رأي

لماذا انزعج البعض من المرور الإعلامي لرئيس الحكومة؟

لماذا انزعج البعض من المرور الإعلامي لرئيس الحكومة؟

أولاً، لن اقول مرور موفق أو غير مُوفق، لأن المرور الاعلامي للشخصيات السياسية خصوصاً التي تدبر الشأن العام، لسنوات، لا يخضع لمعيار العاطفي، مثل الشخصيات الفنية والرياضية، فالمسؤول العمومي هو دائماً في دائرة الضغط والمطالب التي لا تنتهي والانتقادات المستمرة، ودائماً له خصوم وأعداءً ومنافسين.
هؤلاء غير موضوعيين بالضرورة ولا يحركهم الحكم العادل والتقييم الموضوعي بل الصراع الانتخابي والتنافس على الكراسي والمواقع.

لكن أهم ما في المرُور هو تماسك المسؤول وتماسك أفكاره ودِقة الاجوبة وانتظام الحوار وسلاسة التواصل، وأظن أن رئيس الحكومة عزيز اخنوش كان، وعلى مدار أكثر من ساعة وربع حاضر الدهن، مُنظَم الأفكار، سلس التعبير. ينتَقى عباراته بانسيابية واضحة، دون أوراق ولا مراجع فوق الطاولة.

وهذا دليل على أنه يُحضّر للقائه التواصلية مع المغاربة بشكل جيّد ومسؤول احتراماً لهم. ماشي غا جيب افم وقول!

فهل عندما يضعُ رئيس الحكومة حصيلة مدارس الريادة التي تُغير بحق وجه المدرسة العمومية، بشهادة الاسر ورجال التعليم، والتغطية الصحية الإجبارية التي كانت حلم في الماضي، اليوم يستفيد منها اغلب المغاربة، والدعم الاجتماعي المباشر الذي تستفيد منه 4 مليون اسرة، ونجاحات قطاع السياحة والرياضة والطفرة المُهولة في البِنية التَحتية، والمجهود الكبير الذي يقع في قطاع الصحة والتشغيل وجلب الاستثمارات الدولية، يجب على البعض أن ينزعج.

طبعاً دون الحديث عن مخرجات الحوار الاجتماعي الذي هو بلغة الأرقام أكبر غلاف مالي خُصص للزيادات في الأجور في تاريخ المغرب، وهناك من قضى عقد من الزمن لم يزد الموظف العمومي ولا درهم واحد، واليوم ينتقد ويتباكى وغير راضي؟

أيها السادة المنزعجون، هذه إنجازات وطن له بوصلة سياسية أفقها التنمية، وليست مجرد مزايدات سياسية بئيسة. القاصي والداني الذي يرى المغرب واحة تنمية في محيط تصحر تنموي.

لكن لماذا انزعج البعض من أبناء جلدتنا؟ من هذا المرور الذي هو مطلوب ومرغوب وضروري؟

والغريب أن رئيس الحكومة كان يُحاكم من نفس الجبهات والجهات فقط لأنه قليل الظهور الإعلامي، وعندما خرَج في لحظة تواصلية عادية انتفض البعض!

هؤلاء انزعجوا لان رئيس الحكومة حرِص على ترجمة الدستور قولاً وفعلاً من خلال اعتبار عمل الحكومة هو مُؤطر ضمن التوجهات الملكية باعتبار الملك رئيس الدولة، ولم يتسرب له داء الأنا المرضية كما وقع لرؤساء حكومات في زمن ما! أنا الي درت … أنا الي عطيت.. أنا وحدي مضوي لبلاد.

ظلّ رئيس الحكومة واعياً بموقعه السياسي كقائد لتجربة حكومية ائتلافية وليس زعيم حزبي لا يشق له غُبار، يُقسّم الغنيمة الحكومية على مقَاس حزبه وعشيرته ومريديه الاقربين، كما كان يقع في زمن سحيق.
لم يستعمل أخنوش أي جُملة تُقلل من باقي مكونات الأغلبية سواءً في تسويق الحصيلة أو في تحمل المسؤولية السياسية المشتركة.
وهذا نضج سياسي كبير لابد أن يُقوّى منطق رجُّل الدولة في المخيال السياسي الوطني .

هؤلاء انزعوا لأن عزيز اخنوش على مدار ساعة وأكثر لم يُهن صحفي ولم يُهاجم محاور، ولا قلّل من فاعل سياسي أو حزبي، ولا أساء لفئة من فئات المجتمع، ولا هاجم جزء من مكونات الدولة، ولا صاغ التاريخ حسب دور البطولة فيه ولا هدد ولا توعد وإنفعل.

كان رجلاً يقدمُّ حصيلة ساخنة بعقل بارد، تاركاً التاريخ والزمن وحده من يُقيّم التجارب الحكومية.

بقية ملاحظة أخيرة تخصُّ شعب الفاسبوك الذي بنَى دكتاتورية رقمية وسلطةً تحكمية وقهرية ضد أي رأي متوازن أو مخالف أو حتى مستقل، هذا الشعب لا يمكن إلا ان ينتقد، أو ربما يكره اخنوش وأي مسؤول عمومي، فهو أسير شهوة العالم الأزرق الخالي من الالتزامات والتكاليف ولان لعبة الشهرة في المجال الأزرق ليست عبر العلم وتكوين المعرفة وبناء الأفكار وتحليل الواقع، بل من خلال البحث عن كل ما هو أسوء وأسود وفضائحي، وتقديمه لجمهور مريض لأنه وحده من يحصد الشهرة ولايكات. وبطبيعة الحال عائدات المالية لا حصر لها بينما المتتبع المقهور يتلذذ بواقع افتراضي لا يغير واقعه ولا واقع الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News