بورتريه

فاطمة الركراكي.. رحيل “أم المغاربة” التي وهبت حياتها للفن

فاطمة الركراكي.. رحيل “أم المغاربة” التي وهبت حياتها للفن

في غفلة من الجميع، خطف الموت أيقونة الدراما المغربية والممثلة المخضرمة فاطمة الركراكي، عن عمر يناهز الثمانين عاما، بعد صراع طويل مع المرض، وتركت خلفها مسارا حافلا بالإنجازات.

وحظيت فاطمة الركراكي، التي ولدت في الـ15 فبراير 1941 بمدينة الرباط، بمكانة خاصة في قلوب المغاربة، نظير أدوارها التي تقمصتها في العديد من المسلسلات والأفلام، خصوصا لإتقانها دور “الأم الحنون”.

فاطمة تزوّجت ولم تنجب أبناء، لكن أجيالا من الجمهور المغربي يرونها أمّا، بفضل صوتها الدافئ وملامحها التي تفيض حبا. وبعد وفاة زوجها كرّست حياتها للفن، واختارت أن تعيش وحيدة بعيدا عن الأضواء، حتى رحلت في صمت وهي مكفوفة.

ممثلة محظوظة

اقتحمت فاطمة الركراكي مجال التمثيل في وقت صعب للغاية، إذ كان ظهور المرأة على شاشة التلفاز أو صعودها خشبة المسرح أمرا عسير المنال، وكان ذلك في منتصف الخمسينات، حين أتيحت لها فرصة الصعود إلى خشبة المسرح، حيث كانت بديلة في فرقة “التجديد المسرحي”، بعدما تعذّر على ممثلة الحضور بسبب طارئ صحي، لتكون فاطمة الركراكي محظوظة بذلك.

ومنذ ذلك الحين، شهد المسرح المغربي تألق فاطمة، وشاركت في مجموعة من الأعمال المسرحية سواء مع هذه الفرقة، أو فرقة “المعمورة” التي استمرت معها إلى منتصف السبعينيات، أو مع فرقة مسرح محمد الخامس بالرباط، إلى جانب وقوفها أمام كبار الفن المسرحي وعمالقته؛ مثل أحمد الطيب لعلج ومحمد سعيد عفيفي والطيب الصديقي، إضافة إلى المغفور له الملك الحسن الثاني.

مسار حافل

رحلت فاطمة الركراكي إلى دار البقاء، لكن أعمالها ستبقى خالدة وشاهدة على تألق إحدى رائدات التلفزة المغربية، لكونها تُعدُّ من أوائل المُمثلات المغربيات في ميدان السينما والمسرح.

وكانت البدايات بمسرحية “عمايل جحا”، قبل أن تتوالى أعمالها بعد ذلك بين مسرحيات ومسلسلات تلفزية وأخرى إذاعية، إضافة إلى أفلام سينمائية، من أشهرها “قاضي الحلقة” و”من دار لدار” و”أمواج البر” و”أرض الضوء” و”يما” “وداعا أمهات” و”جوق العميين” وغيرها من الأعمال.

وفي الشاشة الكبيرة، شاركت الفنانة الركراكي في بطولة عدة أفلام منها على سبيل المثال، “شمس” مع حميدو بنمسعود، و”يما” و”وداعا أمهات” و”جوق العميين”، و”أمواج البر”، و”من أجل لقمة العيش.”

هذا الحضور الكبير لفاطمة الركراكي جعلها وجها مألوفا ومحبوبا لدى الجمهور المغربي، إلى جانب أسماء وازنة، ومنهن الرائدات أمينة رشيد وحبيبة المذكوري وخديجة جمال.

فقدان البصر

عاشت فاطمة الركراكي وضعا صحيا صعبا جدا، حيث إنها فقدت نعمة البصر بشكل كلي، وهي تطل على عقدها الثامن، هذا الأمر جعلها تمكث في البيت طويلا مع أخيها، الذي كان يرعاها.

