تحقيقات

ملف.. كم سيُكبِّد قرار تمديد إغلاق الحدود الاقتصاد المغربي؟

ملف.. كم سيُكبِّد قرار تمديد إغلاق الحدود الاقتصاد المغربي؟

خسائر بالملايين من المرتقب أن يتكبدها الاقتصاد الوطني للسنة الثانية تواليا، كنتيجة حتمية لقرار تمديد إغلاق الحدود الجوية البرية والبحرية، جرّاء تداعيات جائحة كورونا ومتحورها الجديد “أوميكرون”، الذي اتخذته الحكومة في وقت سابق، وهو الإجراء الذي من شأنه أن يعمّق معاناة عدد من القطاعات الحيوية، على رأسها السياحة، كما أن هذا الإغلاق يتزامن مع احتفالات آخر السنة وحجوزات الفنادق والمنتجعات التي تشهد إقبالا مكثفا واستثنائيا في هذه الفترة، خصوصا من طرف الدول الأوربية والآسيوية ممن يعتبرون المغرب قبلة للاستجمام والاحتفال.

استعادة عافية القطاع مع “وقف التنفيذ”

ولم يخف مهنيو قطاع السياحة غضبهم من هذا القرار “المفهوم” و”المفاجئ” في الوقت نفسه، خاصة وأنه يتزامن مع عُطَلِ أعياد نهاية السنة، التي كان يعوّل عليها مهنيو قطاع السياحة لتخفيف الخسائر التي تكبدها القطاع منذ عامين، خاصة وأن عدد السيّاح بالمغرب في سنة 2020، لم يتجاوز 2.8 ملايين سائح، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة ناقص 78.5 في المئة مقارنة مع سنة 2019.

وكان القطاع السياحي قد بدأ في استعادة عافيته خلال السنة الجارية 2021، إذ انخفض العجز المسجل في عدد السياح سنة 2020 من ناقص 78.5 في المئة إلى ناقص 11 في المئة، وفق المعطيات التي قدمتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلال عرض مشروع ميزانية الوزارة بمجلس النواب.

وكانت الوزارة ذاتها قد استبشرت خيرا بهذا التعافي “المتدرّج”، خاصة وأن نسبة تراجع السيّاح الوافدين المسجلة في المغرب تقارب النسب المسجلة في دول أخرى، مثل إسبانيا، التي انخفض عدد السياح بها السنة الماضية بنسبة ناقص 70.9 في المئة، وتونس بناقص 78.7 في المئة، وتركيا بناقص 69 في المئة، فيما بلغ عدد السياح بمراكز الحدود المغربية خلال الفترة ما بين يناير وغشت من السنة الجارية 2.5 ملايين، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 16 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2020.

ووصل عدد ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة إلى 5.6 ملايين ليلة مبيت، فيما بلغت نسبة الملء 24 في المئة، وبلغت الإيرادات السياحية 20.3 مليارات درهم، مسجلة تراجعا بنسبة 18 في المئة.

ونتيجة أزمة جائحة كوفيد-19، عرف حجم الاستثمار في القطاع السياحي أيضا انخفاضا بنسبة 60 في المئة، مقارنة مع معدل الاستثمار خلال سنوات ما قبل الجائحة.

وبلغت الاستثمارات المنجزة إلى غاية متم شتنبر 2021 ما مجموعه 2.4 مليارات درهم، إذ تم إحداث 3600 سرير إضافي؛ 31 في المئة من صنف خمس وأربع نجمات، وفنادق أندية، و54 في المئة من صنف مساكن الفنادق ودور الضيافة، و15 في المئة من صنف 1 و2 و3 نجمات. ومكنت الاستثمارات المُنجزة في القطاع من توفير 1600 منصب شغل.

ومع ارتفاع عدد السياح القادمين إلى المملكة إلى قرابة مليونين ما بين يونيو وغشت، مقابل 165 ألفا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، عادت السلطات لتغلق الحدود في وجه المسافرين القادمين بداية من ألمانيا وهولندا وبريطانيا ابتداء من 20 أكتوبر، قبل أن تضاف فرنسا إلى اللائحة ثم دول جنوب إفريقيا ودول آسيوية قبل أن يأتي الإغلاق الكامل للأجواء حتى إشعار آخر.

ويريد المغرب من إغلاق حدوده “الحفاظ على المكاسب الهامة” التي تحققت في التصدي للجائحة، إضافة إلى إنجاح حملة التلقيح الكبرى وبلوغ المناعة الجماعية في أقرب وقت.

هل أوصت اللجنة العلمية بالإغلاق فعلا؟

وبقدر ما كان مهنيو القطاع السياحي والحكومة يستبشرون خيرا بتحسن الوضعية الوبائية في المملكة، ظهر فيروس “أوميكرون” الجنوب إفريقي، ليُحبط كل توقعاتهم ويفرض شروطا تحصينيه جديدة للحدود “درءا لمخاطر المتحور المستجد”، بحسب ما أكده مصدر من اللجنة العلمية.

