بورتريه

نجوى الهيتمي.. رحيل هادئ لفنانة خلّدت بصمتها بالألوان برؤية متفرّدة

نجوى الهيتمي.. رحيل هادئ لفنانة خلّدت بصمتها بالألوان برؤية متفرّدة

وُلدت الفنانة التشكيلية نجوى الهيتمي في منتصف شهر غشت 1978 بمدينة طنجة، حيث عاشت، وأبدعت، ورحلت اليوم الثلاثاء 12 غشت 2025، عن عمر ناهز 46 سنة، بعد صراع مع المرض.

لم يكن مسارها الفني اعتياديا، فقد بدأت حياتها المهنية في مجال السياحة، إذ اشتغلت وكيلة أسفار، لكن شغفها بالسفر والبحث عن المعنى قادها إلى مجالات أخرى، مثل علم النفس الحيوي والعلاجات الطاقية، قبل أن تكتشف ما اعتبرته الحياة الجديدة “الرسم”.

وقدمت الراحلة تجربة تشكيلية فريدة استأثرت باهتمام واسع داخل الأوساط الفنية، ولفتت أنظار النقاد الذين أشادوا بجرأتها في تجاوز القوالب التقليدية، سواء في الرسم أو النحت، إذ لم تكن تُقلد، بل صنعت بصمتها الخاصة، وابتكرت أسلوبا بصريا يعكس رؤية مختلفة للتعبير الفني، تتعامل من خلاله مع قضايا كونية وإنسانية من زوايا غير مألوفة.

وقد وصفها النقاد بأنها فنانة تحول الفكرة إلى ضوء، والانسيابية إلى لغة، وتستمد جاذبية أعمالها من التجريد، والشاعرية، وتوظيف الرموز الطبيعية، إذ اتسمت لوحاتها بقدرتها على خلق رؤية بصرية خاصة بها، بسيطة في الشكل، وقوية في التأثير.

اكتشاف متأخر وانطلاقة بلا تردد

رغم دخولها عالم الفن في وقت متأخر، لم تتعامل نجوى مع الفن مجرد هواية، بل كمسار وجودي متكامل، ولم تنتمِ إلى أي مدرسة فنية محددة، ولم تتلق تعليما أكاديميا تقليديا، بل كانت فنانة عصامية تلقائية، شعارها كان “حرية الكائن والتعبير عن الأعماق”.

وبالنسبة للراحلة نجوى الهيتمي، فكانت الأصالة، والصدق، والعمل الجاد، هي المفاتيح الوحيدة لتحقيق الذات.

مدرسة خاصة خارج النمط

نجوى الهيتمي لم تُشبه أي فنان آخر، بل صنعت أسلوبها الخاص، وأبدعت مدرسة متفردة خارج الإطار النمطي التقليدي.

وقدمت الراحلة تجربة تشكيلية جديدة لفتت أنظار النقاد والمهتمين، وجسدت عبرها قضايا وجودية وإنسانية من زوايا غير مألوفة.

وتجاوزت أعمالها الرسم إلى النحت، والتشكيل البصري المركب، وكانت ترى في الضوء؛ ليس مجرد عنصر بصري، بل لغة تعبيرية جوهرية.

فنانة كيميائية

وُصفت من قبل الناقدة الفرنسية مويل كويلود بأنها “فنانة كيميائية”، تحول طاقتها إلى إبداع بصري ينبض بالحركة والانسجام، وتصبح أعمالها مرادفا للجمال والنور.

واعتمدت الهيتمي على رموز الطبيعة في تجريدها، وخصوصا الدائرة، كتعبير عن الاستمرارية والانسيابية.

وفي لوحاتها، كانت الحروف والألوان والرموز تتشابك لتروي حكاية روحية، تسافر من الذاتي إلى الكوني، ومن المحسوس إلى المجرد.

وكانت لوحات نجوى تُقرأ كبوابات تأمل، تغوص في الذات الإنسانية وعلاقتها بالعالم، وتحمل نفسا صوفيا في بنائها البصري.

ولم تقتصر تجربتها على اللوحة، بل خلقت فضاءات فنية كاملة من اللون والرمز والخطوط، لتضع المتلقي في مواجهة مع ذاته، في حالة تفاعل وتأمل.

رحلة تنتهي وأثر لا يزول

رغم حداثة تجربتها، استطاعت أن تترك أثرا كبيرا في الساحة التشكيلية المغربية والعربية، إذ شاركت في معارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه، ولفتت الأنظار بعمق رؤيتها وتميز طرحها البصري.

وأعمالها تُعد اليوم مرجعا للأجيال القادمة من الفنانين الذين يبحثون عن لغة تشكيلية حرة، خارج قوالب المدارس والأنماط.

برحيلها، تفقد الساحة التشكيلية المغربية فنانة نادرة، عاشت مسارا فنيا متوهجا في وقت قصير، وأسست عبره خطابا بصريا يحمل من التأمل بقدر ما يحمل من الشعر.

لكن أثر نجوى الهيتمي لن يزول، إذ ستبقى لوحاتها شاهدة على رحلة إنسانية نحو النور، وعلى مسار أنثوي فريد، مزج بين التجريد والرمزية، وبين الجسد والروح، وبين الضوء والأسئلة الوجودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News