مجتمع

طريق الفردوس انقلب جحيما..قصة مغاربة بلا سند بليبيا

طريق الفردوس انقلب جحيما..قصة مغاربة بلا سند بليبيا

الطريق إلى ليبيا مثلت لجيل من المغاربة طريق الخلاص ومعبرا نحو فردوس أوربي موعود قبل أن تنقلب أحوال هذا البلد وتتناحر قبائله في أعقاب سقوط نظام معمر القذافي بعد انتفاضات 2011، تاركة شبابا في عمر الورد في قبضة اليأس والقهر واحتراق الأحلام في غياب أي سند لترميم ما بقي منها.

رحلة شاقة

في البدء لم تكن الحكاية تختلف عن قصص الهجرة المتداولة. الاختلاف كان في الطريق. عوض عبور المتوسط شمالا من طنجة باتجاه إسبانيا، قرر هؤلاء الشباب ، بإغراء سماسرة، اختيار طريق يمر شرقا بليبيا قبل أن ينحرف شمالا نحو أوربا من بوابة إيطاليا.

الطريق إلى ليبيا كانت تغريبة قاسية في حد ذاتها. تحت  أعين مترصدة وهواجس كثيرة قطع هؤلاء الشباب مسيرة الهجرة في ظروف صعبة وقاسية تابعين تعليمات سماسرة تهريب البشر مقابل المال.

لكن ما أن يصل إليهم دافعا لهم ما يملك، تبدأ رحلة الآلام مع أمواج البحر وخفر السواحل، وهي فصل آخر من فصول المأساة تنتهي بالغرق أو السقوط في براثن ملاجئ الهجرة هناك على الضفة الأخرى، فيتراطمون بين جدران الأمكنة، ويتناثرون بين أرصفة الأزمنة.

بين الواقع والحلم يتأرجح الأمل

رئيس المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان جواد الخني يتابع مأساة هؤلاء المغاربة. ويقول الخني، في حديث لجريدة “مدار 21″، ” تتبعنا وضع المغاربة العالقين في ليبيا الذين علقوا آمالهم بالهجرة، ووهبوا حياتهم في سبيل الخلاص من ضيق الحال، والوصول إلى النعيم الأوروبي موجهين بوصلتهم نحو إيطاليا، لكن الواقع المحتوم غير الحلم المنشود، فتم احتجازهم في شروط مهينة تنعدم فيها معايير الكرامة الإنسانية، والأنكى من ذلك، يلقون بهم في بؤر القتال”.

وتابع المتحدث ذاته “هنا تظهر مسؤولية الدولة المغربية من خلال وزارة الخارجية، وسفارة المغرب بتونس، كما أن المسؤول عن مئات العالقين المغاربة وزارة الداخلية بليبيا وأيضا وكالة غوث اللاجئين”.

وتأسف الخني لموقف الدولة المغربية بالقول “للأسف عدد من الدول الافريقية من خلال سفاراتها وأجهزتها الدبلوماسية المتواجدة في تونس تدخلوا من أجل إجلاء مواطنيهم، بيد أن الشباب المغربي هناك يتجرعون كؤوس الخيبة والخذلان من الصمت الرسمي في تدبير هذا الملف، ولكن رغم ذلك تظاهر الأهالي يشكل نوعا من الضغط قد يسمع من ناديت حيا”

وعن دور المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان أضاف جواد النخي ” كنا قد طرقنا ناقوس الخطر وأحطنا المسؤولين بحجم المعاناة التي يكابدها المحتجزين وحصلنا على بعض النتائج، وهو ما أكده بعض المغاربة العائدين من ليبيا مشيرين بأن هناك من ذهب إليهم وأحصى عددهم ولكن إلى حد الساعة العديد منهم يقدرون بالمئات يرزحون تحت نفق مظلم، لا يشق النور طريقا إليه”

وأشار المتحدث نفسه إلى أن المنتدى المغربي الذي يترأسه قدم مراسلة إلى الوزارات المعنية المكلفة بهذا الملف منذ عام 2019 مشيرا إلى الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشونها بانعدام خدمات مناسبة إيوائية من مأكل ومشرب وملبس وعدم توفر أغطية بالإضافة إلى انعدام توفر مواد التنظيف وناهيك عن اكتظاظ غرف نوم النساء والأطفال”.

موجها عبر المراسلة ذاتها نداء للتدخل من قبل وزارة الداخلية الليبية ومسؤولي مركز “السكة” بمكافحة الهجرة غير الشرعية من أجل إعادة المغاربة إلى بلادهم، بالإضافة إلى دعوة السفير المغربي بتونس إلى زيارة عاجلة للمغاربة المتواجدين بمركز السكة بطرابلس، والعمل على طمأنتهم بتأمين غطاء آمن لعودتهم إلى بلادهم.

مصير مجهول

صدحت حناجر العديد من أسر الشباب العالق في ليبيا أمام مقر وزارة الخارجية المغربية بالرباط مطالبين بعودة أبنائهم، ومستنكرين الصمت الرسمي تجاه ما يكابده الشباب المغربي هناك من إهدار للكرامة الإنسانية كما صرحت بذلك إحدى الأمهات المتظاهرات لجريدة مدار 21 قائلة ” أولادنا يتعرضون للاغتصاب، ومعاملة مهينة، ولا أحد يهتم لحالهم، والجميع أخلى مسؤوليته، لذا أطالب جلالة الملك محمد السادس بالتدخل العاجل، فالوضع هناك يعد مأساة حقيقية”.

ولا تزال بعض الأسر ترى نقطة من نور في نهاية هذا النفق المظلم، وغالبا ما تكون نقطة النور تلك بحجم الشمس في أعينهم، وها هم بعض أسر أبناء مدينة الخريبة يكسرون صمتهم، ويعبرون عن حجم الفقد الذي يلهب مشاعرهم.

وبهذا الصدد يقول أحد أقرباء شاب سجين في ليبيا لجريدة مدار21 ” أخي عالق هناك في السجون الليبية، وهو حالة من مئات الحالات المشابهة في مدينة الخريبة، وهذا ما دفعنا بالتظاهر مرات عديدة في المدينة ذاتها وكذلك في مدينة الرباط، وبصفة عامة جهة بني ملال خنيفرة متضررة من هذا الموضوع”.

وناشد الشاب عاهل البلاد التدخل من أجل ترحيل كل العالقين من جحيم المعاناة هناك نحو المغرب، مبرزا “معاناة أسر  الشباب في ظل المصير المجهول لأبنائها”.

ويحكي قريب المعتقل المغربي تفاصيل الحلم الذي ساق أخاه إلى “أتون المهالك” بالقول” لم يكن يعلم هؤلاء الشباب بأنهم يسيرون في درب المجهول، كان مرامهم تغيير واقعهم البائس إلى آخر أكثر إشراقا، غرتهم التجارب الناجحة لمن سبقوهم، فخيل إليهم أن خلاصهم بالرحيل، وأن حياتهم ستكون وردية”

وتابع حديثه “المدينة التي نقطن بها تنعدم فيها فرض شغل للشباب، وهذا كأس يتجرع مرارته كل شباب المغرب، وهو ما دفعهم إلى امتطاء الخطر، لأن ما من شيء يردعهم إلى التفكير بعواقبه، فكل الاحتمالات كانت هينة في سبيل التغيير للأحسن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News