مجتمع

خبير يكشف لـ”مدار21″ الخلط في فهم الضرائب بالمغرب ويدعو المهن الحرة للأداء

خبير يكشف لـ”مدار21″ الخلط في فهم الضرائب بالمغرب ويدعو المهن الحرة للأداء

تفاعلا مع الجدل الكبير الذي أثارته المقتضيات الضريبية التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2023، بين الحكومة وأصحاب المهن الحرة، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات ضدها بعد إحالة المشروع على الغرفة الثانية للبرلمان، يكشف أحمد الجزولي، الخبير الدولي المتخصص في الحكامة الديمقراطية، عن الخلط الموجود في فهم الضرائب ويدعو إلى اعتماد إجراءات تمكن من خلق الارتياح لدى دافعيها.

وأمام ما يجري في الساحة الوطنية من نقاشات حول الضرائب، أكد الجزولي في تصريح لـ”مدار21″، أنه “من الملاحظ بأنه لا زال هناك خلط في مفهوم الضريبة بالنسبة لعموم المواطنين، وفي كيفية تقديرهم للضريبة”.

خلط في استيعاب الضريبة

ويشرح الجزولي “يمكن القول ببساطة بأن الضريبة هي تكلفة عمومية مقابلة لخدمة مقدمة، فمثلا عندما يستهلك مواطن داخل محل أو مطعم يجب أن يؤدي ضريبة مقابل هذا الاستهلاك، لأن الفضاء الذي يوجد به المحل والطريق والمرافق العمومية المستخدمة في الوصول إليه تؤدى مصاريفها من تلك الضريبة”.

وأورد الخبير في الحكامة أنه “في المغرب لا زال هناك مشكل كبير في استيعاب الهدف من الضرائب، ولهذا يجب تأهيل المواطنين لتأديتها، ويتم ذلك من خلال إظهار أوجه صرف هذه الضرائب في الخدمات العمومية المقدمة، ولذلك يجب أن تكون الخدمة العمومية المقدمة في مستوى ما يتم تقديمه من ضرائب”.

واسترسل الجزولي “بالنسبة لمهنة المحامين، يجب استحضار أن أغلب المرتفقين يسعون إلى الاستفادة من هذه الخدمة مجانا، ذلك أنه عندما يطلب المحامي تكلفة من المرتفق يعتقد أنه بالغ في الثمن، لأنه لا زال لدى أغلب المغاربة انطباع بأن الخدمات غير المادية، مثل الاستشارة القانونية أو المساعدة القضائية، لا تتطلب الأداء، على عكس الشركات أو غيرها التي ترى قيمة هذه الخدمات”.

المهن الحرة ملزمة بالأداء ولكن!

وبالنسبة للمهن الحرة، يشير الجزولي إلى أنها “وكغيرها من المهن الأخرى، ما دام فيها دخل يجب أن تؤدي ضرائب متناسبة مع الدخل، لأنه لا يمكن أن تكون هناك مهن معفاة مئة بالمئة، لأننا جميعا ننتمي لمجتمع يجب أن يؤدي الجميع نصيبه من الضريبة من أجل الخدمات العامة”.

وتابع الخبير “خلال هذا النقاش يجب استحضار الظرفية الصعبة اقتصاديا على جميع المهن، وأيضا كون أن الميزانية العامة أدت كذلك تكلفة إضافية خلال تدبير الجائحة، إلى جانب قلة الموارد الضريبية بالمغرب من القطاع الخاص، الأمر الذي يستلزم تدبير متناسب مع المرحلة، من خلال تأدية الجميع للضرائب مقابل أن تكون عدالة ضريبية، وأن يكون تناسب حسب القطاعات والمهن والمستوى العام الاقتصادي”.

وأبرز الخبير نفسه أن “الموضوع الضريبي مهم والعدالة الضريبية واجبة، لكن في الوقت نفسه يجب أن يكون هناك أداء تدريجي، حيث لا يمكن فرض الضرائب دفعة واحدة ومنذ بداية سن القرار”.

وأمام تصاعد احتجاجات مختلف الفئات المنتمية للمهن الحرة بسبب المقتضيات الضريبية، أفاد الخبير أن “الضريبة عموما، من المنظور الاقتصادي، يؤديها المستفيد النهائي من الخدمة، ولكن بما أنه هناك نزوع نحو عدم أداء الضرائب يعتقد بعض أصحاب المهن الحرة أن جميع المداخيل ملكهم، في حين أن الأمر ليس كذلك”.

وأفاد الجزولي بأن “الحل لرفع الموارد الضريبية للدولة هو الضريبة على الاستهلاك والخدمات والتي لا يتم استشعارها بالنسبة للمواطنين على المستوى الضريبي، ولكن تكون لها نتائج مهمة”. مضيفا في السياق نفسه أن الحل يكون “بالتخفيف من الضريبة وتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل الجميع”.

