افتتاحية

الدولة المغربية الحاضنة

الدولة المغربية الحاضنة

عكس ما تقتضيه أخلاقيات النقد من توازن بين الوقوف عند السلبيات والاعتراف بالإنجازات، يريد البعض التكريس لعقيدة لا تستحضر الدولة إلا ساعة خطأها، ولا توجه الأنظار نحوها إلا وهي مكبلة بـ”عار” هزيمة ما، حتى لو لم تستند هذه “الهزيمة” إلى براهين واقعية تثبتها، وهكذا تصبح الدولة بجرة “تدوينات” ذلك الكائن الذي لا يتذكر المواطنين سوى في جمع الضرائب وإنعاش خزينتها، بينما تدير ظهرها للمغربي المغلوب على أمره.

متابعة الشأن العام بموضوعية، وتمحيص الكلام السابق بعين الحياد، يُظهر أن مثل هذه الادعاءات واهنة، ولا تصمد كثيرا أمام عناد المشاهد الإنسانية التي تبصم عليها الدولة المغربية، في أكثر من مناسبة، مقدمة الدليل على كونها الدولة الراعية والحاضنة والاجتماعية، التي لا تتخلى على مواطنيها لحظات العُسر والأزمات.

الدولة التي هدمت جبلا لإنقاذ الطفل ريان، وحركت مروحية لجلب مغربية حامل من قمم جبال الأطلس لتضع مولودها بسلام، واستنفرت أجهزتها كاملة لتدثير مواطنيها من موجة البرد، وشقَ رجالها بعزم الكيلومترات من الثلوج بحثا عن رُحل حاصرتهم قساوة الطبيعة لإنقاذهم، تستحق التفاتة اعتراف وتصفيقا حارا لهذه الإنجازات.

قبل ذلك أكدت الدولة المغربية خلال جائحة كورونا أنها بالفعل حائط سميك يستطيع المواطن الاتكاء عليه خلال الأزمات، ذلك أنها صرفت إعانات ضخمة لمواطنيها على امتداد أشهر، في عملية كان فيها عاهل البلاد أول المتبرعين، وهو المسار الذي تواصله من خلال ورش الحماية الاجتماعية، الذي يمضي في اتجاهه الصحيح، متحديا كل الإكراهات.

صحيح أن كل ما ذكر سابقا ليس من باب جزل العطايا على المواطنين المغاربة، وليست الدولة تمن به عليهم، لكنه بالمقابل يستحق التنويه والإشادة، لأنه إنجاز ببصمة واضحة مؤداها “صنع بالمغرب” وبسواعد مغربية ولفائدة أبناء المغرب، ولأنها إنجازات تنم على أن الدولة ليست جهازا بيروقراطيا بل هي “كائن” يستشعر آلام المواطنين ويحس بمعاناتهم، ويحضر في أحايين كثيرة في اللحظة المناسبة.

لا يعقل، بالمنطق السليم، أن يتم تكبير الصورة وتضخيمها لحظات التقصير، مقابل تخطيها بتجاهل لحظة النجاح، فحتى الفطرة السليمة للنقد ترفض ذلك ولا تقبله، لأن الخطاب المعارض، من أي موقع كان، يستقي موضوعيته من إقراره بالحقائق حتى لو جاءت معارضة لمبتغاه.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتلقف معاناة مواطنين بالدعم والمساندة، مقابل تجاهل جثة شرطي تم إحراقها غدرا، فقط لأنه يرتدي الزي الرسمي، أو نتفادى التعليق على وفاة دركي خلال قيامه بواجبه، لأن هؤلاء وأمثالهم هم جسد الدولة، والاعتراف لهم بالفضل يبعث إشارات إيجابية في هذا الجسد ليبدل أكثر.

فيما سبق جرد طفيف لملامح إنسانية لا تشكل سوى رأس جبل الجليد من إنجازات يومية مستمرة للدولة المغربية، يقوم بها الموظفون الشرفاء، على الطرقات وبالمستشفيات والمدارس ومختلف المصالح، يقومون بها بصدق من أقل الإدارات إلى أعقدها في الأمن والجيش. والحقيقة هي أن هؤلاء الشرفاء لا ينبغي إفساد وفائهم فقط لأن قلة منهم تورطت في ملفات فساد أو اشتغلت لمصالحها، لأن هذه الفئة الأخيرة استثناء لا يقاس عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News