النسبية.. نمط اقتراع متناغم مع نظامنا السياسي

في الوقت الذي تجري فيه المشاورات مع القوى السياسية للتحضير للانتخابات التشريعية المقبلة في سبتمبر 2026، نود أن نساهم في هذا النقاش الوطني من خلال التساؤل حول نمط الاقتراع الذي يبدو الأنسب لبلدنا ولديمقراطيتنا الناشئة. نمط الاقتراع لا يقتصر على كونه مشكلة تقنية، بل يحمل بعدًا سياسيًا كبيرًا. وليس من قبيل الصدفة أن يكون موضوع جدل ليس فقط بين القوى السياسية، بل أيضًا بين الدستوريين وأساتذة القانون.
بالطبع، ليس هناكً حل سحري ولا طريق ملكي ممهد. نظريًا، كل نظام انتخابي يحتوي على مزايا وعيوب.
وللتذكير، تنقسم أنماط الاقتراع المختلفة بشكل رئيسي إلى ثلاثة أنواع كبرى: الاقتراع بالأغلبية، الاقتراع النسبي، والاقتراع المختلط.
يمنح النظام الانتخابي بالأغلبية المقاعد للمرشحين أو القوائم التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات. يمكن أن يكون أحاديا (منتخب واحد لكل دائرة انتخابية) أو متعددًا (عدة منتخبين لكل دائرة انتخابية)، بجولة واحدة أو جولتين. هذا النظام غالبًا ما يعطي الأفضلية للأحزاب أو المرشحين الذين يأتون في المقدمة، مع أغلبية نسبية أو مطلقة، مما قد يعزز فوز بعض الأحزاب على حساب الأحزاب الصغيرة.
على العكس من ذلك، يوزع النظام النسبي المقاعد داخل البرلمان بناءً على نسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب. كما يهدف إلى تمثيل أكثر عدلاً للقوى السياسية المختلفة، مع التركيز أكثر على القوائم السياسية بدل الأفراد.
أما النظام الانتخابي المختلط فهو يجمع بين عناصر النظامين السابقين، ساعيًا إلى جمع مزايا النظام الانتخابي بالأغلبية والنظام الانتخابي النسبي والحد من عيوبهما.
وفي جميع الحالات، تختلف هذه الأنظمة حسب البلدان وأنواع الانتخابات والسياقات السياسية، مما يوفر آليات متنوعة لتحويل الأصوات إلى مقاعد منتخبة. لكل نظام مزاياه وعيوبه.
تؤدي الانتخابات النسبية غالبًا إلى عدم استقرار النظام السياسي؛ فهي تشجع على التعددية الحزبية وتمنح دورًا مهمًا للأحزاب الصغيرة المحورية، التي غالبًا ما تكون شركاء لا غنى عنها للأغلبية.
تؤدي الانتخابات بالأغلبية غالبًا إلى ظهور أغلبية مستقرة، تستند إلى مواجهة مع المعارضة (الائتلاف الذي يفوز يحكم بمفرده). وهذا النظام له تكلفة تتجلى في الحيف الذي يطال التمثيل.
الاقتراع بالأغلبية في دورتين يشجع المزيد من الأحزاب على تشكيل تحالفات خلال الدورة الثانية ويشكل ضمانًا للاستقرار السياسي. لكنه مكلف من حيث الوقت والمال.
تشكل هذه المبادئ أساس أنظمة الاقتراع في الديمقراطيات المعاصرة.
ماذا عن المغرب؟
اعتمد المغرب منذ أولى الانتخابات وحتى عام 2002 نظام الاقتراع الاحادي في جولة واحدة. هذا النظام أظهر تدريجياً حدوده: فهو يعتمد على انتخاب الأعيان والفساد الانتخابي؛ ويولد استياءً لدى المرشحين الذين فشلوا بفارق قليل من الأصوات مقارنةً بالمرشح الفائز، وغالباً ما يكون بفارق ضئيل؛ ويهمش وجود الأحزاب السياسية حيث يكون التصويت أكثر على الشخص خاصةً خلال الفترات التشريعية الأولى عندما كان بإمكان المرشحين، الذين تم تصنيفهم تحاوزا كمستقلين، الترشح بدون انتماء سياسي. هؤلاء “المستقلون” هم الذين تم جمعهم في حزب أصبح اليوم الحزب الأغلبي.
