رأي

مشروعية فض التجمهر وضوابطه القانونية بالمغرب

مشروعية فض التجمهر وضوابطه القانونية بالمغرب

تعد حرية التظاهر السلمي إحدى أبرز الآليات الديمقراطية التي تمكن الأفراد من التعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية وغير السياسية، كما تشكل وسيلة فعالة لإشراك الشعوب في الحياة العامة وتعزيز المشاركة السياسية. ويستند هذا الحق إلى مبدأ حرية التعبير الذي يتيح للفرد التعبير عن معتقداته وأفكاره بصورة قانونية ومنظمة، بعيدا عن مظاهر الفوضى أو استعمال العنف.

غير أن ممارسة هذا الحق قد تنحرف أحيانا عن إطارها السلمي وضوابطها القانونية، فتتحول إلى سلوكيات من شأنها الإخلال بالنظام العام أو المساس بالسلم الاجتماعي، مثل تعطيل سير المرافق العامة، أو قطع الطرقات، أو التعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وهو ما ينعكس سلبا على الحياة اليومية للمواطنين ويهدد الأمن الاجتماعي للدولة.

لهذا، تلجأ الدول إلى وضع أطر قانونية واضحة تجرم صور الانحراف عن الطابع السلمي للتظاهر، مع تحديد الضوابط والإجراءات الواجب اتباعها لفض التظاهرات غير المشروعة. ويتم ذلك بواسطة السلطات الإدارية المختصة، وفق إجراءات تتسم بالتدرج وتراعي التوازن بين حماية النظام العام وضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.

إلى جانب صلاحيات المنع والمراقبة التي خولها القانون للسلطات المختصة فيما يتعلق بالمظاهرات، فقد منحها أيضا سلطة قانونية في التدخل لتفريقها متى توفرت ظروف معينة تستدعي ذلك، حماية للنظام العام وضمانا لسلامة الأفراد والممتلكات.

وينص الفصل الحادي عشر من الباب الثاني الخاص بالمظاهرات بالطرق العمومية من الظهير الشريف رقم 1.58.377 بشأن التجمعات العمومية كما وقع تغييرة وتتميمه على أن تخضع المواكب والاستعراضات وسائر أشكال المظاهرات التي تنظم في الطرق العمومية لضرورة الحصول على تصريح مسبق من السلطات المختصة، باعتباره إجراء قانونيا يروم ضمان التوازن بين ممارسة الحق في التظاهر وبين متطلبات النظام العام. ولا يسمح بتنظيم هذه الأنشطة في الفضاءات العامة إلا من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المعترف بها قانونا، شريطة أن تتقيد بواجب التصريح المسبق المنصوص عليه تشريعيا لهذا الغرض. غير أن المشرع استثنى من هذا الالتزام بعض الأشكال التقليدية للتجمعات الشعبية.

في حال قدرت السلطة المحلية، استنادا إلى صلاحياتها التقديرية، أن المظاهرة المزمع تنظيمها تشكل تهديدا جديا للنظام العام أو من شأنها أن تؤدي إلى الإخلال بالأمن والسلم الاجتماعي، فإن لها الحق في منعها بقرار إداري معلل ومكتوب. ويبلغ هذا القرار إلى الجهات المنظمة أو إلى المصرحين بالمظاهرة في محل سكناهم، ضمانا لاحترام مبدأ المشروعية والإجراءات الشكلية التي تكفل حقوق الأفراد في الاطلاع على أسباب المنع والطعن فيها عند الاقتضاء.

ويستفاد من هذا التنظيم القانوني أن المشرع سعى إلى وضع إطار منضبط لممارسة الحق في التظاهر، يضمن من جهة حرية التعبير الجماعي، ومن جهة أخرى يحمي المصلحة العامة من أي تجاوز قد يمس بالسلم الاجتماعي أو يخل بمقتضيات الأمن العمومي.

تناط بالقوات العمومية المسؤولية المباشرة في مواجهة المظاهرات غير مرخصة أو مجهولة المصدر، حيث يقع على عاتقها واجب التدخل لتفريقها عند الاقتضاء، إضافة إلى ضبط الأشخاص الذين يرتكبون جرائم أو أفعالا يعاقب عليها القانون في سياقها. وقد أولت وزارة الداخلية اهتماما خاصا بهذا الجانب، من خلال استحداث وحدات وأجهزة أمنية متخصصة في التعامل مع حالات الشغب والاضطرابات التي من شأنها المساس بالأمن العام والنظام المجتمعي. ومع ذلك، فإن التدخل الأمني يخضع لضوابط دقيقة، خاصة في حالة المظاهرات السلمية غير المصرح بها، حيث لا يتم اللجوء مباشرة إلى القوة لتفريقها، وإنما يسبق ذلك اتباع مسطرة متدرجة: تبدأ بمحاولة التفاوض مع المنظمين لفض التجمع طوعا، ثم توجيه إنذار رسمي لهم بضرورة التفرق، ليأتي بعد ذلك  -وعند تعنت المشاركين- استخدام الوسائل التي حددها القانون بشكل حصري ومتناسب مع طبيعة الموقف.

