هل تشكّل “قمّة قطر” بوصلة جيوسياسية قاصدة للأمة الإسلامية؟

بعيدا عن الانطباعات المتسرعة، الغاضبة على القمة العربية والإسلامية المنعقد بقطر يوم الاثنين 15 شتنبر 2025، والتي تفسرها حالة الإحباط وتراكم خيبات الأمل، من القمم السابقة، ومن ردود الفعل البادرة في مجملها التي واكبت تفاعل النظام العربي الرسمي مع حرب الإبادة الجارية في غزة منذ سنتين، فإن هذه القمة بما كشفت عنه كلمات الدول الفاعلة في العالم الإسلامي، وبما كشف عنه البيان الختامي الصادر عنها، يمكن أن تكون قمة مرجعية، ومنعطفا إيجابيا في اتجاه بناء حلف عربي إسلامي وتكتل مؤثر ببوصلة جيوسياسية قاصدة، إذا توافرت شروط إرادة الفعل في التاريخ استرشادا بالقيم الجامعة، وتوظيفا لكافة الأوراق ذات الصلة بالتاريخ المشترك وبالثروات وباقي المؤهلات الاقتصادية وغيرها.
ذلك أن العودة إلى المفردات المستعملة في كلمات رؤساء الدول العربية والاسلامية الأكثر تأثيرا، وخاصة كلمة أمير قطر، وكلمة الرئيس التركي والرئيس المصري والإيراني، ورئيس وزراء ماليزيا ورئيس وزراء باكستان، وبالعودة كذلك الى العبارات والمواقف الواردة في نص البيان الختامي، يتضح أن قمة قطر بإمكانها أن تشكل أرضية خصبة لإعادة كتابة تاريخ جديد أو متجدد للأمة، وفي صلبه توحيد الموقف من الكيان الصهيوني المارق، ومن الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة له بلا حدود.
فكلمات الدول الرئيسية والأكثر فاعلية، وغيرها، كشفت تقاربا وتماهيا في تشخيص العلاقة مع إسرائيل، حاضرا ومستقبلا، باستعمال العبارات نفسها تقريبا، وكان لافتا في هذا الصدد استعمال لفظ الوهم في وصف ما يسميه مجرم الحرب ووحش الزمان نتنياهو اسرائيل الكبرى، وكذا عودة استعمال لفظ العدو بعد سنوات من غيابه عن القاموس الدبلوماسي والسياسي لعدد من الدول العربية، وخاصة ما يسمى دول الطوق، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية.
وكشفت الكلمات نفسها، عن شبه اتفاق حول حتمية الوحدة والتكامل بين الدول العربية والاسلامية، وحول مداخل مواجهة الكيان المارق المؤقت، وتضمنت استشعارا بالتهديد الوجودي الذي تشكله استباحة اسرائيل للدول العربية والإسلامية.
وفي هذا السياق، لابد من الانتباه إلى حضور رئيس دولة ايران في هذه القمة التي انعقدت بقطر، بعد أسابيع على قصفها لقاعدة العديد الأمريكية بقطر، هذا القصف الذي أدانته كل الدول العربية والاسلامية، لكن الجميع تجاوز الموضوع، أو تم تأجيله على الأقل، لأن العدوان الاسرائيلي أكبر وأخطر، كونه صادر عن عدو خارجي، و”عدوان” ايران يمكن اعتباره شأنا داخليا بين اخوة، هناك مساحات لإصلاحه مستقبلا، إن لم يكن قد تم تجاوزه فعلا.
هذه المواقف أكد عليها البيان الختامي، الذي دعا لأول مرة لمراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، ومباشرة الإجراءات القانونية ضدها، بما فيها النظر في عضويتها في منظمة الأمم المتحدة.
البيان الختامي نفسه، تحدث عن اجراءات ليس لها من أهداف سوى عزل اسرائيل، سواء في المنطقة المسماة الشرق الأوسط، أو في العالم، وخاصة بين الدول الممثلة في الأمم المتحدة والكيانات التابعة لها، وهذه كانت إحدى الغايات التي حددها القائد الشهيد يحيى السنوار، لعمليات المقاومة ما بعد معركة سيف القدس، والتي تُوجت بطوفان الأقصى.
طبعا، لابد من الانتباه كذلك إلى أن واحدا من مبررات انعقاد القمة، هو محاولة اغتيال القيادة السياسية لحركة حماس، وهذا الأمر يستبطن اعترافا بهذه الحركة، وبانتمائها للأمة، وضرورة الدفاع عنها، وقبول مقاربتها في المقاومة من أجل تحرير فلسطين، مهما كان حجم الخلاف معها من طرف بعض الأنظمة العربية.
هذه جملة ملاحظات تبيّن أن القمة العربية الإسلامية المنعقدة بقطر، حدث قد يوثق لانطلاق مرحلة جديدة في علاقة الأمة الإسلامية مع الكيان الغاصب، الذي تم غرسه في قلبها لتمزيقها، وإفقادها مقومات النهوض والوحدة، شريطة توفر الإرادة السياسية الواعية بخطورة اللحظة التاريخية التي يعبرها العالم، على وقع صراع لا يقبل اقتسام نتيجته.
وإن أهم مؤشرات توفر الإرادة للمضي قدما في تنزيل توصيات القمة، واعتبارها لحظة مفصلية في تاريخ الأمة، مسارعة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والاسلامية، إلى تحقيق الإنفراج السياسي في دولها، عبر مصالحة شاملة مع كافة المكونات، وإطلاق سراح القيادات السياسية بهذه الدول المحكوم عليها بالسجن، والسعي لادماج الجميع لتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيزها في كل قُطر على حدة، لتيسير تحقيقها على مستوى الأمة.