الاقتطاع من المنبع

وحول الرفض الذي تواجه به مجموعة من الهيئات آلية الاقتطاع من المنبع للضرائب، قال الخبير بأنه “لا ينبغي اعتماد هذا الإجراء بالنسبة لهذه الهيئات، لأنهم ينتمون للقطاع الخاص، وعمليا من الصعب تطبيق هذا الإجراء عليهم”.

وأردف الجزولي أنه “بالنسبة للوظيفة العمومية أو أداء الأجور في القطاع الخاص يتم الاقتطاع من المنبع لأن المشغل ملزم بدفع ضريبة من يشتغلون معه، والدولة تقتطع للموظفين من المنبع لأنها هي التي تؤدي أجورهم، ولكن بالنسبة لأصحاب المهن الحرة الذين لا يتوفرون على شركات، لأن هذه الأخيرة يمكن الاقتطاع من المنبع بالنسبة لها، لا يمكن أن يتم الاقتطاع لهم من المنبع لأنهم في الأصل لا يتوفرون على هذا المنبع”.

إدارة الضرائب مدعوة للشرح

وأبرز المتحدث أن “مناظرة الجبايات أكدت على ضرورة إقرار العدالة الضريبية، وهذه الأخيرة تتضمن تعميم الضرائب وبالتالي على الجميع تأدية الضرائب، موردا أن تكون الضرائب متلائمة مع الوضعية المهنية وأن يتم الأداء بأريحية فهذا لا يطرح مشكل، لكن على الجميع الأداء”.

وأورد الخبير أنه “ينبغي على إدارة الضرائب القيام بمجهود لشرح أهمية هذه الضريبة، موردا في السياق نفسه أنه سبق له كتابة مقالة حول “كيف نجعل دافع الضريبة يبتسم”، وذلك من خلال ترك لدفع الضرائب بأريحية، فالمواطن يدفع الضرائب ليكون بإمكانه الحصول على قرض عندما يريد، أو أن يحصل مثلا من لديه عمل تجاري على مساعدة من إدارة الضرائب في حال وجود صعوبات في عمله، وأن يتم لمس قيمة الضرائب في شكل خدمات اجتماعية ومن خلال دعم المقاولة”.

كما يجب، وفق الخبير، “أن تكون لإدارة الضرائب خدمات واضحة تجاه دافعي الضرائب، وليس انتظار القيام بهذه المهمة من طرف الحكومة أو باقي الوزارات، فمثلا يتم في بعض الدول أداء الضرائب محليا والجماعات هي التي تتكلف باستخلاصها، ولكن عندما تكون هناك مشاكل في أعمال دافعي الضرائب تتكلف الجماعات بالمساعدة وأن تقوم بمختلف وسائل الدعم”.

مصالحة المواطن مع الضرائب

وفي مقاله “كيف نجعل دافع الضريبة يبتسم”، الصادر سنة 2019، يؤكد أحمد الجزولي أن الكثير من الدول صالحت مواطنيها مع الضرائب بعدد من السياسات الجوهرية من بينها، “تبسيط التشريع الضريبي وجعله مفهوما من طرف كافة دافعي الضرائب، وكذا تعميم الضريبة، حيث يدفع الكل، وكل حسب قدرته وفق معايير موحدة، وهذا ما يوسع الوعاء الضريبي ويمكن معه تخفيض الضريبة على الجميع”.

إضافة إلى ذلك يدعو الجزولي في مقاله إلى ” إقرار استعادة جزء أو كل من مبلغ الضريبة في ظروف معينة (مثلا في حالة شراء أول سكن، أو الولادة، أو في حالة الإعاقة أو تحمل أشخاص في وضعية إعاقة …)، وهذه حالات تحدد بالقانون وتكون موْضِع قبول شعبي”.

كما يقترح المقال إصلاح إدارة الضرائب بإقرار النزاهة والشفافية والفعالية في عملها وإيلاء أدوار اجتماعية لإدارة الضرائب، وخلق آلية استشارية للاقتراح والمتابعة والتقييم بعضوية المجتمع المدني وخصوصا ممثلي المستهلك (أكبر دافع للضرائب)، لإضافة إلى اعتماد نظام فعال لقياس رضى المواطنات والمواطنين على الخدمات العمومية المقدمة من خلال السياسات العمومية التي تنفذها المؤسسات العمومية بمال دافعي الضرائب.

وفيما يتعلق بالضريبة على الدخل، يشير الجزولي إلى أن “من بين القضايا التي يمكن أن تطرح في الحالة المغربية وجوب إقرار نوع من التمييز الإيجابي لصالح المشتغلين في القطاع الخاص، إذا ما أردنا تشجيع المغربيات والمغاربة على العمل في القطاع الخاص كاختيار أول. وفي نفس السياق، في القطاعين العام والخاص، لا يمكن المساواة في الضريبة على الدخل بين صاحب عقد عمل دائم وعقد عمل مؤقت”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News