بورتريه

سميرة الزاولي.. أول رئيس فريق لكرة القدم بالمغرب

سميرة الزاولي.. أول رئيس فريق لكرة القدم بالمغرب

لم يعتد المشهد الرياضي الكروي على دخول الجنس الناعم إليها، فالصورة النمطية التي تطبع أذهان الناس والقائمين عليها أنها رياضة يمارسها الرجال فقط، لما تتطلب من جهد وصلابة ومرونة من ناحية، ومن ناحية أخرى تتطلب كسر التقاليد والأعراف التي تُكبّل طاقات النساء، وتحجم دورهنّ، لكن مع تطور أساليب هذه الرياضة، وتطور الوعي المجتمعي كذلك، أضحت كرة القدم تعتاد على ركلات النساء وإن كانت بشكل “أنعم” ولا ترقى لخشونة الرجال، إلا أنها أثبتت فنيات وتقنيات عالية وأبرزت وجودها وتألقها، ورغم أن الرياضة لا تفرق بين ذكر وأنثى، لكن قدر المرأة دائما أن تتحوّل كل مسألة يوضع فيها اسمها إلى  قضية تحارب من أجلها وإن كانت حقا طبيعيا لها.

في كنف أسرة رياضية

هي ابنة المرحوم العربي الزاولي الذي تقلّد مهمة الرئاسة والتدريب معا، ويعد الأب الروحي لفريق الاتحاد البيضاوي، ومؤسس مدرسة الاتحاد البيضاوي، التي ضمت لاعبين أكفاء، وزوّدت الفرق الوطنية بأجود اللاعبين، تم تكريمه بتسمية ملعب الفريق الحالي باسمه.

وكما يقال “ابن الوز عوام” سلكت سميرة طريق والدها، ونهلت من حبه للنادي البيضاوي حد الارتواء، حتى وجدت نفسها في وسط الرجال تعبر وتأمر وتنهي، شأنها شأن الرجل الذي احتكر مجال الكرة لعقود طويلة من الزمن.

كانت شعلة من العطاء منذ حداثة سنها، ورمزا للنضال النبيل، تحدت كل الصعاب رغم عظمتها، وازدرت الأقاويل رغم كثرتها، فكانت أختا للجميع حيث أن والدها “العربي” أب للجميع.

تقول سميرة الزاولي في معرض حديث صحفي عن والدها الراحل: “كنت في الرابعة عشر من عمري عندما دفعني والدي للمشاركة في أحد الاستعراضات الرياضية التي كان يقيمها إثر كل مناسبة وطنية، وكانت بداية الانطلاقة بتعلقي بالمجال الرياضي على اعتبار أنها أول مشاركة لعنصر نسوي آنذاك، إذ كانت تعتبر مشاركة الفتيات عيبا وأمرا غير مألوف”.

 عن نظرة المجتمع

تقول سميرة الزاولي في إحدى الحوارات الصحفية: “أي مغربي لا يتصور وجود امرأة في مركز قرار ناد رئيسة، وهذا الأمر قد نجده كذلك في الدول المتقدمة”، وأضافت: “أصبح الإعلام يهتم بنادي الاتحاد البيضاوي لأن امرأة تتولى رئاسته، وهذا بنظري شيء إيجابي.”

طريق النجاح محفوف بالأشواك، لكن الزاولي الابنة تمكنت من اقتلاعها، وتجاوز المطبات والعثرات، حتى وإن كان اهتمام الإعلام بالنادي بحكم رئاستها له، وإظهار الصبغة الأنثوية على رئيسه في كل محفل، لكنها لم تجد في ذلك عيبا أو انتقاصا، بل تشريفا ورد اعتبار للمرأة المغربية التي غيبتها الأعراف والعقليات المتحجرة بأن تضع بصمتها كذلك في أكثر الرياضات نسبة للرجال، ولا أحد ينازعهم على هذا الاحتكار.

أحست سميرة بالكثير من الحيف خلال مسيرتها الرياضية، ليس فقط من قبل المجتمع، ولكن أيضا من قبل شركاء نجاحها الذين يفترض أن تهمهم المصلحة العامة للنادي، بعيدا عن الحسابات الضيقة والنظرة الأحادية للأمور التي مردها إلى تعنت بعض الرجال وإيمانهم بأحقيتهم بتبوؤ مكانها “المصنوع للرجال” كما أشارت لذلك في حوار صحفي: “قضيت سنة واحدة على رأس الفريق، وتعرضت في نهاية الموسم لمؤامرة حاكها بعض الأشخاص الذين كانوا يسعون وراء تحطيم سميرة، لكنهم في الحقيقة كانوا يدقون المسمار الأخير في نعش فريق الاتحاد البيضاوي من حيث لا يدرون”.

بعدها عادت في العام الموالي إلى تسيير مهام النادي، في إطار ما يعرف بـ”صلح الحديبية” كما قالت عنه الصحافة آنذاك، لكنها كانت مجرد محاولة للتخلص منها على حد تعبيرها، لأن البعض أراد إبعادها عن مجال ذكوري.

لم تقف الخسارات عند هذا الحد لكنها أيضا فقدت عملها في سلك التعليم، بدون سابق إنذار، إذ فوجئت بقرار التشطيب نتيجة لالتزامها بواجبها الرياضي حيث نذرت نفسها لنادي الاتحاد البيضاوي.

رئاسة النادي

تقول سميرة الزاولي: “دخولي ميدان التسيير لم يأت عن طريق الصدفة وإنما عن طريق حبي لعالم كرة القدم، وخاصة لنادي الاتحاد البيضاوي، كونه فريقا عريقا يحمل حمولات تاريخية، ومتنفسنا الوحيد”.

مضيفة كذلك: “توليت رئاسة فريق الاتحاد البيضاوي بمنطق التكليف لا التشريف، وولجت ميدانا رجاليا بامتياز لتشريف المرأة المغربية، رغم معاناتها وصعوبتها.”

وبهذا تكون أول امرأة مغربية، وإفريقية وعربية تترأس فريقا رياضيا لكرة القدم، وتتربع على عرش رئاسة نادي الاتحاد البيضاوي.

رحلت سميرة الزاولي عن ملعب الحياة سنة 2015 بعد معاناة مع المرض، عن عمر ناهز 54 سنة، مخلفة إرثا عظيما في التفاني والعطاء، ومسيرة مليئة بالإقصاء والإهمال لماضي عائلة قدمت الكثير للكرة المغربية عموما، ولصورة المرأة المغربية خصوصا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News