الجزائر: الحصانة الخارجية وهشاشة الداخل.. سيناريو تمرد الطوارق يلوح في الأفق

في عالم متقلب تتزايد فيه التهديدات الإقليمية، تبرز الجزائر كقلعة منيعة في وجه أي عدوان خارجي، حيث تشير تقارير عسكرية دولية إلى أن البلاد تمتلك منظومة دفاعية متطورة تجعلها “الدولة العربية الوحيدة التي لا تستطيع إسرائيل والغرب قصفها” بسبب قدراتها الرادعة التي تعتمد على تنويع مصادر التسليح وامتلاك تقنيات متطورة مثل منظومات S-400 الروسية وHQ-9 الصينية مما يجعلها منيعة من تكرارا السيناريو القطري في الجزائر.
إلا أن هذه الحصانة الخارجية لا تعكس بالضرورة متانة الأمن الداخلي، الذي يواجه تحديات متعددة، أبرزها خطر تمرد محتمل بين قبائل الطوارق على غرة ما حدث في دولة مالي المجاورة، حيث يشهد الإقليم توترات متصاعدة قد تمتد إلى العمق الجزائري إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.
فالجزائر، رغم قوتها العسكرية التي أصبحت مضرب مثل في المنطقة، إلا أنها ليست بمنأى عن التهديدات الداخلية التي قد تنشأ من عدم الاستقرار الاجتماعي أو التوترات العرقية في مناطق الجنوب، خاصة في ظل وجود جماعات الطوارق التي تطالب بمزيد من الحقوق والاعتراف بهويتها الثقافية. وقد أظهرت تجربة تمرد أزواد في مالي كيف يمكن لهذه الحركات أن تتحول إلى أزمة أمنية كبيرة تهدد استقرار الدولة بأكملها. هذا الخطر الداخلي يتطلب من الجزائر ليس فقط تعزيز قدراتها العسكرية، ولكن أيضا تبني استراتيجيات سياسية واجتماعية تعالج جذور المشكلات وتضمن الاندماج الوطني للجميع.
وإذا نظرنا إلى الدروس المستفادة من تجربة مالي، نجد أن تمرد الأزواد هناك كان نتيجة تراكمات تاريخية من الإهمال والتهميش، مما أدى إلى انفجار الوضع وتحوله إلى صراع مسلح طويل الأمد. الجزائر اليوم أمام خيارين وهو معالجة مطالب سكان الجنوب عبر الحوار والتنمية أو الانتظار حتى يتحول السخط إلى تمرد مفتوح يصعب احتواؤه. والحكومة الجزائرية تدرك هذه التحديات جيدا، لكنها توازن بين التعامل الأمني الصارم مع أي تهديدات محتملة وبين فتح قنوات اتصال مع ممثلي الطوارق لضمان عدم انزلاق المنطقة إلى العنف.
حيث يرى الكاتب والباحث في الشأن الإفريقي، أيوب عوض، أن السيناريو المالي يمكن أن يتكرر في الجزائر في أي لحظة بالنظر إلى الروابط العرقية بين الطوارق في الجزائر والأزواديين في مالي من جهة، ومن جهة أخرى محاولات الغرب وعلى رأسهم فرنسا إلى زعزعة أمن دول القارة السمراء كما هو الحال اليوم في مالي.
فبحسب التقارير الصحفية إتهم النائب المالي، عليو تونكارا، فرنسا بالوقوف خلف تأسيس تحالف متمرد جديد في الشمال، يشمل جبهة تحرير أزواد وحركات جهادية مسلحة، وإن باريس تلعب دوراً رئيسياً في تأجيج الصراع في محاولة بائسة لاستعادة نفوذها في دول الساحل.
في هذا السياق يرى أيوب عوض أن توتر العلاقات الحالي بين الجزائر وباريس، قد يجعل الأخيرة تستغل حالة الحياد الجزائرية من الحرب بين الأزواد ومالي، وتشرع في تقديم الدعم للطوارق ذوي النزعة الانفصالية في الجنوب وتشكيل تهديد مباشر للأمن القومي الجزائري.
وأضاف أيوب أنه وعلى الرغم من القوى العسكرية الجزائرية ومقدرتها على صد أي هجمات خارجية قد تواجه صعوبات في صد الهجمات التي من الممكن أن يتم تنفيذها من الداخل، ولتفادي مثل هذه السيناريوهات يجب على الجزائر أن تعود إلى قيادة الوساطة لحل الأزمة بين الأزواديين وحكومة مالي الحالية كما فعلت من قبل عام 2015، لكن هذه ستكون الوساطة لمنع تكرار سيناريو الأزواد في الداخل الجزائري من خلال الطوارق.