وسبق لشقيقها أن كشف، في تصريحات صحفية، أن الأخوين هشام ورشيد الوالي، كانا الوحيدين اللذين حرصا على زيارتها باستمرار والإطمئنان على حالتها الصحية، مؤكدا أن الفنانين دأبا على زيارة “الحاجة” وتفقد أحوالها.

حنونة وكريمة.. هشام الوالي يحكي

في شهادته عن الراحلة فاطمة الركراكي، قال الممثل هشام الوالي، بنبرة حزينة: “فنانة كبيرة وقديرة يعرفها الجميع، كانت طيبة وحنونة، لم ترزق بأبناء، لكنها تعتبر كل أبناء المغرب أبناءها، وحتى مستحقاتها المادية كانت تفضل أن تساعد بها أقاربها والناس الآخرين.

ويضيف الوالي: “كانت تستقبل في بيتها المحتاجين والطلبة خلال سفرهم والمضربين أيضا بالأيام والأسابيع، وتعيش معهم معاناتهم؛ كانت إنسانة بمعنى الكلمة.

وأكد المتحدث نفسه، أن الكثير لا يعرف أنها إنسانة مثقفة، تتقن اللغة الفرنسية، والشعر، كما تمتلك ذاكرة قوية، دائما ما تسترجع ذكريات جولاتها في أوروبا والوطن العربي، ومسرحياتها مع محمد الجم ومليكة العمراني ونزهة الركراكي.

وأبرز المتحدث قائلا: كانت تلتمس العذر لمن لا يسأل عنها وفور معرفتها بمرض أحدهم تتصل للإطمئنان على صحته، كانت تحتاج إلى من يسأل عنها، ولكن هي من تسأل، فعلا كانت راقية مترفعة ولا تشتكي لأحد”، مشيرا إلى أنها لما احتاجت لعملية جراحية مستعجلة لم تستعطف أحدا، وفي إحدى المرات جاءها مصطفى الخلفي؛ في ولاية عبد الإله بنكران، دخل غرفتها وسألها ماذا تحتاجين لكنها رفضت أن تطلب منه شيئا، كانت تمتلك عزة نفس وكبرياء.

علاقة جيدة مع الجميع

وعن غياب الفنانين عن جنازتها قال الوالي: “إنه موت الفجأة، حيث إنها لم تدخل للمستشفى، وأغلبهم علم بوفاتها في وقت متأخر، كل الفنانين حزنوا على موتها دون استثناء، حيث إن علاقتها كانت جيدة مع الجميع، ربما تعذر عليهم الحضور بسبب جائحة فيروس كورونا، أو لأنهم على سفر، لا ندري، لكن ليس لأنهم لم يعطوها قيمة أو أهمية، عن نفسي كنت في مدينة السعيدية التي تبعد بـ7 ساعات وفور معرفتي جاهدت وعدت، ربما غيري لا يستطيع لظروفه الخاصة، ومنهم من كان مشغولا بعروض مسرحية أيضا”.

وبالنسبة لحضور الجنازة، يضيف الوالي: “كان يجب زيارتها وهي على قيد الحياة، حضورهم كان سيحييها، لكن لا يمكننا اليوم أن نعاتب أحدا أو نفرض عليه الحضور في جنازة أي فنان”.

وتابع: كنت دائما عندما أزورها أقول لها فلان يبلغك سلامه، وتفرح لذلك رغم أن الأمر لم يحصل، لكن جبرا بخاطرها، لأنها كانت تسألني دائما عن أحوالهم وأعمالهم.

رحلت فاطمة الركراكي، بيد أن روحها ستبقى بيننا، أعطت الكثير للفن المغربي، وكوفئت بالنسيان والفقر، لكنها، بكل تأكيد، كسبت حب الجمهور المغربي وتقديره.. رحم الله الفقيدة وجعل مثواها الجنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News