما واجهناه كان دوار البحر، لأن القارب صغير جدًا ويتمايل وكان ذلك من أصعب التحديات، وطبعًا، مع الوقت، يتعود الإنسان ويصبح الأمر عاديًا.

أما ظروف الإقامة، فهي في الحد الأدنى: الأكل، الشرب، وحتى الحمّامات، إذ لا يمكننا استعمال الماء الحلو في الاستحمام، بل نستعمل ماء البحر حفاظًا على الكمية المحدودة التي نملكها. لكن على كل حال، هذه تفاصيل بسيطة بالمقارنة مع ما يعانيه أهل غزة.

بصدق، لا نشعر أننا نقوم بشيء بطولي، لأن الأبطال الحقيقيين هم الذين في غزة، الذين يواجهون التجويع والحصار، ونحن فقط نواجه مصاعب بسيطة بالمقارنة مع معاناتهم.

من الناحية النفسية، هناك توتر وقلق، خاصة لدى أسر المشاركين، لكن الجميع مدرك لصعوبة المهمة، ومقتنع بها، ومؤمن بهدفها: كسر الحصار. وهذا يجعلهم يقبلون الثمن وهم راضون.

ليس هناك أي تناقض بين أن تكون صحفيًا وأن تكون ملتزمًا بقضايا العالم وحقوق الإنسان. أن تقف مع الجائع والمظلوم والمضطهد لا يتناقض مع مهنيتك.. بالعكس، هذا هو جوهر الإعلام والصحافة.

ما قيمة الصحافة إن لم تكن صوت المستضعفين؟ خاصة في قضية بهذا الوضوح: ظلم فاضح، إبادة جماعية غير مسبوقة، إذ لم تتعرض مجموعة بشرية منذ عقود لما يتعرض له الفلسطينيون اليوم.

لذلك، لا أرى أي تناقض بين دوري كإعلامي وبين مشاركتي في هذه السفينة، بل أعتبرها جزءًا من مهمتي الإنسانية، فقبل أن تكون صحفيًا أنت إنسان، ويجب أن تمارس مهنتك بقيم إنسانية وأخلاقية عالية، ونحن نحاول ذلك.

يجب أن نضع أعيننا على هذه السفينة لحمايتها، ليس من باب الكتابة عن الأشخاص، بل من أجل المبادرة ذاتها.

حنظلة سفينة صغيرة، وقد تتعرض للاعتداء، وكلما كتبنا عنها ونبهنا إلى خطورة الاعتداء، شكل ذلك حماية إضافية.

الدعوة موجهة إلى الإعلاميين، والسياسيين، والمنظمات الحقوقية، ودول الجنسيات التي يحملها المشاركون.

معنا مواطنون أمريكيون وجهوا رسالة لحكومتهم، وفرنسيون بينهم نائبتان (من البرلمان الفرنسي والبرلمان الأوروبي).

وبصفتي مواطنا مغربيا، أوجه رسالة لحكومة بلدي بأن تفعل ما يمكن لحماية السفينة من أي اعتداء إسرائيلي.

بشكل كامل، لأن الإعلام لا يجب أن يكون صوت الأقوياء، فإن لم يكن صوت المستضعفين فقد فقد جوهره.

وأنا أرى أن مشاركتي هنا، ونقلي لما يجري، هو امتداد مباشر لمهمتي الإعلامية. نحن لا نعرف مثيلًا لما يتعرض له الفلسطينيون اليوم، هذه إبادة وأشعر أن من واجبي، كصحفي، أن أكون شاهدًا، وناقلًا أمينًا، وفي الوقت نفسه إنسانًا يدافع عن القيم التي آمن بها عندما اختار هذه المهنة.

نعم، الحقيقة أننا نعيش لحظات إنسانية راقية جدًا على ظهر هذه السفينة. نحن 21 شخصًا، من عشر جنسيات، من ديانات مختلفة، ثقافات متباينة، نعيش فوق سفينة صغيرة، ننام متقاربين، نأكل معًا، نشرب معًا، ويوحدنا هدف واحد: الوصول إلى غزة وكسر الحصار.

هذه هي قوة الفكرة وقيمة المبدأ. لم نكن نعرف بعضنا، واليوم أصبحنا نشعر بأننا أسرة واحدة.

معنا سيدة نرويجية اسمها فيديكس، عمرها 75 سنة، تطبخ لنا يوميًا رغم ضيق المطبخ وحرارته. أعجبت بها كثيرًا، ودعوتها لزيارة المغرب، وقد وعدتني بذلك، ومعنا نائبتان برلمانيتان، إحداهما عمرها 25 سنة، جاءت رغم أن بلدها أو أسرتها ليست بالضرورة مناصرة للقضية.

معنا أشخاص من أمريكا، أستراليا، كندا، إيطاليا، إسبانيا.

ومعنا سيرجيو، كان في سفينة مادلين، والآن معنا في حنظلة. سألته مرة: ألا تخاف أن يعتبروا الأمر استفزازًا؟ ضحك وقال إنه لا يفكر في ذلك.. هذا لقاء إنساني بامتياز.

ما يجمعنا هو فلسطين، غزة، والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News