افتتاحية

دروس “الكان”.. حتى لا نُلسَعَ من جُحر إفريقيا مُجدّدا

دروس “الكان”.. حتى لا نُلسَعَ من جُحر إفريقيا مُجدّدا

كرة القدم خسارة وتعادل كما هي فوز. لكن منتخبنا الوطني اختار طواعية أسوأ النتائج، ليذيقنا مرارة الخسارة أضعافا مضاعفة بإقصاء قاسٍ ومرٍّ من نهائيات كأس إفريقيا للأمم بساحل العاج، حطمت أحلام جيل من اللاعبين حالمٍ بتكرار ملحمة تاريخية هندسها الناخب الوطني وليد الركراكي بقطر.

لكن الغريب أن منتخب بلد؛ يعده العالم منجما للمواهب في اللعبة الأكثر شعبية في المعمور، يصرّ في كل كأس إفريقية نخوضها، باستثناء مشاركات تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، على الوفاء للمثل القائل: “عادت حليمة لعادتها القديمة”، لنؤكد، ليس لأنفسنا فقط بل للعالم ككل، أن ما تحقق في نهائيات كأس العالم بقطر إنجاز مرحلي لا يمكن بأي حال من الأحوال البناء عليه لطرد النحس الذي لازم المغرب قرابة نصف قرن بالقارة السمراء.

لم تكن الخسارة أمام منتخب جنوب إفريقيا “المحلي” بحد ذاتها ما آلم الجماهير المغربية، لكن المستوى الهزيل والضعيف الذي دمّر صورة “فريق الأحلام” في آخر مشاهد بؤس الكرة المغربية بـ”كان 2023″، دق ناقوس الخطر وطوّق مستقبل رابع كأس العالم بسيل من التساؤلات المشروعة قبل عام من كأس إفريقيا ستنظم بالمملكة وعامين فقط عن مونديال 2026، الذي لن ترضى فيه الجماهير بأقل من تكرار إنجاز المونديال القطري.

الواقع المرّ، الذي نتركه خلفنا قصدا أو بجهل، يقول إننا بلد “متواضع”، إذ لم نحقق اللقب سوى مرة واحدة سنة 1976 بإثيوبيا، وأحرزنا المركز الثالث مرة واحدة سنة 1980 والرتبة الرابعة سنتي 1986 و1988، والوصيف سنة 2004، في وقت لم نتجاوز دور المجموعات والمشاركات الست المتبقية ربع النهائي.

لذلك، لم تكن ردة فعل الجماهير “العنيفة” بمواقع التواصل الاجتماعي تجاه إقصاء “أشباح الأسود” من كأس إفريقيا غريبة، فمن باعها وهم طي صفحة الإخفاقات وبلوغ نصف النهائي على الأقل وإلا الاستقالة، ثم الفوز باللقب، يتحمل مسؤولية كل طوفان الانتقادات التي يتعرض وسيتعرض لها اللاعبون، وكل المطالب التي تتعالى اليوم لرحيل الركراكي واعتزال من قاربوا سن التقاعد الدولي.

في الحقيقة، يتحمل مسؤولونا والناخب الوطني وحتى اللاعبون بدرجة أقل جزءا كبيرا من مسؤولية إيقاظنا من حلم “السيطرة على العالم” إلى كابوس عرفنا فيه حجمنا الحقيقي. فهم من حمّلوا لاعبين بمردود متواضع، على الأقل إفريقيا، أكثر مما يحتملون. فمنذ متى كنا القوة الضاربة بإفريقيا؟ ومتى اكتسحنا الأخضر واليابس بالأدغال الإفريقية حتى نفعلها اليوم؟

لذلك، أول الدروس التي ينبغي أن يستخلصها الناخب الوطني ومعه مسؤولو جامعة الكرة يمكن إيجازه في “التواضع”، لأن الغرور في تقديم الوعود الحالمة دائما ما يجعل صدمة السقوط مدوية أكثر، وإبقاء قدميك على الأرض سيكون مستحيلا عندما تدخل مسابقة وأنت واثق من أنك الوحيد في السباق، كما أنه من غير المقبول أيضا مخاطبة رجال ونساء الإعلام المغربي بنبرة استعلاء وأمرٍ لتبرير مستواك الهزيل بالرطوبة والحرارة التي يبدو أنها تلعب ضد المغرب دون غيره من المنتخبات.

