27 مليار دولار.. الجزائر تغرق في عسكرة الاقتصاد والسلطة

رفعت الجزائر مستوى الإنفاق العسكري في قانون المالية لسنة 2026، بعدما خصصت 27 مليار دولار أمريكي لميزانية الدفاع، بزيادة تقارب ثلاثة مليارات دولار عن العام الماضي. ويأتي هذا التوجه في سياق اعتماد البرلمان الجزائري، في يونيو 2025، “قانون التعبئة العامة” الذي منح المؤسسة العسكرية صلاحيات واسعة في تسيير شؤون الدولة.
وشهدت ميزانية الدفاع الجزائرية خلال السنوات الأخيرة منحى تصاعديًا ملحوظًا، إذ ارتفعت من 19.7 مليار دولار سنة 2020 إلى نحو 22 مليار دولار سنة 2023، ثم بلغت 21.6 مليار دولار سنة 2024، قبل أن تقفز مجددًا إلى 24 مليار دولار في 2025، وتستقر عند 27 مليار دولار في مشروع قانون مالية 2026.
وفي تحليله لهذا التوجه، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية رشيد السرغيني، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن التركيز الكبير على ميزانية الدفاع يجعل الجزائر أكثر اعتمادًا على الاقتصاد العسكري بدل تطوير القطاعات الإنتاجية المدنية، وهو ما يضعف قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الدخل. وأوضح أن الإنفاق العسكري المرتفع يعكس استعدادًا دائمًا للصراعات الإقليمية، مما قد يزيد من حدة التوتر مع الجوار المغاربي ويؤثر سلبًا على صورة الجزائر الخارجية.
وأضاف السرغيني أن منح الجيش صلاحيات موسعة بموجب “قانون التعبئة العامة” يضعف الرقابة المدنية على مؤسسات الدولة ويزيد من احتمال الانحراف في استخدام الموارد، مشيرًا إلى أن هذا التركيز على العسكرة يعكس استراتيجية قصيرة المدى تركز على القوة الرمزية والسياسية للمؤسسة العسكرية، لكنها تهمل في المقابل الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، وتفتقر إلى رؤية واضحة للتنمية الاجتماعية، ما يعكس أزمة أولويات طويلة المدى.
وأوضح الباحث أن استمرار الجزائر في نهج “الاقتصاد العسكري” يعكس، في جوهره، غياب مشروع وطني متكامل للتنمية، يقوم على التوازن بين الأمن والاقتصاد والمجتمع. فبينما تُوجَّه مليارات الدولارات إلى التسلح، تظل مؤشرات البطالة والتفاوت الاجتماعي مرتفعة، وهو ما قد يخلق حالة من الاحتقان الداخلي على المدى المتوسط. ويرى السرغيني أن أي سياسة دفاعية لا تستند إلى قاعدة اقتصادية منتجة ومجتمع مستقر تبقى عرضة للاهتزاز أمام التحولات الإقليمية والدولية.
وأضاف أن المقاربة الجزائرية الحالية تميل إلى اعتبار الإنفاق العسكري وسيلة لبناء النفوذ الإقليمي وإظهار القوة، أكثر من كونها أداة لحماية الأمن القومي بمعناه الشامل، الذي يشمل التعليم، والصحة، والبحث العلمي، والبنية التحتية. وأكد أن هذا التصور التقليدي للأمن لا يواكب المتغيرات الحديثة التي تربط بين الاستقرار العسكري والتنمية البشرية، مشيرًا إلى أن القوة المستدامة لأي دولة تنبع من تماسكها الاجتماعي وقدرتها على الابتكار والإنتاج لا من حجم ترسانتها العسكرية.
وبالمقارنة مع المغرب، يرى السرغيني أن المملكة نجحت في تنويع اقتصادها من خلال تطوير قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة، ما يعزز قدرتها على الصمود أمام الصدمات الاقتصادية. كما ركزت على تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية والعلاقات المتوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، مما يجعلها قوة مستقرة وجاذبة للاستثمارات والشراكات.
وأردف أن المغرب حافظ على توازن بين المؤسسات العسكرية والمدنية، بما يضمن شفافية أكبر وكفاءة أعلى في تدبير الموارد العامة والخدمات الأساسية، واستثمر في البحث العلمي والتكنولوجي داخل القطاعين الأمني والمدني على حد سواء، ما يمنحه أفضلية تنافسية على المستوى الإقليمي.
وأبرز أن المغرب يظهر قدرة على تحقيق توازن بين الأمن والتنمية الاجتماعية، حيث تُوجَّه الموارد لتعزيز البنية التحتية والصحة والتعليم، وهو ما ينعكس إيجابًا على استقرار المجتمع وجودة حياة المواطنين.