افتتاحية

المغرب وإسبانيا.. نموذج للشراكات التي تريدها الرباط

المغرب وإسبانيا.. نموذج للشراكات التي تريدها الرباط

من الواضح أن المثل المغربي الدراج “لا محبة إلا بعد عداوة” ينطبق على العلاقات المغربية الإسبانية التي نضجت تحت اختبارات صعبة، كادت تتحول إلى قطيعة دبلوماسية، بعد أن حاولت آلة العداء للمغرب العبث بها، قبل أن يكتشف قادة مدريد والرباط أن عائد قوة الشراكات والمصالح المتبادلة والتفاهم أنجع من لعبة المزايدات.

وتلخص زيارة بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، إلى المغرب خلال الأيام الأخيرة، حكاية نجاح مهمة في العلاقات الدولية، وتجسيدا حقيقيا لنموذج الشراكات التي تطمح إليها الرباط على المستوى الدولي، ذلك النموذج القائم على الوضوح والتعاون والمصالح المشتركة، بعيدا عن منطق الوصاية أو الإخضاع وخطاب “الأخ الأكبر”.

الزيارة الأخيرة قضت على آخر آمال من كانوا يطمحون إلى تكدير صفاء الجو بين المغرب وجارته الشمالية، سيما وأنها جاءت لتعزيز الدينامية التي انطلقت منذ زيارة سانشيز السابقة للمملكة في أبريل 2022، والتي كان واضحا أنها وضعت أسس شراكة استراتيجية طويلة المدى بين البلدين، تتجاوز كافة الظروف الطارئة.

العلاقات بين البلدين تؤكد أن الوضوح قادر على التأسيس لشراكات نوعية، قائمة على الثقة والاحترام المتبادلين والثقة، والتشاور المنتظم بالمجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والمسائل الإقليمية والدولية، مما يمكن من تجاوز الأزمات وإرساء تفاهم استراتيجي قوي ودائم.

ولعل أكثر المعطيات حسما في جدية الشراكة بين البلدين الموقف المتقدم لمدريد من ملف الصحراء المغربية، وهو ما يؤكد أن اشتراط المغرب مواقفا واضحة من قضية وحدته الترابية كان خيارا ناجعا وله دور مهم في تعزيز الاعتراف الدولى بها، وهو رسالة لباقي شركاء المغرب، خاصة منهم فرنسا التي بدأت تستوعب أخيرا الطريق الأنجع نحو الخروج من نفق الأزمة، في انتظار تتويج ذلك بوضوح أكبر.

منطق “رابح-رابح” الذي يقيم المغرب على أساسه شراكاته أسفر عن نتائج مشجعة، انعكس بتقدم إسبانيا إلى مرتبة الشريك التجاري الأول للمغرب بحجم مبادلات وصل إلى 17.4 مليار يورو عام 2023، بزيادة 7 بالمئة مقارنة بعام 2022. وهذه الشراكة الاقتصادية تفتح لإسبانيا أبواب القارة الإفريقية، كما تعزز الموقع الاستراتيجي للمغرب ومكانته القارية، والأمر ذاته ينسحب على مكانة البلدين بالشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي من المشاريع الكبرى التي ينتظر أن يكون لها أثر كبير على البلدين معا، دون إغفال ثمار الشراكة على مستوى مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الوطنية وإدارة ملف الهجرة. ومن جهة أخرى الانعكاسات على المواقف المشتركة من القضايا الإقليمية، في مقدمتها القضية الفلسطينية، وكلها مؤشرات مهمة على بزوغ تحالف قوي غرب المتوسط.

ويقدم نجاح هذه الشراكة درسا مجانيا لأطراف بالداخل المغربي روجت خلال الأزمة المغربية الإسبانية أن المغرب يخوض “معارك خاسرة” دبلوماسيا، والأمر نفسه خلال أزمات دبلوماسية للمملكة مع بلدان أوروبية كبيرة، مثل ألمانيا، في تكريس لعقدة أنهم متفوقون علينا ولا نستطيع مجاراتهم، وهو الطرح التي بات متجاوزا اليوم، ويفرض أن يصطف الجميع خلف بلاده في اللحظات الصعبة، خاصة وأن الطموح المغربي لم يعد يقبل أن تُعامل البلاد بمنطق الوصاية، ولا يمكن للمواطن المغربي إلا أن يجاري هذا الطموح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News