بورتريه

محمد بنعيسى.. رحيل ابن أصيلة الذي جمع بين الثقافة والإعلام والدبلوماسية

محمد بنعيسى.. رحيل ابن أصيلة الذي جمع بين الثقافة والإعلام والدبلوماسية

ولد في أصيلة وأحبها، وسيعود إليها جثمانه ليوارى الثرى، غدا الأحد، عربون إخلاص لمدينة كانت مصدرا أساسيا لإلهامه وعزيمته، محمد بن عيسى رأى النور في الثالث من يناير عام 1937، ليكون شاهدًا على التحولات العميقة التي مر بها المغرب خلال عقود. وعاش ليرسم ملامح من الذاكرة السياسية والثقافية في تاريخ بلاده، مسخّرًا جهوده لخدمة قضايا وطنه، ومؤمنًا بأن الثقافة هي جسر التواصل الحقيقي بين الأمم.

رحل محمد بن عيسى عن مساء الجمعة، عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا عميقًا في مجالات السياسة والدبلوماسية والثقافة. بدأ مسيرته بعد إتمام دراسته الثانوية في القاهرة، ليشق طريقه في عالم الإعلام كمذيع في إذاعة “إفريقيا المغرب” بطنجة، قبل أن ينطلق إلى أفق أرحب من خلال مسيرته المهنية التي كانت حافلة بالعطاء.

شغل محمد بن عيسى العديد من المناصب السامية داخل وخارج الوطن، حيث تولى منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون بين عامي 1999 و2007، وسفيرًا للمغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 1993 و1999، ووزيرًا للثقافة بين 1985 و1992. كان أيضًا عضوًا في مجلس المستشارين ورئيسًا لمجلس جماعة أصيلة، المدينة التي لطالما كانت مصدر إلهامه ومحبته.

بجانب أعماله السياسية والدبلوماسية، كان بن عيسى مخلصًا للثقافة، حيث ارتبط اسمه بموسم أصيلة الثقافي، الذي تأسس بالتعاون مع الفنان التشكيلي محمد المليحي، وأصبح ملتقى لأهم الأكاديميين والفنانين من مختلف أنحاء العالم.

لقد كانت ثقافة بلاده في قلب اهتماماته، فلم يكن مجرد دبلوماسي أو وزير، بل كان مفكرًا ومثقفًا، وهو الذي شارك في تأسيس مهرجان أصيلة الثقافي الذي أصبح له صيت عالمي. ورغم تنقلاته بين المناصب السياسية العليا، ظل يهتم بالشأن الثقافي المحلي والدولي، في مسعى دائم لتعزيز مكانة الثقافة المغربية في العالم.

كما تميز بن عيسى بمؤلفاته، حيث شارك مع الطاهر بنجلون في تأليف كتاب “حبوب الجلد” عام 1974، وكتب العديد من الدراسات والمقالات التي تناولت قضايا التنمية والاتصال والبيئة في إفريقيا.

حصل بن عيسى على العديد من الجوائز والأوسمة، منها وسام العرش من درجة ضابط كبير في 2008، وجائزة الأغا خان للهندسة المعمارية، بالإضافة إلى ميدالية بيرو البلدية في 2003، وجائزة الشيخ زايد لشخصية العام الثقافية في 2008.

لقد كان محمد بن عيسى رجلًا سخر حياته لخدمة وطنه، وترك بصمة لا تُمحى في مجالات السياسة والدبلوماسية والثقافة، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة أصيلة والمغرب والعالم العربي. يرحل اليوم وقد ترك في كل زاوية من زوايا المدينة التي أحبها، وفي قلب كل من عرفه، أثرًا خالدًا لا يغيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News