السياسة في حضرة السوشال ميديا

الحديث عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتأثير المصاحب لها على مجموعة من المستويات يقودنا بالضرورة إلى التساؤل الجدي، حول الأثر الذي تتركه في الشأن السياسي .
السياسة بعيون السوشال ميديا، تختلف تماما مما يحيلنا على التجديد الحاصل في تشكيل العلاقة بين المواطن و الشأن العام، و في هذا السياق لن تفوتنا الفرصة للتذكير بالخلخلة التي أحدتثها مواقع التواصل في المجال السياسي، كمثال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عندما استخدمها المرشحون لنشر حملاتهم الانتخابية، و خلق نوع من التفاعل مع المواطنين ، ثم الربيع العربي حيث كانت المواقع بمثابة الوسيلة التي نظم من خلالها المحتجون وقفاتهم.
و بالتالي فالأنترنيت أعطى فرصة جديدة للتعبير الحر، و ابتكار أشكال جديدة من المشاركة و التفاعل السياسي، الشيء الذي كرس نوعا من القطيعة مع الأحزاب السياسية المغربية، و طرقها التقليدية.
الفرق يكمن في كيفية التعاطي مع الأحداث و الإشكالات المجتمعية، حيث أن المواطن المغربي لم يعد يكتفي بالبقاء في وضعية المتلقي، بل أصبح مساهما، منتقدا، منتجا و محتجا أيضا ، السياسة في عمقها سيرورة ديناميكية، و التواصل و النقاش فيها يجب أن يكون مستمرا و لا يمكن إخضاعه لمنطق الموسمية على غرار الفواكه.
فقد أصبحت شبكات التواصل الإجتماعي، تتبنى آراءا و رؤى لا يتبناها الإعلام بمفهومه التقليدي، في الوقت الذي لا يمكننا نكران، أنها ساهمت بطريقة أو بأخرى في إنخراط المواطن في النقاش السياسي، بعدة فترات طويلة من الإنعزال و العزوف، كان فيها المواطن المغربي يبتعد عن إثارة كل ما له علاقة بالسياسة و أفرادها و أحزابها، خصوصا و أن تاريخها مرتبط لديه بالخذلان، و الوعود الكاذبة و الانسحاب…
و بالتالي فقد تجازوت هذه الشبكات كونها وسيلة للترفيه و تجزية الوقت، و ارتقت إلى مناقشة قضايا مجتمعية كبرى، و تعبئة الرأي العام حولها كالصحة و التعليم ، البطالة إلخ، و فضح لما يعتمل فيها من من اختلالات عن طريق الصوت و الصورة، و شن الحملات الفيسبوكية على طريقة “الهاشتاك”، و أبرز ما يميزها هو تلقائيتها، و تفاعلها مع الأحداث و الوقائع الآنية ، بالإضافة إلى هامش الحرية الذي تحضى به ، زائد لا إنتمائها السياسي أو الإيديولوجي، اللهم بعض الإستثناءات.
فأصبحت السوشال ميديا هي الناقل و العاكس لإحباطات و شكاوى، و تطلعات هذه الفئة العريضة من المواطنين المغاربة، و المترجم لأهدافها و طموحاتها ، في الوقت الذي يجذر بالأحزاب السياسية ،أن تكون وسيطا بين الدولة و المواطن، تركت فراغا لا تجديد و لا تواصل فيه، و لأن الطبيعة تكره الفراغ فقد كانت المواقع في الموعد، فهل تعلن بذلك الأحزاب السياسية إفلاسها و تأخرها؟
بالرغم من الإيجابيات الناتجة عن استخدام شبكات التواصل، في مناقشة كلما هو مجتمعي سياسي و توعوي، غير أن هذا لا يحصنها من مواجهة تحديات كبرى، أهمها تسخيرها من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للبلد، ومحاولة التحريض و نشر خطابات الكراهية، مما يستدعي معه المزيد من الحذر و التأطير والأهم هو الإحتواء.
أمام هذا كله فالحديث عن الشأن العام، لم يعد خاضعا للنسق التقليدي المعمول به، فالشبكات الاجتماعية التي كنا نسميها مواقع افترضية أصبحت واقعية، وصوتا للمواطن و مجالا للتعبير و ابداء رأيه، لكن ألا يعتبر هذا بمثابة رجة للمؤسسات السياسية، من أجل العمل على إعادة بناء علاقة جديدة، مع جيل اختار المواقع كبديل عن الفراغ الموجود، و بالتالي فعلى الأحزاب السياسية تجاوز العمل الكلاسيكي و نهج آليات معصرنة تلائم الأجيال الحالية التي لا تؤمن بالخطابات الحالمة، وتستجيب لمتطلبات لا زالت معلقة و انتاج سياسات و خطط تساير للمجتمعات الرقمية.
أخصائية اجتماعية ومدونة-