من «مول الشكارة»
هذا النظام تعرض لانتقادات وتساؤلات لا سيما من قبل الأحزاب التقدمية اليسارية. مما أدى إلى اعتماد نظام اللوائحً في انتخابات عام 2002 على مستوى العمالة أو الإقليم مع عدد من المقاعد يتراوح بين 2 و6 حسب عدد الناخبين. ويتم توزيع المقاعد وفقًا للقاسم الانتخابي مع أكبر بقية. ولقد تبين في الممارسة أن هذا النظام لا يختلف بشكل كبير عن النظام السابق، بل إنه يشجع أكثر على استعمال المال.
كما لا يزال “متزعم اللائحة ” هو سيد الموقف وتظل الأحزاب مهمشة. دورها يقتصر على البحث عن “الطائر النادر” الذي لن يكون سوى “مول الشكارة”. كما تتمثل مساهمة المناضل في توزيع المنشورات وتنشيط الجمهور. وما تركيبة البرلمان الحالي إلا نموذجا حيا عن هذا الوضع. يجب أن نشير أن تحسناً نسبيا قد تم إدخاله مع اعتماد لائحةً للشباب والنساء، أولاً على المستوى الوطني قبل أن يتم تحديدها على المستوى الإقليمي.
…إلى منتخب الأمة
إذا أراد بلدنا فعلاً إعطاء دفعة للمسلسل الديمقراطي، فلا خيار أمامه خيار آخر سوى اعتماد نمط الاقتراع اللائحي بالنسبية مع أكبر بقية. إن طبيعة النظام السياسي، «ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية» (وفقًا للمادة الأولى من الدستور)، تصب في هذا الاتجاه. إنه نمط الاقتراع الذي يناسب بلدنا أفضل. حيث تتفوق المزايا بشكل كبير على العيوب. فمن خلال دمج جميع الحساسيات والتعبيرات في اللعبة السياسية، نضمن المزيد من الاستقرار لبلدنا والمزيد من التماسك لأمتنا. ومن خلال إشراك جميع المواطنين في المجهود الوطني لبناء مغرب الغد، سنيسر بالتأكيد الانتقالات الضرورية وتجنب الصدمات بين الأجيال والإحباطات الاجتماعية التي قد تضر بالبلاد.
غالبًا ما تُنتقد الأحزاب السياسية وضعف حضورها في الميدان. ولكن يتعين علينا اولاً منحها الفرصة الحقيقية للوجود من خلال ضمان تكافؤ الفرص والسماح للأطر المتمرسة في الشؤون السياسية بالولوج إلى البرلمان لكي يضطلع هذا الأخير بأبدواره الدستورية بشكل فعّال: التشريع الجيد من خلال إنتاج قوانين متقدمة، ومراقبة الحكومة ومعاقبتها عند الاقتضاء، وتقديم صورة إيجابية عن المغرب على الصعيد الدولي من خلال رفع صوته عالياً وبقوة. النائب البرلماني هو أولاً ممثل الأمة.
من أجل مناصفة تامة
علاوة على ذلك، سيشهد التعدد الحزبي وجودًا حقيقيًا بما في ذلك على مستوى تشكيل الأغلبية الحكومية. على أي حال، كيفما كانت الحكومة القائمة، فإنها تظل دائمًا “حكومة جلالة الملك”. فالملك، بموجب الدستور، هو الذي يحدد ويقرر الخيارات الاستراتيجية والتوجهات الكبرى للبلاد.
ويتعين تحديد نطاق تطبيق هذه النسبية. الأفضل هو تشكيل لوائح وطنية. لكن يمكننا، بصفة انتقالية، اعتماد لوائحً جهويةً مع الاحتفاظ بلائحةً واحدة لكل جهةً تتكون من جنسين مع 6 رؤساء قوائم من النساء و6 آخرين من الرجال مع احترام تراتبية الرجل والمرأة والعكس. وبهذه الطريقة نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد: إعادة تأهيل السياسة وتطبيق المناصفة التامة. المغرب لا يجب أن يتخلف عن الركب في هذا الموضوع. يجب أن نتحلى بالشجاعةُ. الربحُ لبلدنا مضمون. بما في ذلك على مستوى كأس العالم 2030.