ملفات

احتجاجات أكادير.. شهادات من رحم الألم بمستشفى الحسن الثاني والمديرية توضح

احتجاجات أكادير.. شهادات من رحم الألم بمستشفى الحسن الثاني والمديرية توضح

أمام مستشفى الحسن الثاني بأكادير، ارتفعت أصوات المحتجين لتروي معاناة يومية، وتفضح واقعًا صحيًا مترديًا يضع حياة الناس على المحك، بين أمهات يُضطررن إلى الانتقال مئات الكيلومترات للحصول على الرعاية، ومرضى بالسرطان يقضون ليالٍ طويلة في الممرات بلا متابعة طبية، تتجلى صورة قاتمة لمؤسسة يُفترض أن تكون ملاذًا للشفاء، لكنها تتحول إلى مرآة للإهمال والفشل.

الوضع في مستشفى الحسن الثاني ليس استثناءً، إذ تعاني مستشفيات أخرى في المدن المغربية من التردي نفسه في الخدمات ونقص التجهيزات والموارد البشرية، وهو ما يشكل جرس إنذار للوزارة والحكومة، ويؤكد ضرورة اتخاذ خطوات عملية وسريعة لإصلاح المنظومة الصحية وضمان حق المواطنين في العلاج والكرامة.

لم تكن الوقفة الاحتجاجية أمام مستشفى الحسن الثاني مجرد تجمع عابر، بل بدت كمرآة كبرى عكست عمق الجرح المفتوح في جسد الصحة العمومية.. وجوه متعبة، وعيون مثقلة بالدموع والغضب، وأصوات تتناوب على سرد حكايات متشابهة في الألم، تختلف فقط في تفاصيلها الصغيرة.

تحكي فاطمة لجريدة “مدار21” الإلكترونية، قصتها بنبرة يختلط فيها الحزن بالخذلان، فتقول إنها قصدت المستشفى لإجراء عملية، لكنها اصطدمت بأبواب لا تُفتح إلا بالمال.

وتضيف: “طلبوا مني شراء الخيط والدم، وكل شيء دفعت ثمنه. قبل عام كنت في حاجة إلى عملية في القلب، وكان لديَّ بطاقة راميد، لكنهم طلبوا خمسة ملايين سنتيم. لجأت إلى الجمعيات والمحسنين، وجمعت 14 مليون سنتيم، واضطررت لإجراء العملية في مصحة خاصة، لأن هذا المستشفى لم يفعل معي شيئًا.”

وبينما تحاول استجماع أنفاسها، تواصل: “أنا أرملة، ولا أملك الإمكانيات. أحتاج متابعة وتحاليل شهرية، لكن هنا يجب أن تنتظر أربعة أشهر كي ترى الطبيب. لا توجد تجهيزات، ومن يملك وساطة يتلقى العلاج، ومن لا يملك فالله وحده يعينه.”

لم تتحدث فاطمة عن المرض فقط، بل عن شعور أعمق بالخذلان، حين قالت: “حكرونا بزاف… لا صحة لا تعليم… المسؤول يزور المستشفى للحظات، فيخفون المرضى حتى يغادر.”

إلى جانبها، وقفت امرأة أخرى ممسكة بيد زوجها الهزيل المصاب بالسرطان. بصوت متقطع تروي معاناتها لجريدة “مدار21”: “زوجي كان يبيت في المستشفى، وفي النهاية طردوه. طبيب يقول له ابقَ، وآخر يقول له اخرج، والنتيجة لا شيء.”

ثم تضيف وهي تحاول أن تشرح قسوة واقعها: “أربعة أسابيع وهو ينتظر موعد السكانير، والتحاليل لا تتعدى كونها وعودًا. لا ماء، ولا دواء. كان يبيت في الممرات مثل الكلاب، ويغادر بلا علاج.”

وأخيرًا رفعت رأسها نحو السماء: “الناس بسطاء ومقهورون…وأفكر أحيانًا لو كانت لدينا الإمكانيات لعالجنا أنفسنا في الخارج… في أوروبا… أما في المغرب، فلم تعد هناك صحة.”

بين شهادة فاطمة ودموع زوجة المريض بالسرطان، تتجلى صورة قاتمة لمستشفى يُفترض أن يكون ملجأً للضعفاء، فإذا به يتحول إلى مكان لا يوزع إلا الانتظار والإحباط.

الأصوات التي ارتفعت لم تكن مجرد شكايات شخصية، بل احتجاجًا جماعيًا على واقع يصرّ على أن يظل مظلمًا، وعلى منظومة صحية أرهقت المواطنين بالانتظار الطويل ودفعتهم إلى أحضان العيادات الخاصة أو صدقات المحسنين.

