مجتمع

التاءات الثلاث… معادلة النجاح: تعليم، تشغيل، تنمية

التاءات الثلاث… معادلة النجاح: تعليم، تشغيل، تنمية

“من المؤسف أننا نشعر أحيانا أن بعض من يتولون شؤون التعليم لا يعون أدوارهم وربما لا يريدون للمجتمع أن يتقدم فعلا، بل قد لا يهتمون بهذا أصلا، وتفكيرهم خارج مهمتهم التي هي أمانة وطن وشعب في أعناقهم!! وإذا كان من يسيرون شؤون التعليم يعتقدون العكس، فعليهم إثبات ذلك، لأن النتائج أكبر شاهد. لننهض بالتفكير النقدي حتى في قضايا التعليم! بهذا فقط سنتطور”.

كل عام، مع بداية الموسم الدراسي في شهر شتنبر، يتوجه آلاف الأطفال والشباب في المغرب إلى مقاعد الدراسة والجامعات. كثيرون منهم يواصلون جرّ أقدامهم متثاقلين بعد عطلة الصيف، ولا يلجون أبواب المدارس إلا مع مطلع أكتوبر. غير أن المسألة أعمق من مجرد عودة روتينية إلى الفصول، فطريق المدرسة ليس مجرد مسار يومي عابر، بل هو في جوهره طريق نحو النجاح الفردي والمجتمعي معاً، ولا يجب أن يكون بأي حال طريقاً نحو الضياع.

التعليم والتشغيل هما حجر الأساس لأي مشروع تنموي طموح. التعليم يفتح أبواب المعرفة والمهارات، والتشغيل يترجمها إلى إنتاج وخدمات، لكن العلاقة بينهما ليست دائماً متناغمة، إذ غالباً ما يعجز التعليم عن تلبية متطلبات سوق الشغل المتغير بسرعة.

هذه الفجوة لا تعني أن التشغيل هو الغاية النهائية، بل إن الهدف الأسمى هو التنمية الشاملة والمستدامة. العمل اللائق للشباب ليس مجرد وسيلة لمحاربة البطالة، بل هو مدخل لرفع الإنتاجية وتقليص الفوارق وتعزيز الاستقرار المجتمعي. ومن ثم، يصبح التعليم هو المدخل لبناء كفاءات حقيقية، والتشغيل قناة لتحويلها إلى قوة إنتاجية، والتنمية النتيجة الطبيعية لهذا التفاعل.

لكن حتى يواكب التعليم هذه التحولات، لا بد أن يتجاوز طابعه التقليدي المبني على التلقين، ليصبح أداة لتكوين شامل يرتكز على مهارات حياتية وعملية. فاليوم، يحتاج الشباب إلى تعلم كيف يحولون المشكلات إلى فرص بالتفكير النقدي والإبداعي، وكيف يتواصلون بوضوح وتأثير لإقناع الآخرين ودفعهم نحو الفعل. كما يحتاجون إلى مرونة نفسية ووعي ذاتي، تساعدهم على العمل في فرق أو بشكل فردي خصوصاً في أوقات الأزمات، إلى جانب بناء علاقات متينة والحفاظ على توازنهم ورفاهيتهم في الحياة وفي بيئة العمل. ولا يمكن إغفال الكفاءات الرقمية، باعتبارها لغة العصر التي تسمح بالتنقل بثقة في عالم سريع التغير.

كل هذه المهارات لا ينبغي أن تكون إضافات جانبية، بل جزءاً عرضانياً من كل مسار تكويني، مهما كان التخصص. والمفتاح هنا هو “تعليم التعلم”، أي تمكين المتعلم من أن يعرف كيف يطور نفسه باستمرار، وكيف يعيد بناء معارفه وفق المتغيرات، فيتحول التعليم من عملية نقل للمعرفة إلى رحلة دائمة لإنتاج المعنى وتجديد المهارات.

لإنجاح هذا التوجه، لا بد من جسور حقيقية بين المدرسة وسوق العمل. على الجامعات أن تنفتح على المقاولات، وأن تدمج التدريب الميداني والبحث التطبيقي في برامجها، وعلى الدولة أن تدعم هذا الربط بالابتكار والإنتاج. عندها فقط، يمكن أن يتحول التعليم إلى قوة محركة، ويصبح التشغيل وسيلة تمكين، في أفق بناء مجتمع أكثر تماسكاً وعدلاً وقدرة على الإبداع والابتكار.

من المؤسف أننا نشعر أحيانا أن بعض (ونقول بعض حتى لا نظلم القلة الغيورة) أن بعض من يتولون شؤون التعليم لا يعون أدوارهم وربما لا يريدون للمجتمع أن يتقدم فعلا، بل قد لا يهتمون بهذا أصلا، وتفكيرهم خارج مهمتهم التي هي أمانة وطن وشعب في أعناقهم!! وإذا كان من يسيرون شؤون التعليم يعتقدون العكس، فعليهم إثبات ذلك، لأن النتائج أكبر شاهد.

لننهض بالتفكير النقدي حتى في قضايا التعليم! بهذا فقط سنتطور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News