جيل “Z”.. جذور التكوين وأساس الفكرة

ولد هذا الجيل في زمن سياسي يتراوح ما بين نهاية سنوات الجمر والرصاص وانطلاق الربيع العربي، وتأطّر إعلاميا عبر صور متشظية بين إعلامي عمومي وقنوات تقليدية عالمية ومنصات وتطبيقات رقمية خارقة للحدود وعابرة للثقافات والديانات، أما من ناحية التكوين الاجتماعي فهو ابن للأسرة الممتدة (كبيرة) الأخيرة، التي تتكون من جد أو جدة لم تعد لهما الكلمة الآمرة الناهية، أو أنه عنصر في أسرة نووية تصارع الزمن وتعيش تحت وطأة الرأسمالية المتوحشة والتنافسية الاجتماعية الحادة، وقد يكون كلا عموديها يعملان خارج البيت، أو كلاهما عاطلين عن العمل، ومن حيث التكوين المعرفي فقد حصّل -من حالفه الحظ من هذا الجيل وقضى سنوات طويلة داخل المدرسة العمومية المزدحمة- تكوينا مرتبكا من حيث القيم (وطنية، ودينية، وحقوقية، كونية)، ومعرفة متجاوزة عصريا، ضمن نظام؛ تراتبي، مزدحم، غير مستقر، دائم التوتر، يوفر حدا أدنى من المهارات المطلوبة في سوق الشغل.
إن هذا المسار يجعل من “جيل “z جيلا فريدا من حيث الخصائص التكوينية، مختلفا بشكل كبير -وليس جدريا- عن الأجيال الشابة المغربية السابقة، ويأتي على رأس هذه الخصائص:
_ المقارنة الدائمة والتطلّع إلى المنافسة: تلك النوافذ التي فتحها الإعلام والتكوين المدرسي لهذا الجيل تجعله دائما متطلعا للمنافسة على المستوى المحلي والعالمي، سواء مقارنة القرى بالمدن، أو مقارنة المركز (محور الرباط-الدار البيضاء) بالهامش (الأطلس-المغرب الشرقي-الريف-غمارة..)، أو مقارنة أحياء المدينة الغنية بنظيرتها الفقيرة، وأكثر ما يُتداول من أوجه المقارنة، مقارنة الواقع المغربي بنظريه الأوربي.
_ التجريب والمغامرة: فهذا الجيل مندفع لتجريب الجديد، سواء كان أكلا، أو تطبيقا ذكيا، أو تخصصا دراسيا، أو دراسة في بلدان بعيدة، أو الاستثمار في مشاريع جديدة، أو محاولة الهجرة سباحة أو الاحتجاج بطرق مختلفة! وهذا يرجع بالأساس للانفتاح الاجتماعي الذي كان محصلة تأثيرات العولمة.
_ قوة التنوع وضعف التواصل: لا يكاد يحصى تنوع هذا الجيل من حيث نمط العيش، والفكر، والتوجه، فقد تجد داخل البيت الواحد أنماطا متعددة من المعتقدات والأفكار، وهذا شيء غير مسبوق اجتماعيا بالمغرب، إلا أن هذه الشدة في التنوع يقابلها غياب شبه تام للتواصل بين أفراد هذا الجيل المختلف، فالدولة لها نموذجها الذي تريد أن تفرضه في الإعلام العمومي، وتردد صوتا واحدا، في الوقت الذي تحاول فيه طمس باقي الأصوات وتجاهل وجودها، بل إنها لا تكاد تسمح بوجود فضاءات تواصلية تتسع للنسيج المجتمعي الفريد للتعرف على بعضه البعض وهو المتراوح بين أتباع ثقافة كوريا الجنوبية وسلفيين ويساريين ومريولين وهيبهوبيين وإخوان وألتراس وانطوائيين ومتغربنين وعميقين وولاد الدرب وولاد البادية وفرانكفونيين ومتأمزغين وحداثيين…
_ اليأس من المدبرين والسياسيين: فجيلنا بدأ تكوينه الذهني فعليا مع بداية ما أُطلق عليه قبل 25 “العهد الجديد”، وفتحنا عيننا السياسية على وضع سياسي خامل (عهد إدريس جطو وعباس الفاسي) قُبيل الربيع العربي (2011)، ثم شاهدنا في محيطنا الإقليمي حكاما يسقطون قتلى وسجناء وفارين، ودولا تنهار، وإرادة للتغيير، ونمت في دواخلنا آمال تناطح الكواكب، وتستشرف واقعا ورديا، وتستبعد كل الاستبعاد ردة فعل تعيدنا إلى الخلف ثم عايشنا احتجاجات داخل الوطن، وإصلاحات عرجاء لتحيّن الفرصة، ليعود الفساد للاستشراء بقوة في أوساط المدبرين (الولات والعمال والقياد) والسياسيين (المنتخبين).
_ التردد قبل التضحية والتضحية حينما يقتضي الحال: يخشى هذا الجيل من التضحية في الغالب، لأنه نشأ على نمط حياتي استهلاكي يتوج ماديا الأبطال، ولم يتربى اجتماعيا على تضحيات مبدئية يؤدي فيها مريدي التغيير ضرائب كبيرة من سجن ومال وحياة، وشاهد مصير سوريا في الخارج، ومصير حراك الريف في الداخل، هو يخشى على نفسه، ويخشى على البلد، ولا ينتظر المواعظ من أحد، لكنه يضحي حينما تكون في التضحية حياة لمن يحبهم، فيؤثرهم على نفسه، وذلك تجلى عند شباب الريف، وفي قوافل التضامن مع مصابي زلزال الحوز، إنها تضحية براغماتية وليست تضحية استعراضية، إنه القط الأليف حينما تحشره في الزاوية.
هذا التكوين الذهني والسلوكي ولّد فكرة عن هذا البلد، فكرة هذا الجيل أن الوطن ليس هو الدولة، فالوطن جميل، والدولة ظالمة، الوطن المنتخب في كأس العالم بقطر، والدولة الأسعار الملتهبة والسوط لمن تجدّر، الوطن مريض يحمل موعدا بالشهور وتلميذ حُرم من محفظة وقلمين، والدولة مركب مولاي عبد الله ومهرجان موازين، إنه ليس اختلاف في السرعات فقط، وإنما تباين في الإرادة والغايات، وهذا يقتضي من الوضع أن يتغيّر، من غير التفات بشكل كبير إلى الطريقة والأيدلوجيات والبروتوكولات والسياقات.
إن فكرة “جيل z” هي ضرورة إيقاف عملية رهن مستقبله عند المؤسسات المالية الدولية، والتضحية بحاجياته الأساسية من أجل تحقيق مشاريع ترفيهية، وتحويل مسار طريق هذه الثروة وتوجيهه نحو المدرسة والمستشفى، واستبعاد المسؤولين عن عملية إعدام المستقبل هؤلاء، سواء غير الحكوميين أو الحكوميين، لأن استمرار وجودهم هو استمرار لمسار سيدفع هذا الجيل للدفاع عن حياته، فلا أحد يحب الموت، وإعدام المستقبل هو موت مرتين، مرة في المستقبل، ومرة حينما ترى المصير المحقق من الحاضر، هذه هي الفكرة ببساطة شديدة.
مدون وباحث في التاريخ المعاصر–