المريني.. رحيل مؤرخ المملكة والأديب المُتسلِّح بتواضع رجال الدولة

غادر عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، دنيا الناس وسط سكون أولى ساعات صباح اليوم الثلاثاء، بعدما كان صوته يرتبط بإعلان عن الأحداث الكبرى لما يزيد عن عقد و3 سنوات من الزمن (منذ 2012)، مخلفا وراءه فكرا وإرثا ثقافيا كبيراً، أهَّله لتقلد مسؤولية الحديث باسم المؤسسة الملكية.
لم يكن المريني ناطقا رسمياً للقصر الملكي فقط، وإنما كان مثقفاً بفكر موسوعي وذاكرة تاريخية ونبوغ فكري متسلحاً بتواضع كبار رجال الدولة. تواضع الرجل يلمسه السابر لأغوار سيرة المريني الذاتية والمهنية وتدرجه في المهام والمسؤوليات بعيدا عن الضجيج وكثرة الظهور إلى أن وصل إلى نيل ثقة التكلم باسم القصر الملكي.
وقد خلف خبر وفاة المريني حزنا عميقا في نفوس من عرفه، عن قربه أو بعد، وترك أسى واسعاً في قلوب من سمع باسمه أو انتبه لصوته حين كان يعلن عن أخبار القصر ويطلع الناس عن أحوال الأمراء وأقرباء الملك محمد السادس، بصوته المتأثر بخبرة وشقاء البحث لسنين في تاريخ وعراقة بلاد المغاربة.
سيرة عادية لإنسان غير عادي
أطلق عبد الحق المريني صرخته الأولى، في ظل عهد الحماية، وتحديداً سنة 1934، بالعاصمة الرباط. بها درس وتدرج في التعلم من المدارس العتيقة إلى التعليم النظام فالتكوين الجامعي وفيها ختم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وتشبع بالثقافة في ريعان الشباب، ما نحت ذاكرة الرجل التاريخية وأغنى وعيه الثقافي.
درس المريني الأدب واللغة العربية والدراسات الإسلامية في مدرجات جامعات مغربية وأجنبية. مسيرة انتهت إلى حصوله على دبلوم الدراسات العليا سنة 1960 ثم على إجازة في الآداب بكلية الآداب بالعاصمة الرباط.

انتقل المريني بعدها إلى فرنسا حيث درس الدراسات العربية والإسلامية بجامعة ستراسبورغ وبالتحديد في معهد الدراسات العربية والإسلامية بعد ست سنوات من حصوله على الإجازة (1966).
استمرت المسيرة الأكاديمية للرجل بإحرازه دبلوم الدكتوراه سنة 1973 من معهد الدراسات العربية والإسلامية بفرنسا، قبل أن يعود إلى المغرب ليكمل تكوينه الجامعي في تخصص الآداب بحصوله على دكتوراه الدولة من جامعة محمد بن عبدالله بفاس.
كاتب بالفطرة
قد يظن العارف لعبد الحق المريني المسؤول أنه ناطق رسمي باسم القصر وجسر تواصل مباشر بين الملك والشعب في شاشات التلفزيون فحسب، لكن الحقيقة أن للمريني قلم أدبي مبدع، يكتب من محبرة الثقافة والتاريخ والأدب، راسما بذلك معالم أصالة مغربية عريقة.
كتاباته اخترقت مختلف الحقب التاريخية لدولة المغرب الممتدة لقرون وأرَّخت لتحولات المجتمع والسلطة قبل وبعد الاستقلال عن الحماية الفرنسية. كتب المريني في السياسة والمجتمع بل وحتى في ثقافة المطبخ المغربي، حين ألف كتاباً بعنوان الشاي في الأدب المغربي.
من أشهر مؤلفات المثقف ورجل الدولة كتاب الجيش المغربي عبر التاريخ، الذي أصدره في 1968 والواقع في 153 صفحة. صفحاته عبارة عن ذاكرة تنبض بحياة تاريخ جيش مغربي وطني، وهو المؤلف الذي أهله لجائزة المغرب لسنة 1968.

ذو الواحد والتسعين سنة، وبحكم معاصرته لفترة حكم الملكين الراحلين محمد الخامس ووريث عرشه الحسن الثاني، بالإضافة إلى فترة حكم، الملك محمد السادس، استجمع ما يكفي من تجربة وعاش من الوقائع التاريخية ما يؤهله لوصف حقب جلوس ملوك المغاربة على كرسي العرش، حيث كتب “جلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية: الإنسان والملك” سنة 1985 و”قال جلالة الملك الحسن الثاني”، الواقع في جزأين والصادر في 1977 إلى جانب كتاب “محمد الخامس: دراسات وشهادات” سنة 1988.
اهتمت كتابات الراحل بأحوال المغاربة وثقافتهم حين كتب “دليل المرأة المغربية في عهد الاستقلال” الذي صدر سنة 1993، في إشارة إلى اهتمام المريني بمواكبة التحولات التي عاشها، ولايزال يعيشها المجتمع المغربي. بالإضافة إلى تعقبه لعادات الإنسان المغرب عبر التاريخ حيث كتب “الشاي في الأدب المغربي” الصادر سنة 1999.