مجتمع

بعد جولة واحدة.. أرقام مفزعة لشغب الملاعب تدق ناقوس الخطر وتسائل جامعة لقجع

بعد جولة واحدة.. أرقام مفزعة لشغب الملاعب تدق ناقوس الخطر وتسائل جامعة لقجع

مع انطلاق البطولة الاحترافية المغربية القسم الأول، عادت معها أعمال الشغب بالملاعب الرياضية لتتسيد المشهد الرياضي من جديد، بعد أن أقفل الموسم الرياضي الماضي على أعمال الشغب، التي ظل المغاربة يضعون أيديهم على قلوبهم حتى لا تتطور إلى فواجع جديدة تلطخ السمعة الرياضية المغربية.

مجموعة من المؤشرات التي كشفت عنها الجولة الأولى والثانية من البطولة الاحترافية لكرة القدم تؤكد أن “كرة” العنف بالملاعب الرياضية ستكبر أكثر فأكثر في الأيام القادمة، ما يدق ناقوس الخطر ويسائل الإجراءات الاستباقية للجامعة الملكية لكرة القدم بدل الاكتفاء بردود الفعل والقرارات التأديبية المحدودة.

لا تفاضل بين جماهير الأندية المغربية فيما يتعلق بالتورط في أحداث الشغب والعنف بالملاعب، فعلى الرغم من أن أغلبية هذه الجماهير يقودها إلى الملاعب شغف “المستديرة” ورغبة تشجيع فرقها، إلا أن أقلية “متحورة” باستمرار تُصر على إفساد نكهة هذه اللعبة وتحويل الملاعب وجنباتها إلى ساحة حرب الكل فيها مشروع ضحية.

وتوضح مجموعة من المعطيات أنه خلف إبداع “التيفوهات” وجمالية “الكراكاج” وحماسية الأهازيج الرياضية يوجد عدد غير يسير من الجماهير التي لا يمكن توقع تصرفاتها أو التنبؤ بما يمكن أن يصدر عنها، ما يدعو إلى مقاربة استباقية شاملة لتفادي مآسي مرتقبة أمام تصاعد موجة أعمال العنف.

أرقام مفزعة

لم تكد تنتهي الجولة الثانية من البطولة الاحترافية القسم الأول، حتى وقّعت أحداث الشغب على أرقام قياسية تدق ناقوس الخطر بشأن التطورات المستقبلية لهذه الأحداث، وذلك ما يعكسه عدد الذين تم إيقافهم، من بينهم قاصرين، بكل من الرباط والدار البيضاء ووجدة وفاس خلال الأيام القليلة الأخيرة.

وكشفت السلطات في وقت سابق عن توقيف 81 شخصًا بينهم 46 قاصرًا، على خلفية أعمال شغب عقب مباراة فريقي الفتح الرباطي والوداد البيضاوي التي أجريت بالرباط.

كما تم ضبط 23 شخصا، من بينهم قاصرين، عقب مباراة الرجاء البيضاوي وأولمبيك آسفي التي أقيمت بالدار البيضاء، لتورطهم في ارتكاب أعمال العنف المرتبط وحيازة الأسلحة البيضاء وغيرها من التجاوزات، وتم ضبط 36 شخصا آخرين في المباراة نفسها من أجل حيازة تذاكر مزورة، وشخصين من أجل حيازة الشهب النارية.

وفي سياق متصل، أوقفت مصالح الأمن بالدار البيضاء 29 شخصا، وحجز أسلحة بيضاء، وذلك ضمن تدخلات أمنية استباقية لمنح حدوث أعمال عنف خلال مباراة فريقي الوداد البيضاوي والدفاع الحسني الجديدي، وتم حجز سيارتين تم العثور بداخلها على أسلحة بيضاء كبيرة الحجم وعددها 12 سيفا، كانت بحوزة أربعة عشر شخصا من المحسوبين على فصيل مشجعي نادي لكرة القدم.

وبدورها، لم تسلم مباراة فريقي المغرب الفاسي والمغرب التطواني التي أقيمت بفاس من أعمال الشغب، إذ تم إيقاف 32 شخصا، من بينهم 11 قاصرا، عقب أحداث الشغب التي تلتها.

وينضاف إلى هذه الأرقام ما سجلته مباريات الموسم الفارط من أحداث شغب، بالرغم من القرارات التي اتخذتها الجامعة الملكية لكرة القدم، والتدخلات الأمنية المستمرة.

شغب الملاعب بوصفه ظاهرة

ويفسر محمد فاوبار، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب سايس فاس، في اتصال مع “مدار21″، ظاهرة الشغب بالملاعب بخصوصية لعبة كرة القدم في إطار البطولات، موضحا أنها “تتسم بسياق خاص للعب يتعلق بالجمهور وخصائصه وثقافته التي تغلب عليها الحماسة وأحيانا العنف”.

ويشرح فاوبار بأن “هناك ثقافة خاصة بالملاعب يتربى وينشأ عليها الناس، وهذه التربية موروثة عن سنوات طويلة تجعل الجمهور، وخاصة الفئات الشابة والصغرى، تساير الموجة الحماسية، لا سيما وأن الفرجة دائما ما تكون جماعية”.

وحول “الفرجة الجماعية”، يؤكد أستاذ السوسيولوجيا أنها “تقتضي من الفرد أن يذوب في الجماعة، إذ يصبح لهذه الأخيرة سلطة عليه، فيكفي أن يكون هناك “تصفير” خاص أو نوع من الصياح حتى ينضبط الجميع، وبالتالي فالظاهرة الجماعية في الفرجة أساسية، ذلك أن دور الفرد خلالها يتغير عما يكون عليه عندما يكون لوحده”.

