فن | مجتمع

“نطالب بحياة كريمة”.. أزمات صحية تعري هشاشة واقع فناني المغرب

“نطالب بحياة كريمة”.. أزمات صحية تعري هشاشة واقع فناني المغرب

“صراع طويل مع المرض في صمت، ثم الترجل عن صهوة الحياة”، هكذا يعيش بعض الفنانين المغاربة، الذين كرسوا حياتهم للفن، أيامهم الأخيرة، إذ بمجرد أن تتسل أمراض مستعصية تتطلب تكاليف كبيرة للعلاج إلى أجسادهم،  وتبعدهم عن الساحة الفنية لفترة طويلة، تبدأ رحلة معاناتهم، مما يجعلهم يناشدون، بين الفينة والأخرى، الجهات المسؤولة التدخل.

ويعيش عدد من الفنانين المغاربة أوضاعا اجتماعية ومادية صعبة، وزادت حدة الأمر بعد جائحة كورونا، حيث إنهم يطالهم الإهمال ويُتركون على الهامش في مواجهة الفقر والموت. هذا الوضع يكشف بالملموس هشاشة قطاع الثقافة في المغرب، ويعرّي واقعه المزري.

إهمال وتهميش

أسماء مغربية كثيرة لامعة في الساحة الفنية، بل ومن أهراماتها بالمسرح، والسينما، والتلفزيون والغناء، وغيرها، وجدت نفسها في طي “النسيان” و”التهميش” و”الإهمال”، بعد سنوات من العطاء والإبداع، ولا يسمح المجال لذكرها، لأن القائمة طويلة.

ومن بين هؤلاء، نجد الفنانة خديجة البيضاوية، واحدة من رموز العيطة المغربية المرساوية، التي أفنت حياتها في تقديم أعمال فنية مميزة أسعدت جمهورها، لكنها اليوم في حالة صحية متدهورة وتصارع مرض السرطان، قبل أن قبل أن تتدخل الوزارة الوصية لدعمها لتجاوز محتنها.

وقالت البيضاوية، في تصريح سابق لجريدة “مدار21” إنه وجب على الجهات الرسمية أن تتذكر الفنان وهو في شبابه، ليقدم المزيد في مساره الفني ويشعر بالاهتمام، وليس الالتفات إليه عندما يكون على فراش المرض، مستشهدة بواقع الفنان في أوروبا، الذي يلقى اهتماما كبيرا ورعاية خاصة.

من جهته، قال ابن الفنان عبد الرؤوف التونسي، الذي يعيش وضعا مزريا هو الآخر، إن أبشع شعور قد يصيب الفنان بعد سنوات من العطاء، هو الإهمال وعدم الاهتمام المعنوي، أكثر منه من المادي، من خلال التواصل معه وتقديره وإحياء ذكرياته.

بدوره، أصيب الفنان نور الدين بكر، قبل أشهر، بمرض السرطان على مستوى الحنجرة، وتأزمت حالته الصحية، إذ إنه لم يتمكن من الخضوع لعملية جراحية نظرا لخطورتها، وكذا لتدهور حالته الصحية خاصة بعدما تعرض لكسر في ساقه حينها.

إلى جانب ما سبق، توفي مجموعة من الفنانين بعد صراع طويل مع المرض والإهمال، ونذكر منهم الفنانة عائشة مناف، التي رحلت إلى دار البقاء جراء إصابتها بداء السرطان في عظم الفخذ، وتدخل حينها الملك محمد السادس، الذي أصدر تعليماته للتكفل بمصاريف علاجها، لكن الموت باغثها.

وترجلت الفنانة القديرة فاطمة الركراكي أيضا عن صهوة الحياة عن عمر ناهز الثمانين سنة، وذلك بعد معاناة مع المرض دون اهتمام أو رعاية.

التفاتات.. لكن متأخّرة!

في كل مرة تطفو على السطح حالة إنسانية لفنان مغربي، في وضعية صحية حرجة تستدعي التدخل العاجل، ترتفع الأصوات المنادية إلى الالتفات إليه وإنقاذه، وتنتشر صوره أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يدفع وزارة الثقافة إلى التدخل.

وفي هذا الصدد، تكفلت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بعلاج الفنانة المغربية الشعبية خديجة البيضاوي، التي تدهورت حالتها الصحية مؤخرا، من خلال منحها جزء من مصاريف العلاج.

وقبلها، أعلنت الوزارة ذاتها تدخلها لمتابعة الحالة الصحية للفنانة نعيمة بوحمالة، التي تمر هي الأخرى من ظروف صعبة، والتكفل ماديا بمصاريف التطبيب والعلاج الخاص بها.

في هذا الشأن، قال مصدر من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، في تصريح لجريدة “مدار21” إن هذه الأخيرة دائما رهن إشارة الفنانات والفنانين المغاربة، إذ يولي الوزير للجانب الإنساني أهمية قصوى، مشددا على أن تدخل الوزارة اليوم يكون بشكل فوري، من خلال تكفلها بعدد من الحالات الإنسانية، وتحمل تكاليف العلاج هؤلاء الفنانين، أو تقديم أي مساعدة لهم، إذ يعد ضمن مهامها الطبيعية، ومشيرا إلى أن الوزير يضع الفنان المغربي في أولويات الوزارة.