ويبدو أن سحر “النية” انتهى والركراكي فقد قدرته على امتصاص الضغط التي ميزته منذ خطواته الأولى في التدريب، فانساق في كأس إفريقيا الحالية بعيدا عن كرة القدم، تارة ليدافع عن موقف أوناحي المنتخب المصري، وتارة لإعطاء درس في المصافحة لقائد الكونغو، وتارة أخرى لمهاجمة “الكاف” واتهام جهات غير مجهولة بمحاولة إخراج “الأسود” من تركيز “الكان”.

ثاني الدروس المستفادة من عودة “أسودنا” المبكرة لأرض الوطن أن قطار المنتخب المغربي لا يجب أن يحيد عن سكته الرياضة كما حدث منذ العودة من أرض العنابي نهاية العام 2022. فبين التوظيف السياسي للإنجاز المونديالي و”التطبيل” لرابع كأس العالم الذي يستعد “لغزو” مفترض للقارة السمراء، ضاع الركراكي و”وليداتو” بين النفخ والبهرجة الإعلامية والجماهيرية لإنجاز انتهى بإطلاق الحكم القطري عبد الرحمن الجاسم صافرة نهاية مباراة الترتيب بفوز الكروات.

ثالثة الأثافي في دروس “كان” ساحل العاج تقودنا بالضرورة للحديث عما كرره ناخبنا المغربي على مسامعنا مرات ومرات بأن إفريقيا تختلف عن المنافسة في كأس العالم، بل وتتجاوزها قوة، لكن، لم ينعكس ذلك للأسف على اختياراته في أول ظهور بـ”الكان”، وأدار ظهر لـ”خروب بلادو”، الذي رغم مساوئه فقد خبر معه وعورة الأدغال الإفريقية مع الفتح الرباطي والوداد الرياضي.

اختار الركراكي الطريق السهل لخوض أول كأس إفريقية بوصفة المحترفين الجاهزة، مجددا الثقة في “الكوموندو” الذي قاده في ظرف ثلاثة أشهر لإعادة كتابة تاريخ مشاركات المنتخبات العربية والإفريقية في كأس العالم، رافعا شعار ألا مجال للمجاملة في لائحته و”البقاء للأقوى والأكثر تنافسية” وللقادرين على تقديم الإضافة للمنتخب.

سرعان ما اكتشف الركراكي، بعد فوات الأوان، أن رهانه الكلّي على ورقة المحترفين خارج إفريقيا كان خاسرا، وكان هو نفسه أول المنتقدين عندما قال بعد مباراة الكونغو الديمقراطية أن البدلاء لم يقدموا ما انتظره منهم وعليهم بذل أكثر مما رآه في مباراة الجولة الثانية.

الركراكي تنكر لإفريقيا التي صنعت اسمه، إفريقيا حيث تسلق السلالم وصولا إلى المنتخب المغربي بدءا بالفتح الرباطي ثم الوداد الرياضي، الذي صنع معه التاريخ بالتتويج بدوري أبطال إفريقيا ملقنا قارة بأكملها درسا عن “كيفية التربع على عرش القارة السمراء في أقل من سنة”، لكنه كان المعلّم الذي لم يستفد من درسه.

اليوم، الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بأن تركز على الدوري المغربي بجميع أقسامه، وتولي الأهمية للتكوين أكثر من أي وقت مضى، فمن غير المقبول مستقبلا أن نشاهد منتخبا يشكل المحترفون خارج القارة السمراء 99 بالمئة من هيكله، وإلا فما فائدة الملايير التي تصرف كل سنة على الأندية المسابقات المحلية، بل وما الجدوى من احتراف الكرة بالمغرب بالأصل إن كان حمل قميص “الأسود” حكرا على مزدوجي الجنسية بذريعة مستواهم العالي الذي تأكدنا منه أمام جنوب إفريقيا!

المؤكد أن المغرب تفصله سنوات طويلة لاكتساب شخصية البطل بإفريقيا، التي افتقدناها لسنوات لتحقيق أحلام أزيد من 35 مليون مغربي، والنقاش العقيم اليوم عن رحيل الركراكي من عدمه لن يوصل الكرة المغربية إلى بر الأمان، لأن الكرة المغربية تحتاج لرجة أقوى من تغيير مدرب تبدأ بالإدارة التقنية الوطنية التي يبدو أن تغيير قائديها لم يوقظها من “سباتها العميق”.

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. ماحققه المغرب في كأس العالم في قطر هو انجاز عضيم يستحق أن نفتخر به. ويجب أن نغير نظرتنا الدو نيه للقاره الافريقيه التي أصبحت منجما للمواهب .ويجب أن نتواضع قليلا ونستفيد من القتا ليه التي يتمتع بها اللاعب الافريقي الذي خبر اللعب في الدوريات الاوربيه واستفاذ كذالك من خبره المدربين الا جانب الذين صقلو موهبته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News