وقال أحد أعضاء اللجنة العلمية والتقنية لـ”مدار21″، إن الوضع الوبائي في المملكة وإن كان “مستقرا ونتمنى أن يبقى كذلك، إلا أن متابعتنا لمستجدات انتشار متحور أوميكرون دوليا، يستدعي كثيرا من الحذر، ذلك أنه ينتشر أسرع بكثير من متحور دلتا”.

وحول فحوى التوصية التي قدمتها اللجنة للسلطات من أجل سن قرار تمديد الإغلاق من عدمه، شدد المتحدث على أن “اللجنة العلمية ليس من اختصاصها الخروج بأي قرار تقني أو إلزامي للسلطات، ذلك أنها تقدم توصياتها وفقا للوضع الوبائي الداخلي والوضع الدولي، فيما القرار الأخير يبقى للسلطات ولجنة القيادة، وذلك منذ أول يوم من حربنا ضد هذا الفيروس وليس وليدا للحظة”.

وفي السياق ذاته، قال عضو اللجنة العلمية والتقنية، أن المنظومة الصحية للمملكة ستكون مهددة في حالة تسلل “أوميكرون” لبر المغرب، خاصة قي ظل تراجع توافد المواطنين على مراكز التلقيح لتلقي الجرعة الثالثة أو الجرعتين الأوليين وتخليهم عن الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة، وهو ما يرفع احتمال الانتشار السريع في صفوف المواطنين وتزايد الحالات بأقسام الإنعاش والأشخاص في حالة حرجة والوفيات، وبالتالي قد نرجع إلى النقطة الصفر في هذه الحالة، ونهدر كل المجهودات المبذولة منذ سنتين في حربنا ضد الجائحة”.

وتابع المتحدث بالقول: “يقول البعض أن حماية اللقاح غير مضمونة بسبب أن مفعوله ينتهي حتى الشهر الخامس، صحيح أن مفعوله يضعف في الشهر الخامس لكن أخد التطعيم يبقى الضامن الوحيد لسلامة المواطنين، ويعزز المناعة الذاتية ويمنحنا الوقت ليضعف الفيروس” يقول المتحدث، مضيفا “المغرب وضع اقتصاده على كفّ عفريت وفضّل مرة أخرى وللمرة المليون حيوات المواطنين، وهذا ما يتطلب كثيرا من تضافر الجهود للخروج من هذه الحرب بأقل الخسائر”.

مهنيو القطاع غاضبون حائرون يتساءلون عن وضعهم

أكد معظم مهنيو قطاع السياحة ممن تواصلت معهم “مدار21″، أن الانتعاشة التي كانت مأمولة تزامنا مع عطل نهاية السنة باتت “مستحيلة”، خاصة وأن جلّ الحجوزات أُلغيت، مشيرين إلى أن قرار الحكومة “العبثي”، على حد تعبيرهم، وسوء تواصلها مع مهنيي القطاع والمواطنين، تسبب في موجة غضب عارمة في صفوف السياح، بمن فيهم من دأبوا على القدوم إلى المملكة في هذه الفترة.

وبهذا الخصوص، يقول سفيان بوهردة، وهو إطار فندقي بمدينة أكادير، إن ما يناهز 80 بالمئة من فنادق المدينة السياحية أُغلقت أساسا مند بدء الجائحة في 2020، “في حين ما تبقى من الفنادق الساحلية المصنفة كانت تعوّل بشكل كبير على احتفالات نهاية السنة لاستعادة زبنائها، قبل أن يُسلَّط عليها هذا القرار العبثي غير المفهوم من الحكومة والتي لم تكلف نفسها حتى التواصل وشرح أسبابه”.

وأضاف المتحدث: “كنا ننتظر ما يناهز 100 ألف سائح فرنسي إلى جانب سيّاح من دول أخرى، وهؤلاء ألغوا حجوزاتهم جميعا، لكن ما حدث كارثة”.

وتابع بوهردة: “لا يمكن أن نعوّل في هذه الحالة على السياحة الداخلية، فأغلب المغاربة لا يسافرون في هذه الفترة ولا يحتفلون بأعياد الميلاد ورأس السنة في الفنادق والمنتجعات، كما أن شرط جواز التلقيح كبح جماح التنقل أيضا بين المدن”.

من جانبه، اشتكى رئيس فيدرالية أرباب وكالات الأسفار، محمد السملالي، من القرار معتبرا تعليق الرحلات في هذه الفترة بالذات بمثابة “الضربة القاضية للقطاع”.

وأشار المتحدث، في تصريح صحافي إلى أن “قرابة 80 بالمئة من وكالات الأسفار ما تزال مقفلة منذ ظهور الجائحة” مطلع 2020.

