سياسة

المغرب يدعو أوروبا لمضاعفة الجهود لدعم إفريقيا في مواجهة التغيرات المناخية والهجرة

المغرب يدعو أوروبا لمضاعفة الجهود لدعم إفريقيا في مواجهة التغيرات المناخية والهجرة

دعا المغرب شركاءه الأوروبيين إلى بذل مزيد من الجهود لمساعدة الدول والتكتلات الإقليمية بإفريقيا لتقوية مقارباتها الاستباقية في التعامل مع الإشكاليات المتعددة الناتجة عن ظاهرتي الهجرة والتغير المناخي، مشددا على أن ميلاد الميثاق العالمي للهجرةَ بمراكش سنة 2018 يعتبر اعترافا دوليا بنجاعة سياساتها الهجروية وبتدبيرها للهجرة.

جاء ذلك خلال في كلمتين لرئيسي مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، ومجلس المستشارين، النعم ميارة، خلال افتتاح مناظرة حول موضوع: “الهجرة والاختلالات المناخية: أي تمفصل”، صباح اليوم الثلاثاء، المنظمة بالشراكة بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.

وثمن راشيد الطالب العلمي، في كلمته، حصاد مشروع التعاون بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، الممول من الاتحاد الأوروبي، من دراسات ولقاءاتٍ وتبادل حول الممارساتِ البرلمانية وما يرتبطُ بها من إشكالات، من قبيل قضايا المساواة بين الرجال والنساء وحضور النساء في مراكز القرار، والانفتاح، والشراكة مع المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية والمهن الجديدة للبرلمانات.

واستحضر مخاطر الخطابات المكرِّسة لكراهية الأجانب، وَوَصْم، وتحويل الهجرة إلى مادة انتخابية وفي المزايدات السياسية وتعليق عدد من المشاكل على مَشْجَبِ الهجرة، مبرزأ إن الأمرَ يتعلق بإقْحام تَعَسُّفي للهجرة في الرهاناتِ الجيوسياسية الداخلية والعابرة للحدود..

وشدد رئيس مجلس النواب على أنه “على عكس ادعاءات المناهضين للمهاجرين، تأكدت عبر التاريخ، وتتأكد اليوم، المساهمةُ الحاسمةُ للمهاجرين في بناء اقتصادات بلدان الاستقبال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما تُوَاصِلُهُ اليوم الكفاءاتُ العالية التي تساهم في بناءِ النسيجِ الاقتصادي والخدماتي وإشعاع الحركة الرياضية بهذه البلدان”، مذكرا بأن “البلدان مَصْدَرَ الهجرة تُنفق الكثير من أجل تعليم وتكوين هذه الكفاءات، وخاصة الأطباء والمهندسين”، مشيرا بهذا الصدد إلى أن المغرب ينفق على تكوين الطبيب الواحد أكثر من مليون درهم.

بهذا الصدد، أكد المتحدث أن اقتصادات بلدان الشمال “تحتاج إلى مزيد من الموارد البشرية لسد العجز الناجم، في عدد من القطاعات، عن تراجع النمو الديموغرافي، وبلدان الجنوب تحتاج لتطوير الخدمات المقدمة للمواطن والمساهمة في التنمية بمساهمة كفاءاتها الوطنية”.

وشدد على أن ميلاد الميثاق العالمي للهجرةَ، ميثاقُ مراكشَ، على أرض المملكة المغربية يعتبر عربونَ ثقةٍ واعترافًا دوليًا صادقًا بِنجاعةِ سياساتها الهجروية وبتدبيرها للهجرة، مسترسلا “فبعد أن كانت مصدرَ هجرات وعبور للمهاجرين، أصبحت بلادنا اليوم أرض استقبال وإدماج للمهاجرين، خاصة من باقي البلدان الإفريقية الشقيقة ومن الشرق الأوسط”.

وسجل العلمي أنه “ينبغي أن يتم تقدير جهود بلادنا في مكافحة الهجرة غير النظامية على أساس احترام القانون والكرامة البشرية، وجهودها في إدماج المهاجرين”.

ويرى أن “الاختلالات المناخية تعد عاملا أساسيًا في الهجرات الداخلية والعابرة للحدود، حيث يتسبب الجفاف والتصحر والتراجع المهول للغطاء الغابوي وندرة المياه، وانجراف التربة، وفي أحايين أخرى، الأعاصير والفيضانات، في تنقلاتٍ ونزوحٍ جماعي للأشخاص. ويدفع الفقر والحاجة وفقدَانُ مصدر الرزق الذي يتسبب فيه الجفاف، الكثيرين، وخاصة الشباب، إلى الهجرة خارج أوطانهم، أو الهجرة داخل البلد الواحد”.