وتؤكد هذه المقتضيات أن فلسفة التدخل الأمني بالمغرب تقوم على مبدأ التناسب والضرورة، بحيث لا يتم اللجوء إلى استعمال القوة إلا كملاذ أخير وبعد استنفاد وسائل الإقناع والحوار، بما ينسجم مع الالتزامات الدستورية والقانونية للدولة في حماية الحقوق والحريات الأساسية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الأمن والنظام العامين.

وتفيد الأحداث الأخيرة التي عرفتها عدة مدن مغربية في بروز عديد من مظاهر الشغب التي صدرت عن بعض المتظاهرين وتبرر، من ثم، تدخل السلطات الأمنية لفض هذه الاحتجاجات التي عرفت مجموعة من  الأفعال التي تمثل خروجا عن الطابع السلمي للتجمع العام؛ كالاعتداء اللفظي والجسدي على الأشخاص، وإثارة الضوضاء والفوضى، ورمي الحجارة أو استخدام الأسلحة البيضاء، فضلا عن أعمال التخريب المتعمدة كتكسير الممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء على وسائل النقل، وارتكاب جرائم السلب والنهب، وإشعال الحرائق، وافتعال حوادث وهمية ومدبرة بقصد إرباك النظام العام. وتعتبر هذه التصرفات بمثابة انحراف واضح عن الحق المشروع في التظاهر السلمي، بما يستوجب تدخل السلطات المختصة لوقفها حماية للأمن والسلم المجتمعيين.

كما يضاف إلى هذه الحالات، من الناحية القانونية، أن عدم التصريح المسبق بالمظاهرة يشكل في حد ذاته سببا موجبا لفضها، إذ يعد التصريح شرطا أساسيا لمشروعيتها لا سيما عندما يتعلق الأمر بتجمعات غير مؤطرة أو مجهولة المصدر. وبذلك، يبرز أن القانون المغربي ميز بوضوح بين التظاهر السلمي المشروع الذي يحظى بحماية القانون، وبين التجمعات غير المصرح بها أو التي تتحول إلى أعمال شغب وإخلال بالنظام، حيث يسقط عنها الغطاء القانوني ويجيز اتخاذ التدابير الأمنية لفضها.

المسؤولية الجنائية لجريمة التجمهر في القانون المغربي

ويعد التجمهر المسلح أو غير المسلح في القانون المغربي من أشكال التجمعات غير المشروعة، نظرا لأن غايته غالبا ما تتجه نحو ارتكاب أفعال تخريبية أو عنف وغيرها من أشكال الانتهاكات التي تهدد الأمن والنظام العام.

وتحدث هذه الممارسات عادة في الطرق والأماكن العامة، ما يجعلها تمثل خطرا مباشرا على سلامة الأفراد وسير الحياة العامة. وبناء على ذلك، صنف التجمهر ضمن الجرائم المعاقب عليها بموجب القانون المغربي، حيث يعاقب القانون على المشاركة في هذه التجمعات أو التسبب فيها، باعتبارها تهدد النظام العام والأمن المجتمعي.

ويفيد الفصل الواحد والعشرون لا سيما الفقرتين الأولى والثانية من الظهير الشريف المشار إليه أعلاه المتعلق بشأن التجمعات العمومية على أن: “يعاقب كل من يشارك في تجمهر غير مسلح ولم ينسحب منه بعد توجيه الإنذار القانوني بضرورة فضه، بإحدى العقوبتين المنصوص عليهما؛ الحبس لمدة شهر واحد وغرامة مالية تتراوح بين 1,200 و5,000 درهم، أو إحداهما فقط، وفق تقدير المحكمة”.

وفي حال تطلب الأمر استخدام القوة لفض التجمهر، فإن القانون يقر عقوبة أشد، تتراوح مدة الحبس فيها بين شهر واحد وستة أشهر، وهو ما يعكس تشديد المشرع على الالتزام بالإجراءات الرسمية قبل اللجوء إلى القوة، ويبرز التدرج في العقاب وفق خطورة المخالفة ومدى التزام المشاركين بالقوانين المنظمة للتجمهر.

وتوضح هذه الأحكام حرص التشريع على تحقيق التوازن بين حماية الحق في التظاهر السلمي، وضمان احترام النظام العام، مع مراعاة مبدأ التدرج في التدخل القانوني، بحيث يمنح الأفراد فرصة للانسحاب طواعية قبل فرض العقوبات أو استخدام القوة.

كما لا تمنع المتابعات القانونية الخاصة بالتجمهر من المتابعات الجزائية الأخرى المتعلقة بالجنايات أو الجنح التي قد ترتكب في سياق هذا التجمهر. بمعنى آخر، فإن العقوبات أو الإجراءات المقررة لمخالفة تنظيم التجمعات العامة لا تعفي المشاركين في التجمهر من المسؤولية الجنائية عن أي أعمال إضافية قد تمثل جرائم أو جنحا، مثل الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات أو أي سلوك عنيف آخر.

ويعكس هذا التمييز في المعالجة القانونية حرص المشرع على صيانة النظام العام وضمان عدم الإفلات من العقاب، إذ يتم التعامل مع كل فعل مخالف للقانون وفق طبيعته ودرجة خطورته، مع الفصل بين مخالفة تنظيمية تتعلق بغير المشروعية الشكلية للتجمهر، والمسؤولية الجنائية الناتجة عن أفعال إجرامية ضمنه.

باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News