رأي

الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي

الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي

هناك ارتباط كبير بين النموذج التنموي الجديد الذي وضعته اللجنةالخاصة به و بين الجهوية المتقدمة أو الموسعة. فلا يمكن الحديث عنتنزيل مضامين وركائز الجهوية المتقدمة بدون تنزيل مضامين النموذجالتنموي، كما يصعب تحقيق أهداف هذا النموذج بدون تنزيل القانونالتنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات الصادر بتاريخ 7 يوليوز2015 ، خاصة في سياق النداءات الملكية التي جعلت الجهويةالمتقدمة محور النموذج التنموي

وما يؤكد هذا القول، نذكر على سبيل المثال الخطاب الملكي الساميبمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2011، الذي جاء فيه: ” إن تحديث ودمقرطة هياكل الدولة، بقدر ما يتجسد في توزيعالدستور الجديد للسلطات المركزية ; وفق مبدإ فصل السلط ; فإنهيتجلى، بصفة أقوى، في إرساء الجهوية المتقدمة، القائمة على إعادةتوزيع سلط وإمكانات المركز على الجهات. وذلك على أساسالديمقراطية الترابية والحكامة الجيدة ; بما يكفل تحقيق تنمية جهوية، متضامنة ومتوازنة ومندمجة، تضع حدا للمقولة الاستعمارية للمغربالنافع وغير النافع، وللفوارق المجالية “.

و أيضا الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الرابعةلمنتدى (كرانس مونتانا) التي احتضنتها مدينة الداخلة خلال شهرمارس 2018  .  ومما جاء فيها أنالجهوية المتقدمة ليست مجردتدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإرادة قوية على تجديدبنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجةلمجالاتنا الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروعينخرط فيه الجميع“.

فمن خلال رؤية جلالة الملك محمد السادس للتنمية في كل مجالاتهاوأبعادها يظهر لنا مدى أهمية الجهوية المتقدمة، كونها إطارا ترابيالتحقيق التنمية وآلية لدعم اللامركزية والديموقراطية المحلية وتحقيقالتوازن المجالي.

 و لذلك ، فإن الجهوية المتقدمة تعد محركا للتحولات الهيكلية للمملكةالمغربية، وورشا كبيرا في صلب الرهانات الحالية والتحديات الداخليةوالخارجية المستقبلية للتنمية الوطنية والجهوية الشاملة والمندمجة، مايحتم إقرار تحول في مفاهيم الاستراتيجيات والسياسات التنمويةالمستقبلية ، والتي ينبغي أن تجعل من البعد المجالي ركيزة أساسيةللنموذج التنموي الجديد لحل العديد من  الاختلالات الاجتماعيةوالاقتصادية وإرساء عدالة مجالية يمكن لها تحقيق استدامة النموذجالوطني في الإصلاح وفي الاستقرار و استثمار إمكانيات كل جهة أوإقليم و إحداث توزيع عادل للثروات و التخفيف من ثقل تمركز إنتاجالثروات في جهة أو جهات بعينها ، واعتماد مسار جديد لنموذجالتنمية كأساس للإدماج والالتقائية، وكمحرك للدفع بمختلفالديناميات السوسيو اقتصادية والمجتمعية والترابية.

كما أن تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي  والاهتمام بالفئاتالهشة هو ما يمكن أن يعطي للعدالة الاجتماعية والمجالية مفهومهاوبعدها ومدلولها الحقيقي العمليفمثلا تشغيل الشباب والقضاءعلى العطالة لن يتحقق إلا من خلال وضع استراتيجية واضحة المعالمعلى مستوى كل جهة، لأن ترسيخ نظام الجهوية المتقدمة أو الموسعة ، قد يمكن من بناء علاقات جديدة بين الإدارة و المواطن، مبنية علىالقرب والإصغاء والشفافية والجودة والسرعة في الإنجاز.ذلك أنالمسار المستقبلي للتنمية بالمغرب مرتبط بشكل عميق بنجاعةالمشاريع الجهوية المهيكلة، وبعمق الإصلاحات الهيكلية وبأهميةالاستثمار ، الوطني والأجنبي ، الذي ستضطلع به الدولة والجماعاتالترابية و المقاولات الوطنية .

وجدير بالذكر في هذا الصدد، أن تحقيق العدالة المجالية، في ظلالجهوية الموسعة ، من شأنه تجاوز حالات العجز الذي تعاني منهعدد من مناطق البلاد، وخاصة المجال القروي والمناطق الجبلية، التيينبغي تحويل إمكانياتها الكبيرة والغنية إلى ثروات عبر إطلاقمشاريع استثمارية جهوية ومحلية.

ثم أن الأهداف الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد يجب أن تحددفي إطار سياسة جهوية واضحة وقابلة للتنفيذ، مع اعتماد منظورمتجدد للتنمية مرتكز على معرفة جماعية ذكية للمكتسبات الواضحةالتي يجب تقويتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والبيئية ، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات و خصوصيات كل جهة منجهات المملكة ، ومعرفة نقط الضعف التي يجب معالجتها من منظورتنموي شامل .

فالنموذج التنموي الجديد ، إذا توفرت الإرادة السياسية ، سيكونقادرا على توفير المطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين ، فيإطار سياسات عمومية تأخذ بعين الاعتبار البعد الجهوي و مبنيةعلى اقتصاد ناجع وقوي يهدف إلى تحقيق النمو بسرعة ، وخلقفرص الشغل ، و تحقيق العدالة الاجتماعية ، و خلق القيمة الانتاجيةالمضافة على مستوى القطاعات الإنتاجية ، و تقوية الانتقالالديمقراطي، وتسريع التحول الهيكلي ، وتكثيف التشعب الاقتصاديوالتنافسية التكنولوجية ، وتقوية التأهيل الاجتماعي والجهوي و إقرارالتماسك الاجتماعي والترابي ، ورفع نسبة تشغيل النساء ، وإدماجالعالم القروي ، وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف شرائح المجتمع، وتقوية قدرات المرأة والشباب،  والرقي بالخدمات العمومية، وتكريسقيم التضامن في المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News