ولفت إلى أن إفريقيا “إذا كانت لا تساهم سوى بأقل من 4 بالمئة من الانبعاثات المسببة لاحترار الكوكب الأرضي، فإنها مع ذلك هي القارة الأكثر تضررا من الاختلالات المناخية الناجمة عن هذه الانبعاثات”، ما يطرح “سؤال التضامن الدولي من أجل درء انعكاسات الاختلالات المناخية، وتفعيل ما اتفقت عليه المجموعة الدولية في مؤتمراتِ الأطرافِ في اتفاقيةِ الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، خاصة منذ مؤتَمَرَيْ باريس ومراكش”.

وأبرز العلمي أن العدالةُ المناخية تقتضي توفرَ الإرادةِ السياسية من جانِب البلدانِ الغنية والمانحين الدوليين لتمكينِ البلدان المتضررة من اعتلال البيئة، من التكنولوجيات المُيَسِّرة لقيام اقتصاد أخضر ومُستدام، مشيرا إلى أن الاستثمار في تنمية وتطوير البلدان مَصْدَرَ الهجرة ييسر تحولها إلى بلدان استقرار وجذب للكفاءات مما من شأنه قلب inverser معادلات الهجرة واتجاهاتها ومؤشراتها”.

وأكد راشيد الطالبي العلمي أن “المبادرة الأطلسية التي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء المظفرة في 6 نونبر 2023، تشكل مشروعا استراتيجيا من شأن تنفيذه إحداث تحول جيوستراتيجي إنمائي عميق وبنيوي في إفريقيا، إذ يتوخى الاستغلال الأمثل لثروات القارة وتجهيزها وفك العزلة عن بلدان الساحل الإفريقي التي لا تتوفر على منافذ بحرية، وتمكينها من الارتباط بباقي بلدان المعمور عبر البر والبحر”.

وأضاف أن “المغرب ينفذ خُطَطاً طموحة في مجال إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، إذ إن حوالي 30 منطقة بها مشاريع من هذا القبيل، فضلا عن المشروع الكبير لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتعبئة المياه وحسن تدبيرها، وفي مجال تحلية مياه البحر، وتنفيذ مخططات زراعية رائدة”.

وأكد رئيس مجلس النواب أن المغرب وأروبا بإمكانهما المساهمة على نحو حاسم في قيام وعي جديد يواكب سياسات تتأسس على التضامن والتعاون والاحترام المتبادل من أجل هجرات آمنة، نظامية ومنتظمة كما جاء في “ميثاق مراكش”، ومن أجل التصدي للاختلالات المناخية من أجل تنمية مستدامة. فالسؤال المطروح، الزميلات والزملاء، هو ما الذي سَنُوَرِّثُه للأجيال القادمة في ما يخص العيش المشترك والبيئة الطبيعية والاجتماعية التي تحتضن هذا العيش.

من جانبه، نبه النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين إلى أنه “بقدر ما تخالجنا مشاعر الاعتزاز والتقدير للشراكة المغربية الأوروبية المتقدمة، بقدر ما يتملكنا وعي خاص بضرورة الانتباه إلى ما يحدق بنا من تحديات نابعة أساسا من التغيرات الكبرى المحيطة بنا والمرتبطة على الخصوص بآفتين آخذتين في التفاقم على المستوى الدولي وتتعلقان بالتغيرات المناخية والهجرة، وهما آفتان تتبادلان التأثير والتأثر والتبعية في ترتيب نتائجهما”.

وشدد على أن “هذا الواقع بات يفرض بطبيعة الحال وضع سياسات عمومية وطنية ملائمة في هذا الصدد”، ويتطلب أيضا “إحكام التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف أفقيا وعموديا”.

وأبرز المتحدث أن الهجرة النظامية وغير النظامية أضحت تكتسي أبعادا خطيرة بل ومأساوية مع تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، كما أن هذه الأخيرة تتأثر بطبيعة الحال بالتدفقات البشرية غير المتحكم فيها”، لافتا إلى أن “المؤشرات والأرقام التي تكشف عنها المنظمات الدولية المتخصصة تبعث فعلا على القلق والانشغال لما تقدمه من صورة قاتمة تستدعي من العالم أجمع تضافر جهوده المخلصة من أجل التصدي لها وإيجاد الحلول المناسبة والمستعجلة قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة والتحكم”.

وذكّر بأن “منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أكدت أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار بحلول عام 2050، إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها، ولاسيما في إفريقيا والشرق الأوسط”، مضيفا أن “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تفيد أن 90 في المئة من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي. وتعتبر الظواهر الطبيعة خاصة المتعلقة بالاحتباس الحراري والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر من الدوافع الأساسية لهذا النوع من الهجرة المناخية”.

