افتتاحية

الفساد.. المسؤولية الأخلاقية للأحزاب!

الفساد.. المسؤولية الأخلاقية للأحزاب!

بينما تضج الدنيا بالحديث عن استشراء الفساد بالبلاد، وتروج عشرات ملفات المفسدين بردهات المحاكم المغربية، تختار الأحزاب السياسية “النوم في العسل”، عاجزة أن تبادر إلى المساهمة من جانبها في القطع مع هذه المعضلة، والأكثر من ذلك أن بعضها يجتهد في حماية “فاسديه” ويُقلدهم المناصب المرموقة لجعلهم بعيدين عن المحاسبة.

وإن كان الحديث عن الفساد بمناسبة الدخول البرلماني وإعداد مدونة الأخلاقيات خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، فلابد من الإشارة إلى أنها جاءت تحت تأثير إحراج الرسالة الملكية التي دعت إلى التخليق بمناسبة الذكرى الستين للبرلمان.

الجدية في التعاطي مع الفساد ووضع حد لنزيف الثقة يتطلب إعطاء الأحزاب السياسية الأولوية اللازمة لهذا الملف، وليس ركنه جانبا، وترك النقاش محصورا في مدونة تهم البرلمان، ذلك أن الأحزاب مطالبة بتنمية مناعتها الداخلية تجاه المفسدين الذي يحملون قبعاتها وينعمون بالامتيازات الناتجة عن تزكياتها.

أجهزة القضاء والأمن والدرك الملكي تقوم بدور كبير في تتبع ومتابعة المفسدين وخصوصا داخل الطبقة السياسية
لكن كل هذا النقاش لا يواكبه رد فعل من طرف الأحزاب السياسية، إذ لم يقم أي حزب سياسي بخطوة في اتجاه منع تسلل المتابعين للمؤسسات.

حتى أن حزبا كبيرا مثل الأصالة والمعاصرة والذي اهتزّ الرأي العام على متابعة قياديين فيه، وعوض سد المنافذ التي دخل منها المتابعين للمؤسسات وإبعاد من زكاهم انتخابيا، قرر في خطوة مفاجئة إعادة سمير كودار رئيسا للتنظيم الحزبي رغم أنه مسؤول تنظيميا عن منح التزكيات للمنتخبين والذين توبع منهم اثنين بتهم ثقيلة، كما زكى أحمد التويزي المتابع في ملفات للمال العام لرئاسة فريقه بمجلس النواب.

المطلوب اليوم هو جعل ورش التخليق مشروعا كبيرا ينخرط فيه الجميع، والأحزاب السياسية على الخصوص، إذ أن من بين ما أكد عليه الملك في رسالة تهنئته بمناسبة انتخاب الطالبي العلمي رئيسا لمجلس النواب هو ربط الثقة في المؤسسات المنتخبة بتخليق الحياة البرلمانية.

الملك إذن قام بالتنبيه لضرورة القطع مع وضع غير صحي سائد بالمؤسسات، وأهمها المؤسسة التشريعية، والكرة اليوم هي في ملعب الفرق البرلمانية والأحزاب للتفاعل مع جرس الإنذار الذي دقه الملك في أكثر من مناسبة.

ولابد من التأكيد على إن إصلاح هذا الواقع لن يستقيم بدون إرادة سياسية للأحزاب، والتي تختار في أحيان كثيرة حل مشاكلها التنظيمية الداخلية عبر منح المسؤوليات لمفسدين على حساب المعايير الأخلاقية لتحمل المسؤولية داخل المؤسسات، ثم الخروج بـ”وجه أحمر” للدفاع عنهم.

الأمر يستدعي أكثر من مجرد إجراءات ويتعداه إلى مستوى ملحاحية ثقافة سياسية داخل الأحزاب تنتصر للنزاهة والكفاءة وتقطع مع صائدي المناصب وأصحاب “الشكارة” والمختبئين خلف المسؤوليات لخدمة مصالحهم ومراكمة الثروات غير المشروعة، مقابل تكبيد المغرب إهدار سنوات من تنميته وتقدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News