هل تتفاعل حركة “جيل زد” مع مخرجات المجلس الوزاري؟

أثارت بعض مخرجات المجلس الوزاري المنعقد أمس الأحد (19 أكتوبر 2025) وترأسه الملك محمد السادس، نقاشات متباينة في صفوف شباب حركة “جيل زد 212” على منصة دسكورد، يمكن تصنيفها بشكل جزافي إلى ثلاثة توجهات.
وعبر عدد من المشاركين في النقاش العام في المنصة عن فرحتهم بالاستجابة لبعض مطالبهم، داعين إلى الافتخار بذلك واعتباره ضمن منجزات الحركة الاحتجاجية.
في المقابل يرى توجه حذر أن ما تم الإعلان عنه مهم، وهو حافز ومشجع على مواصلة النضال حتى يتم تحقيق باقي المطالب.
ويرى توجه ثالث أن ما تم الإعلان عنه مجرد “ذر الرماد في العيون” وأنه لا يرقى إلى مستوى الانتظارات الكبيرة للمواطنين، وليس هناك ضمانات على تحقيقه، وأن مصيره مثل مصير كثير من الوعود التي أعلنت ولم تنجز، وأن والهدف منه إفشال نضالهم وتنيهم عن مواصلته.
إن حركة “جيل زد 212” التي قادت سلسلة الاحتجاجات ذات البعد المطلبي شكلت أحد عناصر السياق السياسي الذي انعقد فيه المجلس الحكومي. وتفرض طبيعة التدافع السياسي السلمي الذي انخرطت فيه، والمبني على قيم الترافع والانصات والتفاعل، أن تعلن الحركة موقفا أو على الأقل قراءة لمخرجات المجلس الوزاري ذات الصلة بمطالبها.
وقبل مقاربة أهمية تفاعل الحركة مع مخرجات المجلس الوزاري الأخير، نذكر بتركيز بأهم تلك المخرجات ذات الصلة المباشرة مع مطالب الحركة.
في ملاحظة عامة وسريعة يمكن القول إن الأولويات الأربعة للتوجهات العامة لمشروع قانون المالية برسم سنة 2026، تلامس في عمومها مطالب الحركة الاحتجاجية، غير أنها في العموم أقرب إلى إعلان “حسن النية” بعبارات شعاراتية عامة، فيما يمكن تسجيل وعود واضحة وبمؤشرات رقمية محددة.
يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى ستة عناصر ووعود ذات الصلة المباشرة بمطالب الحركة، والتي تدور بالخصوص حول التشغيل، وقطاعي الصحة والتعليم، وتخليق الحياة السياسية ومحاربة الفساد، وتشجيع ولوج الشباب إلى المؤسسات المنتخبة وتأسيس الأحزاب.
العنصر الأول: تخصيص غلاف مالي إجمالي يقدر ب140 مليار درهم، بالإضافة إلى إحداث أزيد من 27.000 منصب مالي لفائدة قطاعي الصحة والتعليم.
العنصر الثاني: افتتاح مركزين استشفائيين جامعيين (أكادير والعيون)، واستكمال أشغال بناء وتجهيز ثلاثة مراكز استشفائية ( الرباط، بني ملال، وكلميم، والرشيدية) و إطلاق عملية تأهيل وتحديث 90 مستشفى.
العنصر الثالث: تسريع تنزيل خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التربوية، عبر تسريع تعميم التعليم الأولي، وتعزيز خدمات دعم التمدرس، وتحسين جودة التعليم … (وهي كما هو ملاحظ عبارات عامة وفضفاضة تصلح لكل تصريح وبرنامج).
العنصر الرابع: تخليق الاستحقاقات التشريعية المقبلة بتحصين الولوج إلى المؤسسة النيابية في وجه كل من صدرت في حقه أحكام يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية، واستبعاد مرتكبي الجرائم الانتخابية وتشديد العقوبات المتعلقة بها…
العنصر الخامس: تحفيز الشباب الذين لا تفوق أعمارهم 35 سنة، على ولوج الحقل السياسي، وذلك بمراجعة شروط ترشحهم وتبسيطها، وإقرار تحفيزات مالية لتحمل مصاريف الحملة الانتخابية بمنحهم دعما ماليا يغطي 75% من مصاريفها.
العنصر السادس: تطوير الإطار القانوني المنظم للأحزاب، ووضع القواعد المساعدة لتعزيز مشاركة النساء والشباب في عملية تأسيسه…
بشكل موضوعي تشكل العناصر الستة السابقة أرضية سياسية مهمة لإصلاح يمكن إنجازه خلال سنة واحدة إذا توفرت شروط أجرأتها وتنفيذها بما يعزز الهدف المعلن منها. لكن هل تراه حركة “جيل زد 212” كافيا؟ أو مهما؟ أو مشجعا؟ أو عكس ذلك مجرد وعود لا تتناسب وتطلعات المواطنين؟ أو قد لا تنفذ منه الحكومة إلا الشيء القليل؟
إن عدم تفاعل الحركة بشكل رسمي مع مضمون الخطاب الملكي للعاشر من أكتوبر في افتتاح الدورة التشريعية الجديدة في البرلمان، يمكن تفهمه بالنظر إلى الأدبيات التي عبرت عنها الحركة في وثائقها المتعلقة بالتعامل مع المؤسسة الملكية، لكن المجلس الوزاري يصادق على مقترحات الحكومة، وتنفيذ مخرجاته متعلق بالحكومة. فما الذي سيمنع الحركة من إعلان موقف أو قراءة لتلك المخرجات؟
نعم هناك بعض الموانع “الموضوعية” التي يمكن أن “تمنع” الحركة من إعلان موقف أو تقديم قراءة، مثل الخوف من الوقوع في “فخ” التناقض بإعلان أي موقف أو قراءة إجابيين من مخرجات المجلس الوزاري، على اعتبار أنها طالبت الحكومة بالاستقالة، وتتهمها بالفساد، وتطالب بمحاسبتها. أو مثل صعوبة التوافق الداخلي على قراءة جماعية. أو مثل الخوف من فتح باب إضافي لتأجيج الخلافات الداخلية… لكن غياب “التفاعل الرسمي” للحركة مع مخرجات المجلس الوزاري قد يظهرها في صورة فاعل ضعيف، ويترك فراغا تملؤها الدعاية الحكومية وتقييمات باقي الفاعلين، مما قد ينعكس سلبا على معنويات شباب الحركة بإضعاف جدوى مواصلة النضال.
في التقدير لا يتناقض تقديم قراءة نقدية لمخرجات المجلس الوزاري باعتباره مؤسسة يرأسها الملك، مع مطالب الحركة بإقالة الحكومة ومحاسبتها، فالمجلس الوزاري طرح ما ينبغي للحكومة القيام به خلال سنة 2026، ومطالب الحركة لها بعد استراتيجي. ووجود مثل هذه القراءة النقدية، بالإضافة إلى أنه تمرين سياسي داخلي للحركة عليها التمكن من حسن تدبيره، فهو ما قد يحميها من التناقض، ويحمي صفوفها من “التشويش”، ويعزز موقعها كقوة مجتمعية متفاعلة.