افتتاحية

البرلمان يحصي اخفاقات الإدارة.. استقالة وزيرة إصلاح الوظيفة ستكون حلا؟

البرلمان يحصي اخفاقات الإدارة.. استقالة وزيرة إصلاح الوظيفة ستكون حلا؟

على الرغم من النتائج الصادمة التي كشفها تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، التي شكلها مجلس النواب، إلا أنها لم تعد مفاجئة بالمرة للمتتبع المغربي، الذي آلف سماع التقارير السوداء عن الإدارة المغربية، وربما ليس بحاجة إلى الاطلاع على مساوئها بأوراق التقارير إن كان يصطدم بذلك يوميا في الواقع.

عندما يطرح سؤال المؤسسات غالبا ما يتم تبخيس دور البرلمان، لكن عندما يتعلق الأمر بعمل جبار كهذا الذي قامت به المؤسسة البرلمانية لا أحد ينصف “ممثلي الأمة” لأننا اعتدنا منطق التبخيس لا غير.

التقرير الذي كان يجب أن يحدث نقاشا كبيرا في المغرب، حرك نظريا من جديد “بركة” الإدارة المغربية، بكسر الباء وليس فتحها، لتصعد إلى السطح من جديد الاختلالات والأعطاب تعاني منها، وفي مقدمتها استمرار عرقلة الاستثمار ومقاومة جهود مكافحة الفساد، يُصدر بشكل غير مباشر حكما غير قابل للاستئناف أو الطعن في حق وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة غيثة مزور، بأن وقت تسليم مفاتيح الإدارة التي لم تستطع إصلاحها قد حان وهي التي دخلت الحكومة من باب “الكفاءة” المفترى عنها.

الأعطاب التي سردها التقرير، الذي اعتمد زيارات ميدانية لمختلف القطاعات، رصدت تفاوتا في توزيع الموظفين بين الجهات وتأثير ذلك على الخدمات المقدمة للمواطنين، وغياب المسؤولية لدى الموظفين وتداخل اختصاصاتهم، وعدم تفعيل الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، لكن الأفضع أن الفساد بالإدارة له عرابوه والمدافعون عنه، فهل بمقدور الوزيرة الشابة التي اكتسبت “خبرة” في الأمن السيبراني أن تفك شفرة الفساد بالإدارة وأن تفضح “الهاكرز” الذي يعششون فيها منذ زمن طويل؟

يبدو، من خلال تقييم سريع لإنجازات الوزيرة منذ تعيينها، أنها لن تكون قادرة على وضع يدها في عش دبابير الفساد، لكن أضعف “الإصلاح” أن تباشر بإزالة عراقيل الإدارة في وجه الاستثمار، هذا الأخير الذي ما فتئت الحكومة تؤكد أنه طوق النجاة، فهل تُفعّل السيدة الوزيرة “خاصية رقمية ما” لتجعل نفسها خارج السياق الحكومي؟، ذلك أن التقرير فضح استمرار الإدارة بالتأخر في معالجة ملفات مشاريع الاستثمار والتي تبذل فيها الحكومة مجهودات كبيرة دون أن ترى، مع غياب التفاعل مع الاستفسارات والشكايات والمشاكل التي تعترض المستثمرين، فضلا عن تعقد المساطر الإدارية التي شكلت عائقا حقيقيا للاستثمار، رغم الآمال المعقودة على هذا الأخير من حكومة أخنوش.

الوزيرة غيثة مزور يلزمها كثير من الوضوح، مع نفسها أولا، بخصوص موضوع إصلاح الإدارة، وما إن كانت قادرة على المهمة فعلا أم أن جلباب الإصلاح أوسع منها، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد إجراءات شكلية للرقمنة ترهقنا الوزيرة بتكرار الحديث عنها، بل الأمر أعقد ويتطلب التوجه رأسا نحو مكامن الفساد، فالبلاد لا يمكنها أن تخطو إلى الأمام دون إصلاح حقيقي لإدارتها التي تعد أداة لتنزيل الرؤى والسياسات الإصلاحية.

المفروض كذلك في الإدارة أن تحارب الخروقات التي تَحول دون تشجيع الاستثمار، لكن لا يمكن لإدارة تحمل كل هذا الفساد أن تقف في وجه الفساد وعرقلة التطور الاقتصادي، الذي له كلفة مالية وتنموية خطيرة.

وأمام هذا الوضع كان منتظرا من الوزيرة أن تتفاعل مع البرلمان بما تقتضيه جسامة القضايا التي فجرها التقرير بدل ترديد الأرقام “الجوفاء” والكلام الفضفاض، وأن تتدخل لقطع الحبل السري بين الإدارة والفساد بدل سياسة “الطبطبة”.

ضرورة تحرك الوزيرة بتسريع إصلاح الإدارة باتت واجبة، حتى لا تضيع المجهودات الجبارة التي تقوم بها المؤسسة البرلمانية عبر لجان موضوعاتية وتقارير قيمة، لا يجب ان تظل حبيسة الرفوف، وحتى لا تمضي البلاد عكس طموح مواطنيها وقيادتها.

كما أن المعارضة بدورها مطالبة بالتحرك ضمن هذا النقاش بدل الاستكانة إلى “منطقة الراحة” خارج المسؤولية، إضافة إلى أن النقابات والمجتمع المدني عليهم تفعيل أدوارهم عوض الركون إلى الانتظارية القاتلة، لأن الإشراك في التدبير ليس منحة تقدم في مناسبات رأس السنة والاحتفالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News