بورتريه

غياب زياد الرحباني.. حضورٌ آخر لزمن لا يموت

غياب زياد الرحباني.. حضورٌ آخر لزمن لا يموت

رحل زياد الرحباني، لكن صوته سيظل معلقا في ذاكرة بيروت كما في ذاكرة كل من عرفوه عبر مسرحياته وأغنياته وأفكاره التي لم تعرف مساومة.

ولد عام 1956 في بيت غارق في الموسيقى، بيت وضع أسس الأغنية اللبنانية الحديثة بفضل عاصي ومنصور وفيروز، لكنه لم يكتف بأن يكون الابن الوفي لمدرسة الرحابنة، بل كان المتمرّد الذي أراد أن يكتب اسمه بحبر مختلف.

في سن السابعة عشرة، كتب أولى مسرحياته «سهرية» عام 1973، وكأنه يعلن منذ البدايات أن الطريق الذي يسلكه ليس معبّدا ولا تقليديا.

ثم توالت مسرحياته: «بالنسبة لبكرا شو؟»، «نزل السرور»، «فيلم أميركي طويل»، «بخصوص الكرامة والشعب العنيد»، و«لولا فسحة الأمل»، أعمال صنعت مجدا مسرحيا بلغة الناس، بضحكهم وبكائهم، بسخريتهم التي كانت في حقيقتها نقدا جارحا للطائفية والفساد والسلطة.

كان زياد أكثر من كاتب مسرحي، وأكثر من ملحن. كان شاهدا على لبنان الذي يتأرجح بين الحرب والسلام، بين الأحلام المحلّقة والخيبات الثقيلة.

موسيقاه لم تكن خلفية للحياة، بل كانت هي الحياة نفسها. مزج الجاز بالموسيقى الشرقية، فصار عزفه لغة ثالثة بينهما، لغة تحمل أنين بيروت ونبضها معا.

ولأن الابن يبقى ابنا مهما تمرّد، مدّ زياد صوته إلى صوت أمه فيروز، ومنحه ألحانا صارت أيقونات: «سألوني الناس»، «كيفك إنت»، «صباح ومسا»، «عودك رنان»، و«البوسطة».

أغانٍ لم تكن مجرد موسيقى، بل رسائل حب طويلة من ابن إلى أمه، ومن الاثنين إلى الوطن الذي أحبّاه بطريقتهما.

أصدر ألبومات حملت مواقفه كما حملت ألحانه: «أنا مش كافر»، «إلى عاصي»، «مونودوز»، عناوين تكشف حجم القلق الذي عاشه، والرغبة الدائمة في مواجهة السائد وعدم التصالح مع العبث.

اليوم، يغيب زياد الرحباني، لكن غيابه يشبه حضوره، صاخبا حتى وهو صامت، ساخرا حتى وهو يودّعنا. يرحل الرجل الذي كتب عن «فسحة الأمل»، ليترك لنا فسحة أخرى: فسحة التذكر، فسحة الأغنية، فسحة المسرح الذي جعلنا نرى وجوهنا بوضوح أكبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News