تعليقًا على الاحتجاجات بأكادير، خرج علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، ليضع الأصبع على الجرح الغائر في جسد المنظومة الصحية بالمغرب، في تصريح لجريدة “مدار21” يحمل الكثير من المرارة، لكنه في الوقت نفسه جسّد صرخة إنسانية تدعو إلى الإصلاح قبل فوات الأوان.

يؤكد لطفي أن الاحتجاجات التي شهدتها أكادير هي حق مشروع يكفله الدستور، مضيفًا أن أصوات المواطنين الغاضبة لم تأتِ من فراغ، بل تعكس سنوات طويلة من التردي والإهمال داخل المستشفى. ويوضح أن الخطر الأكبر يظهر بشكل صارخ عند الأمهات الحوامل، اللواتي يفقدن حياتهن في قاعات الوضع بسبب غياب خدمات بسيطة لا تتطلب إمكانيات كبيرة.

وانتقد لطفي بشدة طريقة تدبير الشأن الصحي، معتبرًا أن المسؤوليات تُمنح غالبًا على أساس القرابة والانتماءات الحزبية بدل الكفاءة والتجربة.

وأوضح أن مدير المستشفى الجهوي ومديرية الصحة لم يقوما سوى بترسيخ “السيبة”، متهمًا المديرية الجهوية بمحاولة تغطية الشمس بالغربال من خلال تصريحات بعيدة عن الحقيقة، بحسب تعبيره.

وبنبرة حادة، أشار لطفي إلى أن المستشفى الجهوي بأكادير يشهد ارتفاعًا مقلقًا في أعداد الوفيات، سواء بين مرضى الأمراض المزمنة أو ضحايا حوادث السير، مضيفًا أن المرضى غالبًا ما يمكثون أيامًا دون علاج قبل أن يُسجَّل موتهم في السجلات.

وأبرز أن هذه الفاجعة تتجاوز أكادير لتطال مدنًا أخرى، حيث تعاني مستشفياتها من ضعف البنيات والتجهيزات، إلى حد أن مركزًا صحيًا في تافراوت ما زال يُرقّع منذ عهد الاستعمار، وفي غياب المولدة تُجبر النساء الحوامل على قطع أكثر من مئة كيلومتر نحو تزنيت.

ولم يخف لطفي استغرابه من هذا الوضع في مدينة مرشحة لاحتضان مباريات كأس العالم، مشددًا على أن احتجاجات الساكنة فضحت غياب أي مسؤولية حقيقية تجاه صحة المواطنين.

وعن موقف وزير الصحة، أوضح لطفي أن الوزير يعرف جيدًا الحالة المزرية للمستشفيات التي زارها بنفسه، لكن العلة تكمن في ضعف التمويل، إذ لا يتجاوز نصيب الصحة 5 في المئة تقريبا من ميزانية الدولة، في حين أن المعدل العالمي يصل إلى 10 في المئة.

كما حذّر رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة من النقص الكبير في الموارد البشرية، مبرزًا المفارقة بين اكتظاظ المستشفيات وأطباء عاطلين يبحثون عن فرصة.

ويرى لطفي أن الحل يكمن في تعيين الأشخاص الأكفاء في المكان المناسب، ومراجعة السياسة الصحية برمتها، مطالبًا الحكومة برفع مناصب التوظيف وزيادة الميزانية المخصصة للتجهيز والصيانة.

ولم يتردد في طرح سؤال مؤلم: “علاش السكانير كيكون خاسر في المستشفيات العمومية وخدام في المستشفيات الخاصة؟”، مشيرًا إلى أن الأمر قد يكون “نتيجة فساد أو تواطؤ الشركات المكلفة”.

وختم لطفي تصريحاته بالتأكيد أن الإصلاح لن يتحقق إلا بربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد الذي ينخر قطاعًا يُفترض أن يكون عماد الكرامة الإنسانية.

وكشفت لمياء الشاكري، المديرة الجهوية لوزارة الصحة بجهة سوس ماسة، في توضيح لجريدة “مدار21″، أن مستشفى الحسن الثاني بأكادير يعد مؤسسة عريقة خدمت ساكنة الجهة منذ سنة 1967، وانطلق ببنية تحتية بسيطة وطاقة استيعابية محدودة، وعدد قليل من الأطر الصحية مقارنة بالحالة الراهنة. وعلى الرغم من هذه الإمكانيات، ظل المستشفى المرجع الأساسي للجهات الجنوبية، مستقطبًا المرضى من مناطق العيون والداخلة وكلميم، بالإضافة إلى ساكنة جهة سوس ماسة.