لكن بعض المتتبعين للشأن الثقافي والفني بالمعرب يرون أن هذه التفاتات من الوزارة تكون “متأخرة”، حيث إنها لا تولي الاهتمام للفنان، إلا حينما تخونه صحته ولم يعد قادرا على العمل وتدبير قوت يومه، لذلك يطالبون الوزارة الوصية على القطاع بضمان كرامة الفنان وتمكينه من حقوقه الاجتماعية.

لماذا لا تتدخل تعاضدية الفنانين؟

في هذا الإطار، أوضح نائب رئيس التعاضدية الوطنية للفنانين، عبد الكبير الركاكنة، أن الفنانين الذين يباغثهم المرض فجأة، ولا يتمكنون من سداد مصاريف العلاج، مما يدفعهم للمطالبة بالتدخل للتكفل بهم، غير منخرطين في التعاضدية، مما يجعل هذه الأخير لا تتدخل.

وكشف الركاكنة، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن دور هذه التعاضدية، التي تأسست سنة 2008 ويصل عدد الفنانين المنخرطين فيها إلى 2000 شخص بواجب الاشتراك يبلغ 700 درهم في السنة، بالإضافة إلى 300 درهم بالنسبة لواجب اللانخراط يؤدى مرة واحدة، يكمن في توفير مجموعة من المصحات الخاصة للفنانين المنخرطين في حال المرض،.

وأكد المتحدث نفسه أن التعاضدية أبرمت مجموعة من الاتفاقيات الطبية مع جمعية وطنية للمصحات الخاصة على الصعيد الوطني، مما يخول لأعضائها المنخرطين الاستفادة من العلاج، لافتا إلى أن هناك أيضا اتفاقية مع المستشفيات العسكرية تمكنهم من الحصول على الخدمات الاستشفائية بتحمل 10 في المئة فقط من مصاريف العلاج، فيما تتكفل التعاضدية بالباقي، بينما يكون التعويض بالمستشفيات العمومية كاملا.

وأبرز نائب رئيس التعاضدية الوطنية للفنانين، أن الصحة أهم ما ينعم به الشخص والجميع معرض للمرض، لذلك من الضروري أن يحرص الجميع على التأمين على صحته، خاصة مع المشروع الكبير الذي يهدف إلى تعميم التغطية الصحية على جميع الفئات المجتمعية، والذي أعلن عنه الملك محمد السادس، حرصا منه على صحة المواطنين وسلامتهم كافة.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن هذه التعاضدية جاءت بمباركة من الملك محمد السادس، من خلال فتح دعم لها من طرف السلطات الوصية، من بينها وزارة الثقافة، والمركز السينمائي، اللذان يدعمانها انطلاقا من مجموعة من الاتفاقيات المبرمة.

وكشف الركاكنة، أنه منذ تسلم المكتب الجديد للمهام، تمت دراسة 1600 ملف، وتم تعويض 1600 من المنخرطين وعائلاتهم عن المرض، مشيرا إلى وجود 400 ملف في طور المعالجة، إلى جانب إعفاء جميع المنخرطين الذين توقفوا عن أداء واجب الانخراط من 3 سنوات فما فوق، من دفع مستحقات السنوات الماضية، ومنحهم مدة زمنية محددة في الـ90 يوما، تنطلق من اليوم فاتح يناير إلى غاية الـ31 من مارس.

مؤسسة الأعمال الاجتماعية.. الأمل المنتظر

في سبيل إنهاء الوضعية المزرية التي يتخبط فيها مجموعة من الفنانين المغاربة، خاصة منهم الرواد، تعتزم وزارة الشباب والثقافة والتواصل، إحداث مؤسسة للأعمال الاجتماعية لفائدة الفنانين، لمساعدتهم على تجاوز المشاكل التي من شأنها أن تؤزم وضعهم مستقبلا، والتي سوف تحل محل التعاضدية الموجودة حاليا.

وفي هذا السياق، كشف مصدر مسؤول من وزارة الثقافة، أن هذه المؤسسة ستقدم خدمات شاملة للفنان، إلى جانب الرعاية الصحية، التي تدخل في إطار الورش الكبير، الذي أطلقه الملك محمد السادس، المتمثل في الحماية الاجتماعية.

وأكد المصدر نفسه، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن المؤسسة في طور الاشتغال عليها لتكون رهن إشارة جميع الفنانين، مبرزا أن ستضمن لهم العيش بكرامة، وإلى غاية ذلك ستظل الوزارة رهن إشارتهم، ومستعدة لتسخير إمكانياتها في الإطار الممكن، لأي تدخل أو حالة إنسانية لأي فنان مغربي.

ولفت مصدر الجريدة إلى أن جميع الفنانات والفنانين مطالبون اليوم بضرورة التوفر على بطاقة الفنان المهنية، لأنها مهمة لضمان حقوقهم الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News