تحقيقات | سياسة

“المحاباة عوض الكفاءة” تُفشل حضور النساء في الحكومة المغربية

“المحاباة عوض الكفاءة” تُفشل حضور النساء في الحكومة المغربية

تزامنا والأنباء عن تعديل حكومي مرتقب، تعود أسئلة حصيلة القطاعات الحكومية التي تسيرها نساء، والأشواط التي قطعتها هذه الأخيرة في صناعة القرار بالمملكة إلى الواجهة. وإذا كانت الحكومة ترى أن المرأة تتولى حاليا مراتب متقدمة في مسار اتخاذ القرار، لم يزل خبراء يرون أن المسألة تبقى موضع مساءلة.

وزيرات مرشحات للرحيل

الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إحدى أعرق الجمعيات العاملة في مجال النهوض بحقوق النساء، اعتبرت في تقرير حول وضعية المرأة بالمغرب صدر بمناسبة 8 مارس الفارط أنه “بالرغم من توفر تدابير وإجراءات داعمة للمشاركة النسائية في مجال التدبير السياسي ترابيا ووطنيا، إلا أن تمثيلية النساء في البرلمان والجماعات والغرف المهنية لم تبلغ الحد الأدنى الذي يمكن النساء من التأثير في السياسات العمومية”.

كما سجلت “تعثرا في تنفيذ استراتيجيات النهوض بحقوق النساء وقصورا في آليات تمكينهن، وبطء في إخراج النصوص القانونية لدستور 2011 ومنها هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز، ،وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى هدر الزمان السياسي”.

ويتشارك عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الرأي مع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، حيث علت أصوات تطالب بإقالة وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، خاصة عقب ارتفاع أسعار المحروقات، معتبرين أن “تصريحاتها المتضاربة وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات خلال الأزمة دليل على ضعفها رغم سيرتها الذاتية التي عبر الكثيرون عن إعجابهم بها بعد توليها الحقيبة الوزارية”.

ولم تكن بنعلي الوزيرة الوحيدة “المرشحة” للرحيل في التعديل الحكومي المرتقب وفق رأي الكثير من المغاربة، بل إن عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة وفاطمة الزهراء عمور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني من بين الوجوه السياسية “التي لم يظهر أثر عملها الحكومي، واكتفيتا بالحضور في مناسبات رسمية”.

ورشح الشارع المغربي وزيرة المالية نادية فتاح العلوي “للرحيل”، خاصة أن فوزي لقجع، الوزير المنتدب لديها “هو القائد الفعلي للوزارة وأن العلوي “وقود للواجهة”.

اختفاء غير مفهوم

وقال أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، إنه وفي سياق تفعيل دستور 2011، برز خطاب سياسي وإعلامي يربط تشكيل الحكومة بضرورة تواجد نسائي كبير، دون مراعاة روح الفصل 19 من الوثيقة الدستورية لسنة 2011، الذي يهدف إلى سعي الدولة لتحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وهو ما يعني أن مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء مجرد مبدأ تسعى الدولة إلى تحقيقه من خلال اتخاذ تدابير تحفيزية خاصة من شأنها تشجيع وتيسير الولوج الفعلي للنساء إلى مناصب المسؤولية، شريطة عدم الاخلال بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 19، وبمبدأ حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس المقرر في تصدير الدستور.

واعتبر السعيد في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه خلال تشكيل حكومة عبد الإله ابن كيران وحكومة سعد الدين العثماني والتعديلات الوزارية التي أدخلت عليهما، انصب جزء من النقاش العمومي حول نسبة النساء داخل التشكيلات الحكومية، حيث اعتبرت بعض الأحزاب أن عدم تفعيل الدستور مرتبط بضعف تواجد المرأة داخل الحكومات التي قادها حزب العدالة والتنمية.

وأوضح أن توصيف الحكومات التي تشكلت خلال عشرية دستور 2011، كحكومات تهمين عليها الأغلبية الذكورية، لا يعني أنها انتهكت روح الدستور، بقدر ما يعني أنها تفتح المجتمع على الأفق الديمقراطي.

وأردف المتحدث ذاته أنه وضمن هذا الأفق التحليلي، حاولت حكومة عزيز أخنوش أن تنتصر للتوجه الذي ظل يرافع على حضور قوي للمرأة داخل التشكيلة الحكومية، وهو ما جعل جزءا عريضا من الصحافة الوطنية والأجنبية تشيد بهذا التحول المطبوع بحضور نسائي قياسا مع الحكومات المتعاقبة.

ويرى الأستاذ الجامعي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن ارتفاع نسبة التنخيب الوزاري للنساء إلى نسبة 28 في المائة داخل حكومة عزيز أخنوش، يعد من أهم المميزات التي واكبت الولادة السريعة لهذه الحكومة، غير أن النقاش يطرح حول أثر التواجد النسائي داخل الحكومة على المرأة في علاقتها بالتنمية، ذلك أنه إذا كان النقاش خلال صدور دستور 2011 يرتكز على حضور المرأة داخل الفريق الحكومي، فإن النقاش المطروح بعد العشرية ينحصر حول حصيلة العمل الحكومي النسائي.

وأكد أن تقييم وتفكيك حصيلة عمل النساء داخل الفريق الحكومي يصعب، نظرا لقصر المدة الزمنية التي لا تمتد إلى سنة، “كما أنه لا توجد معايير ومؤشرات دقيقة للتقييم والمساءلة، غير أنه ما يلاحظ على النساء الوزيرات داخل حكومة عزيز أخنوش هو غياب التواصل الحكومي الذي تحول إلى اختفاء غير مفهوم عن النقاش العمومي، باستثناء بعض التصريحات والخرجات الإعلامية العابرة بشكل اضطراري”.