وأكد ميارة أن المغرب يدرك جيدا ما تنطوي عليه هذه الظواهر من مخاطر جمة محدقة بجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وبالاستقرار والسلم والأمن الإقليمي والدولي، “لذلك، فإنها ما فتئت تبذل جهودا مقدرة في سياق مواجهتها الاستباقية للكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتدبير تدفقات الهجرة”، لافتا إلى أنها “جهود لا تنحصر فقط في توفير الأطر القانونية والتشريعية الملائمة بل تتعداها إلى وضع سياسات عمومية ناجعة ومتناسقة وكذا تسريع وتيرة تعاونها الدولي والإقليمي مع الأطراف المعنية والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وهي جهود عرفت انخراطا فاعلا للمؤسسة البرلمانية في إقرارها وتتبع تنفيذها وتقييم نتائجها”.

وأشار إلى أن استضافة المملكة لفعاليات “كوب 22” كانت “فرصة ملائمة مكنت من إبراز الأوجه المختلفة لهذه الجهود، ومن بينها على سبيل المثال ما يتعلق بتطوير قطاع زراعي متماسك من خلال تدعيم قدرته على الملاءمة والتكيف مع التغيرات المناخية”.

وأضاف أن التجربة المغربية في هذا المجال تبين أن “السياسات القُطرية، على أهميتها المركزية، ليست كافية لوحدها في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة والتغيرات المناخية وما بينهما من تفاعلات خطيرة، بل إن الأمر يستدعي إيجاد صيغ فعالة وناجعة للتعاون الإقليمي والدولي”، مشيرا إلى ضرورة الانخراط الجدي والمسؤول في الجهود المبذولة من طرف كافة الدول، خاصة الدول التي بينها حدود مشتركة وداخل المجالات الإقليمية الهشة، كما هو الشأن في منطقة الساحل والصحراء التي باتت مجالا خصبا لعدم الاستقرار السياسي وانتشار الجريمة المنظمة وشبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة وتنامي النزعات الانفصالية.

وشدد رئيس الغرف الثانية للبرلمان على أن “المغرب، إدراكا منه لخطورة ما تنطوي عليه هذه المنطقة من مخاطر جيواستراتيجية تتجاوز بلادنا إلى شمال البحر الأبيض المتوسط، بادر إلى إطلاق جملة من مشاريع التعاون الإقليمي الكفيلة بالتخفيف من وطأة هذا الواقع الصعب وعلى رأسها مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي ووضع بنياته التحتية رهن إشارتها مساهمة منه في إنشاء منطقة للرخاء الاقتصادي والاجتماعي التي من شأنها تعزيز أسس الاستقرار والحد من تدفقات الهجرة”.

ودعا ميارة الشركاء الأوروبيين للمغرب إلى “بذل مزيد من الجهود لمساعدة الدول والتكتلات الإقليمية في عمقنا الإفريقي على تقوية مقارباتها الاستباقية في التعامل مع الإشكاليات المتعددة الناتجة عن ظاهرتي الهجرة والتغير المناخي من خلال توفير جميع أشكال الدعم اللازم وإطلاق المبادرات الكفيلة بخلق الظروف والشروط الضرورية لتعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة بدلا من التركيز فقط على المقاربات الأمنية على أهميتها”.

وأوضح رئيس مجلس المستشارين أن أبرز الإشكاليات المرتبطة بآفة الهجرة “التي تشكل عبئا ثقيلا على دول الجنوب، ومن بينها المملكة المغربية، تلك المرتبطة بهجرة الأدمغة والكفاءات الوطنية التي تصرف على تكوينها وتأهيلها العلمي ميزانيات ضخمة ضمن استراتيجيات وطنية لسد الخصاص التأطيري في قطاعات حيوية وتحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة”.

وتابع “وفي هذا الإطار، فإننا نتوقع من الدول المستقبلة والمستقطبة لهذه الكفاءات أن تبذل الجهود المطلوبة والضرورية للحد من تفشي هذه الظاهرة التي أخذت أبعادا مقلقة خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تواصل فيه بلادنا بناء نموذجها التنموي الجديد، وهو كما تعلمون أمر يتطلب الانخراط الكلي لكافة القوى الحية والمنتجة وخاصة فئتي الشباب والنساء، لافتا إلى أنه “من المفارقات الكبيرة أن نتحدث عن التعاون والدعم والاعتماد المتبادل بين دول الشمال والجنوب، وفي الوقت ذاته نجد أنفسنا نركز جهودنا على وقف استنزاف طاقاتنا من الموارد البشرية التي نحتاجها في تطوير اقتصاداتنا ومجتمعاتنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News