ويشكل قرار تعليق الرحلات الدولية، “فاجعة” بالنسبة للسياحة المغربية التي تعاني الأمرين بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في رقم المعاملات، خصوصا أنه يأتي بعد ارتفاع في الحجوزات باتجاه المغرب الذي كان أصبح بديلا لوجهات سياحية أخرى.

“سوء” تواصل الحكومة يفقد “رايان إير” 390 ألف مسافر

ويبدو أن قرار تمديد الإغلاق لم يغضب مهنيي قطاع السياحة المغاربة فقط، بل أثار استنكار شركات الطيران أيضا، بحيث أعلنت شركة الطيران منخفضة التكلفة “رايان إير” إلغاء جميع رحلاتها إلى المغرب حتى فاتح فبراير 2022. وعزت هذا القرار إلى “نقص التواصل” من جانب الحكومة المغربية.

وبعد تعليق الرحلات الجوية من وإلى المغرب في الفترة من 29 نونبر إلى 13 دجنبر 2021، كان على السلطات المغربية التواصل مع شركات الطيران بشأن ما سيحدث بعد منتصف الشهر، بحسب ما ذكرته “رايان إير” في بيانها الصحفي.

وأثّر التعليق الإجباري للرحلات الجوية على 160.000 من زبناء الشركة حتى الآن، وبسبب استمرار الضبابية بشأن ما سيحدث، اضطرت الشركة إلى إلغاء جميع رحلاتها المغربية المقررة حتى فاتح فبراير 2022، مما يجعل 230 ألف مسافر إضافيا مهددين بتعطيل خطط سفرهم، وفقا للمصدر نفسه.

وأضاف البيان أنه تم الاتصال بجميع الركاب المعنيين مباشرة من قبل الشركة عن طريق البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية القصيرة أو عبر تطبيق “رايان إير” وإبلاغهم بخياراتهم، بما في ذلك تأجيل مجاني للرحلة أو قسيمة طيران أو تعويض.

الحكومة تتفاعل.. والكرتي يؤكد:  إجراءات الحكومة غير كافية

من جانبها، قررت الحكومة الإفراج أخيرا عن الدعم المخصص للمستخدمين في القطاع السياحي، في إطار التخفيف من تداعيات أزمة جائحة كورونا على القطاع، والذي بقي معلقا منذ شهر يونيو الماضي، كنوع من تطييب خاطر المهنيين.

ويهدف المرسوم الذي صادقت عليه الحكومة قبيل سويعات من صدور قرار تمديد الإغلاق، إلى منح التعويض لعمّال مقاولات القطاع السياحي المتضررين من أزمة جائحة كورونا المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى غاية شهر فبراير من السنة الجارية، لفترة إضافية تمتد من فاتح شتنبر الماضي إلى 31 دجنبر الجاري.

سيستفيد من الدعم، بحسب ما جاء في التصريح الذي تلاه الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، الأجراء والمتدرّبون قصد التكوين من أجل الإدماج الذين يمارسون نشاطهم في عدد من القطاعات الفرعية بقطاع السياحة، وكذا المرشدون السياحيون، بمن فيهم الذين لم يسبق لهم أن استفادوا من الدعم، شريطة تسوية وضعيتهم وتجديد وثائق عملهم قبل 31 دجنبر الجاري.

وهذه الإجراءات التي اتخدتها الحكومة، في محاولة منها لامتصاص غضب مهنيي القطاع، اعتبرها زكرياء الكرتي، الخبير الاقتصادي والمالي في البنك الدولي، “غير كافية أبدا”.

الكرتي وفي تصريح لـ”مدار21″، أوضح بأن من أكبر المتضررين جرّاء قرار تمديد الإغلاق هو “قطاع كراء السيارات والذي يحقق 25 بالمائة من معاملاته السنوية في عطلة نهاية السنة”، معتبرا أن هذه المعاناة تثقل كاهل القطاع أكثر حيث إن نصف مقاولات كراء السيارات (3200 من أصل 7200) أعلنت إفلاسها منذ بداية الجائحة.

ومن الأرقام المهمة أيضا التي عرّج عليها الخبير الاقتصادي، هي تلك المتعلقة بشركات الطيران، موردا أن إعلان “رايان إير” عن توقيف رحلاتها المتوجهة للمغرب حتى فبراير المقبل، مما يعني إلغاء 160 ألف مسافر لرحلاتهم، سيكبد المغرب خسائر تتعدى 80 مليون يورو على الأقل، إذا قلنا إن أي مسافر يقوم بصرف 500 يورو على الأقل في كل سفر”.

وبالنسبة للإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة، خاصة الشق المرتبط بتمديد الدعم لقطاع السياحة وحول ما إذا كان هذا الإجراء قد يخفّف على القطاع محنته هاته السنة، قال المتحدث “لا أعتقد أنها كافية بالمطلق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News