وسجل أن غياب ما يسمى بأثر التواجد النسائي، حيث تفتقد حكومة عزيز أخنوش لبصمة نسائية قوية قادرة على بلورة جزء من البرنامج الحكومي الذي يتضمن الخطة الحكومية طيلة مدة خمس سنوات، مبرزا أن تواضع الحصيلة النسائية داخل التشكيلة الحكومية، من شأنه أن يضعف الأصوات المطالبة بالمناصفة، ويضعف حجج الحركة النسائية التي تعتبر أن تواجد المرأة داخل الفريق الحكومي من شأنه أن يشكل دفعة نوعية للعمل الحكومي.

وأضاف أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية أن “المتتبع للعمل التشريعي داخل البرلمان، سيلمس بشكل جلي، أن حصيلة النساء الوزيرات لا تختلف عن الحصيلة العامة للحكومة، كما يلاحظ غياب المبادرات التشريعية الجريئة من قبل الوزيرات، باستثناء العمل التشريعي الروتيني المتعلق بالإجابة عن الأسئلة البرلمانية وبعض مشاريع القوانين ذات الأثر المحدود”.

تأثيث الفضاء السياسي

أما رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، فاعتبر بدوره أن حضور المرأة بالمشهد السياسي المغربي اليوم عرف تطورا مقارنة مع السنوات الماضية، خاصة قبل دستور 2011.

وأوضح اعميمي في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن حضور المرأة ورغم تطوره في السنوات الأخيرة “لكنه تطور لعب فيه المستوى التشريعي والتنظيمي دورا أكبر من الدور الذي لعبته الممارسة السياسية، ويالتالي وجب البحث عن توازن بين الغاية التشريعية والممارسة على اعتبار أن الكوطا بالبرلمان مثلا نظام استثنائي مؤقت لتأهيل حضور المرأة وليس لتواجد ريعي للمرأة ومنحها امتيازا دائما، لأن في النهاية لا بد وأن تحضر المرأة بوزنها السياسي والمجتمعي والانتخابي لنقول إن المرأة مؤثرة بشكل حقيقي في المشهد السياسي”.

وأضاف الأستاذ الجامعي، أنه وعلى المستوى الكمي، عرف حضور المرأة بالمشهد السياسي، سواء في البرلمان أو في الحكومة أو في الجماعات الترابية (في مستوياتها الثلاث) تطورا كبيرا، يرجع بالأساس إلى الإصلاحات التشريعية التي أخذها المغرب على عاتقه منذ سنة 2000 إلى حدود سنة 2011، ثم ما بعد القوانين التنظيمية، سواء ما تعلق بالأحزاب السياسية أو بالقوانين الانتخابية”.

ويرى الأكاديمي المغربي أن هذه الإصلاحات التشريعية والتنظيمية أعطت مناخا مكن من زيادة عددية في حضور المرأة بالمشهد السياسي، سواء على المستوى الوطني أو المستوى المحلي.

لكن في المقابل وعلى المستوى الكيفي (النوعي)، اعتبر اعميمي أن الحضور العددي لا يوازيه حضور على مستوى النوع “على اعتبار أن هناك مجموعة من الملاحظات لا زالت تثار على مستوى حضور المرأة في المشهد السياسي، خاصة أنه وخلال الانتخابات الأخيرة ظهر ما يسمى باللوائح الجهوية التي أعطتنا 90 مقعدا بمجلس النواب، ولكن خارج هذه اللائحة، هناك خمس نساء فقط تمكن من الحصول على مقاعد بالبرلمان”.

وأشار إلى أن الأحزاب المغربية ما زالت لا تمنح الفرص الكافية للنساء على مستوى العمل السياسي بصفة عامة، مشددا على وجوب “محاربة” ما يسمى بالريع السياسي للحضور النسائي، حيث إن هناك مجموعة من التمثيليات العائلية والقبلية لا زالت حاضرة في عقلية الأحزاب السياسية وهذا يطرح سؤالا حول حقيقة حضور النساء: “هل حضور النساء اليوم حضور فعلي مؤثر نوعي أم هو حضور لتأثيث الفضاء السياسي ببلادنا؟”.

وأردف أعميمي: “على المستوى السياسي ككل، امرأة واحدة تحتل الأمانة العامة لحزب سياسي ويتعلق الأمر بنبيلة منيب على رأس الحزب الاشتراكي الموحد، وهو حزب غير مؤثر في المشهد السياسي بشكل كبير، خاصة على مستوى المؤسسات السياسية (البرلمان)”.

ووصف أستاذ القانون الإداري حضور النساء على مستوى الأغلبية بـ”الوازن”، رغم أن ذلك لم ينعكس على مستوى تمثيلية النساء في اتخاذ القرار الحكومي “وحتى على مستوى البرلمان، سنلاحظ أن النساء، في الأغلبية الحكومية، ليست فاعلة بالشكل الذي يجعلها تظفر بمكانة وازنة في التأثير في القرار الحكومي، وهو أمر مرتبط بالمشهد السياسي ككل خاصة الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة”.

ويؤكد رضوان اعميمي أن الحضور النسائي في المعارضة “أكثر فعالية رغم أنهن ينتمين لأحزاب سياسية مشتتة في اليمين واليسار والوسط، لكنهن حاضرات سواء في المناقشة داخل اللجان، أو من خلال طرح الأسئلة الكتابية أو الشفهية، و أيضا في مسألة مساءلة رئيس الحكومة أو الوزراء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News