وأضافت الشاكري أن المستشفى أبان خلال جائحة كوفيد وزلزال الحوز عن التزام وتفانٍ عاليين من قبل أطره الطبية والتمريضية والإدارية والتقنية في مواجهة الأزمات الصحية والطبيعية. وفي الوقت الحاضر، يجمع المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بين مهام متعددة كمستشفى إقليمي وجهوي وجامعي، ويضم أكثر من 1500 إطار صحي من أساتذة وأطباء مقيمين، ما يجعله مركزًا للعلاج والتكوين والبحث العلمي.

وأشارت المديرة الجهوية إلى أن المستشفى يواجه تحديات ناجمة عن الضغط الكبير على الأجهزة الطبية التي تتعرض أحيانًا لأعطاب تقنية، إضافة إلى محدودية بعض التجهيزات الطبية.

وخلال ستة أشهر من سنة 2025، استقبل قسم المستعجلات حوالي 33,665 مريضًا بمعدل يقارب 250 حالة يوميًا، كما أُجريت أكثر من 4,380 فحص سكانير و754 فحصًا بالرنين المغناطيسي، ونُفذت 1,761 عملية جراحية مستعجلة، فيما بلغ عدد التحاليل المخبرية 66,868 تحليلًا، وسُجلت 3,000 ولادة منها 668 قيصرية، ما يوضح أن البنية التحتية الحالية لم تعد قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الخدمات الصحية، توضح المسؤولة ذاتها.

وأكدت الشاكري أن توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وجهة سوس ماسة وجماعة أكادير، بتمويل يقدر بـ 20 مليار سنتيم، سيُمكّن من تأهيل وتجهيز المستشفى بتجهيزات طبية حديثة، وستدخل حيز التنفيذ مع انطلاق الأعمال الأولية في الأسابيع المقبلة.

وأشارت إلى أن وزير الصحة يقوم بمتابعة يومية لتطورات الإصلاح، حيث أُرسلت لجنة مركزية لمواكبة الإصلاحات بإشراك فعّال لإدارة المستشفى وكافة الأطر الصحية والتمريضية والإدارية والتقنية، بهدف تحسين ظروف العمل، رفع إنتاجية المستشفى، والدعم في الموارد البشرية والأدوية، وتقليص فترة انتظار المواعيد.

وأبرزت المديرة الجهوية أن جميع التحاليل الطبية متوفرة داخل مختبر المستشفى، بالإضافة إلى الأدوية الأساسية اللازمة لعلاج المرضى المقيمين، مشيرة إلى أن زيادة مناصب التوظيف منذ سنة 2023 أتاحت الاستفادة من كفاءات عالية تشمل أساتذة وأطباء مقيمين وممرضين وتقنيين، مع تنفيذ برامج صحية متعددة عبر مؤسسات صحية متنوعة.

كما أشارت الشاكري إلى أهمية تحسين جودة الخدمات والتعامل مع المرضى ومرافقيهم، من خلال حث شركات النظافة والأمن والاستقبال على الالتزام بدفتر التحملات. وفيما يخص حالات الوفيات المسجلة بقسم الولادة، أعربت عن أسفها العميق وتقدمت بأحر التعازي لعائلات الفقيدات، مؤكدة على إجراء دراسة دقيقة لتحديد أسباب هذه الحالات بشكل علمي وموضوعي.

وأضافت أن المستشفى عمل على تعزيز العرض الصحي، من خلال افتتاح مصحة النهار لتقديم فحوصات طبية متخصصة، ومركز الترويض الطبي وتقويم الأعضاء لتقديم خدمات للأشخاص في وضعية إعاقة، بالإضافة إلى قرب افتتاح مستشفى الأمراض النفسية بطاقة استيعابية 120 سريرًا. كما تم تطوير مؤسسات الرعاية الصحية الأولية في الإقليم والجهة، مع تدشين 79 مركزًا صحيًا حضريًا وقرويًا لتخفيف الضغط على المستشفى الجهوي.

وختمت المديرة الجهوية توضيحها بالإشارة إلى المستشفى الجامعي الجديد، الذي يعد ثمرة سنوات من العمل المشترك، وسيشكل نقلة نوعية في العرض الصحي الجهوي بطاقة استيعابية تبلغ 950 سريرًا وتجهيزات مصنفة من المستوى الثالث، ما سيخفف العبء عن المستشفى الجهوي، ويتيح للأطر الطبية التكفل بالحالات المستعصية، مع الانطلاق القريب للمشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News