ويتابع المتحدث “وبالتالي نجد أن مجموعة من الشباب يتصرفون بطريقة جماعية إذا كانوا يتبنون فريقا معينا ويدافعون عنه وينتمون لفريق مدينتهم، ما يفسر وجود دافعية للحماس، انطلاقا من الظاهرة المحلية داخل الملعب”.

سياقات اجتماعية

ويرصد محمد فاوبار تأثير الوسط الاجتماعي على مشجعي كرة القدم لافتا إلى أن “هؤلاء الشباب نشأوا داخل المجتمع ويأتون من سياقات اجتماعية متشابهة مثل الحارة أو الدرب، ومن أوساط شعبية، وبالتالي يلتحقون بالملعب وهم محملون بمشاكلهم وأزماتهم وأحلامهم وتطلعاتهم وتوتراتهم النفسية والاجتماعية”.

ويسترسل أستاذ علم الاجتماع أنهم “كشباب دائما ميالون إلى العنف، ما يجعلهم يجدون في الملعب متنفسا لإثارة الشغب، حتى يثيروا أنظار المسؤولين إلى أوضاعهم الاجتماعية، ذلك أن ظاهرة الملاعب أصبحت تشكل متنفسا للشباب المقهور”، يؤكد فاوبار.

الحلول الزجرية لا تنفع

وأردف الأستاذ الجامعي بأن ظاهرة الشغب أصبحت ملازمة للملاعب المغربية، مؤكدا أن “الحلول الزجرية لا تنفع هنا”، بل ينبغي، وفق فاوبار، تأطير الشباب وحل مشاكلهم وخلق ثقافة رياضية جديدة وليس ثقافة التعصب.

والثقافة الرياضية، وفق أستاذ علم الاجتماع، تنبني على “دمقرطة اللعب واختيار اللاعبين وبناء الفرق الرياضية وكيفية التعامل مع الجمهور وبناء قيم رياضية داخل الملاعب، حتى تتحول الملاعب إلى مكان للفرجة الرياضية وليس مكان لتنفيس الغضب”.

وأورد المتحدث أنه من الممكن أن “نجد هذه الظاهرة بالبلدان الأوروبية بوقوع انفلاتات من هذا النوع لكن إجمالا مسارات اللعب تكون أقل عنفا وتوترا من الملاعب في البلدان المغاربية، ومنها المغرب”.

الرهان على التعليم

وأفاد فاوبار أن القضاء على شغب الملاعب ومحاصرته يكون من خلال التربية التي تمر أساسا عبر التعليم وعبر المناهج الدراسية الموجهة للأطفال والشباب الذين يلجون إلى الملاعب.

وسجل فاوبار أن المناهج الدراسية لا زالت بعيدة جدا عن واقع هذه الفئة، مشددا على أن “الكتب المدرسية يجب أن تتضمن قيم ثقافية ورياضية حتى يمكن أن يتربى الشباب بطريقة جديدة من طرف مدرسيهم، حتى يلجوا الملاعب بثقافة جديدة وليس بثقافة موروثة من مجتمعاتهم الضيقة”.

“الألتراس”.. تأطير أم شحن للجماهير؟

تثير ظاهرة “الألتراس” بالمغرب أسئلة كثيرة، إذ يوجد انقسام حول تقييم دورها داخل الملاعب، ما بين تقييم إيجابي كونها تؤطر الجماهير وتنظم الأهازيج الكروية و”التيفوهات” والاستعراضات التشجيعية، وتقييم آخر يعتبر أنها تلعب دور سلبي في شحن الجماهير بالتعصب المبالغ فيه، الذي قد يبرر أحيانا ممارسة العنف في حق الآخرين.

وحول هذا الجانب، يؤكد فاوبار أن التواصل المباشر ما بين الفرق ومشجعيها هو الحل، مؤكدا أن الرياضة بنية عامة شاملة، ولا يمكن معالجة مشكل دون آخر، لأن الأمر يتعلق بالسياسة الكروية والرياضية عامة، وبسياسة بناء الملاعب وبكيفية التعامل مع الرياضة في المجتمع وكيفية تكوين الناشئة وتكوين حتى الفرق الرياضية وكيفية التعامل معها.

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة فاس أن “بناء العلاقة المباشرة بين الفريق وجمهوره هو الحل، وليس الإبقاء على علاقة فوقية وتراتبية أو بيروقراطية”، مشيرا إلى أنه إذا تم التأسيس لهذه العلاقة ف”الالتراس” لن يعود لها ذلك الدور الذي تحتله الأن في ظل العلاقة البعيدة بين الفريق والجمهور.

وحول هذا التواصل المباشر يؤكد فاوبار أنه “من الممكن الاعتماد في هذا الجانب على العالم الرقمي وصفحات التواصل الاجتماعي للتواصل مع الجمهور”، مشددا على أن “التواصل بين الجمهور وفريقه سيقضي على هذه التشجيعات التي تنبني على نوع من العقيدة التي تكون في غير محلها أحيانا، ولا تتماشى مع الروح الرياضية، هذه الأخيرة تقتضي القبول بالهزيمة كما الانتصار”.

وانتهى الأستاذ الجامعي محمد فاوبار إلى أنه “يجب إعادة النظر بشكل عام في الثقافة الرياضية”، مشيرا إلى أن هذا دور الوزارات والمؤسسات المعنية بالقطاع الرياضي في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News